في زمن يجنح العالم فيه نحو العولمة ويعيشها بكل اشكالها واشكالياتها وحيثياتها وذلك بتجاوز الحدود الجغرافية والديموغرافية والحضارية والمعرفية والثقافية والطبقية ..يجنح البعض من امثل \"الشيخ \" يوسف القرضاوي نحو الحدود الضيقة باجترار واستهلاك مفاهيم متهرئة عفا عنها الزمن واندثرت مع تتابع سيرورة التاريخ وذلك بترسيخ حدود وفواصل وحواجز اصطنعها اصحاب الدين المسيس والسياسة التي تلفعت بجلباب الدين وامراء السيف والقهر وحكام الجور ومعهم وعاظ السلاطين وباحياء واذكاء النعرة المذهبية والنزعة الطائفية ونفخ رماد التنازع والشقاق بين الاخوة من السنة والشيعة وزرع فوبيا غير مبررة تجاه \"المد\" الشيعي المتوهم ..ومن كان بيته \"الطائفي\" من زجاج فلا يرمي الناس بحجر ويبدو ان بيت \"الشيخ\" القرضاوي ليس من زجاج فقط وانما هو كيان متصدع واوهن من بيت العنكبوت، والعجب كل العجب من هذا الصمت القبوري المريب من مراجع المسلمين (الشيعة منهم خاصة) ومن نخبهم المتعلمة والمتنورة ازاء تخرصات وتفاهات واستعداءات القرضاوي واهاناته المستمرة ضد احد مكونات المنظومة الاسلامية التي بتشكلها التعددي وتنوعها الفقهي تكون ما يمكن ان يطلق عليه امة محمد(ص) ..فهل السكوت من قبل الشيعة هو علامة العجز واللامبالاة او يندرج تحت يافطة مجاملة الآخرين في عدم فتح الملف الطائفي الحساس في وقت غير مناسب ؟وفي المقابل هل يعد السكوت دلالة \"الرضا\" من قبل العلماء والنخب والرأي العام لبقية المذاهب الاسلامية، وربما يكون غض النظر تواطؤا وتوافقا مع ما يذهب اليه القرضاوي في تخرصاته تجاه الشيعة والتشيع ..الله اعلم..
وهذه هي المرة الثالثة ـ ولن تكون الاخيرة طبعاـ التي يطلع علينا القرضاوي موجها سهامه الصدئة نحو طائفة مهمة من طوائف المسلمين ونحو مذهب مهم من مذاهبهم (اقول طائفة ومذهب كحقائق ملموسة شاء القرضاوي ذلك ام أبى ) ومحاولا ان يظهر نفسه الناطق الرسمي باسم اهل السنة والجماعة والدرع \"الواقي\" امام المد او الامتداد الشيعي بذراعه الايراني ومحذرا اهل السنة من \"الغول\" الشيعي المتغلغل في احشاء البلدان العربية والإسلامية وكأن التشيع هو الخطر الوحيد الذي يحيق بالعرب والمسلمين!! ..
\"الشيخ\" القرضاوي يعطي لنفسه الحق في الحكم على الاخرين ويعتبر نفسه ومن يمثله (اكثر من مليار مسلم ) لكونه رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين انه (وانهم) على حق وان الاخرين على باطل ويقصد التشيع ضمنا !! وذلك عن طريق سلوكه منهجا سلفيا تكفيريا خوارجيا معوجا وواضحا بتدليسه على النبي (ص) الذي لم يقل في يوم من الايام الحق على ما انا عليه واصحابي وناسبا التشيع في جذوره التأسيسية الأولى الى أصول يهودية ونزعات سبئية ومرجعا اسباب انتشاره و\"التبشير\" به الى الفرس \"المجوس\" والى الصفوية التي اندثرت من زمان بعيد..فهل فات عن الذهنية القرضاوية التي اصابها الخرف الفكري والزهايمر العقائدي او غابت عنها حقائق متواترة هي اكثر رسوخا من اليقين الصادق ان التشيع كعقيدة ومذهب قد نشأ وترعرع في مدينة النبي (ص) وفي حياته وتحت نظره الشريف وبين جوانحه المقدسة كما اعتنقه اجلاء الصحابة وعلياتهم واشرافهم واصحاب السبق والفضيلة والجهاد والشهادة والاسماء كثيرة يطول تعدادها ويطول بنا المقام بشرح مناقبها وفضائلها ،ولكن الحقد الأسود والضغينة الطائفية والتحجر المذهبي قد ذهب بلب \"الشيخ\" القرضاوي وعقله الذي لم يغب عن باله قطعا ان اساطين مذاهب الجمهور من أهل السنة والجماعة قد تشرفوا هم وغيرهم بالتلمذة على يد الاستاذ الاكبر والامام الاعظم والمفكر العلوي الهاشمي جعفر بن محمد الصادق وكان هؤلاء ضمن آلاف مؤلفة كلهم يقال لهم عالم يجلسون جلسة العبد المتواضع والتلميذ المؤدب تحت منبر الصادق امام الشيعة التي يحذر من \"بعبعهم\" القرضاوي ..فهل نسي \"الشيخ\" ان التشيع عربي المنشأ والهوى والجغرافيا والتاريخ وان السلف الصالح الذي يتغنى بهم القرضاوي كانوا ضمن طلائعه الاولى ..وانه لو كان فيه مايريب او يعيب او يخرج الانسان من \"الملة\" او يكون على \"خطأ كما يدعي القرضاوي\" لما اعتنقه سيدنا سلمان الفارسي (رض) وغيره بالمئات من الصحابة \"العدول\" وبعض امهات المؤمنين والتابعين وتابعي التابعين ولما افتى شيخ الازهر السابق شلتوت رحمه الله بجواز التعبد به أسوة ببقية المذاهب الاسلامية \"المعترف\" بها فلم تكن تلك الفتوى وغيرها نابعة من مجاملة بل كانت عن قناعة تامة ومعرفة علمية راسخة ..
وكان احرى بالقرضاوي ان لا يخلط ـ سواء عن عمد او جهل ـ بين متناقضات لا يحسن المزج بينها مثل الخلط مابين السياسة والتشيع ومابين التشيع كمذهب والتبشير المؤدلج الذي قامت به سابقا الدولة الصفوية وحاليا جمهورية ولاية الفقيه الايرانية إن صحت الفكرة وجازت التسمية ..وكذلك الخلط مابين الخطر الايراني المستفحل كتوجهات سياسية ومابين التوجه المذهبي الذي ياخذ طابعا سياسيا مغلفا بالمصالح الوطنية والتوجهات القومية الفارسية ..
وأين يكمن الخطر في رأي القرضاوي ،هل هو في التشيع كمذهب ام في التبشير الايراني المذهبي السياسي المؤدلج ، وهل يوجد في التشيع خطر على العقائد السنية المتمثلة في المذاهب الأربعة؟ ام ان الخطر كله يكمن في الحساسية المفرطة من التوجهات الإيرانية ذات الدين المسيس والتمذهب العابر للحدود؟!
وبإمكان \"الشيخ\" القرضاوي ان يقرأ التاريخ الإسلامي جيدا ويستقرئ معه تاريخ التشيع لكي يضع النقاط فوق الحروف ويخرج من قمقمه الطائفي الى هواء الحقيقة النقي والفضاء الذي يجمع المسلمين كافة ،سنة وشيعة، في اطار امة محمد(ص)..
كاتب واعلامي
أقرأ ايضاً
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- من هو المسؤول عن اثارة النعرات الطائفية في مرقد أبو حنيفة النعمان
- الطائفية في الوثائق العثمانية