ما هو السر في عظمة ثورة الإمام الحسين عليه السلام، وما هو السر في تدفق الملايين سنويا للاحتفاء بثورته في أربعينيته الخالدة؟! وما هو الدافع لأولئك الزائرين من تحملهم عناء السفر ووعثاء الطرق وتجلدهم أمام قساوة الطقس من حرارة لاهبة في الصيف وبرودة قارصة في الشتاء، لا يعبأون من كل ذلك بل يقطعون المسافات البعيدة وقد تستغرق خمسة عشر يوما يمشون عشقا لزيارة الحسين حتى أن أقدامهم تتورم وتتفطر وبالرغم من كل ذلك تراهم يتلذذون ويهتفون وينادون بأعلى صوتهم لبيك يا حسين، ما هذا العشق الذي لا ينقطع أمده ولا يبلى ذكره ولا يندرس وصفه!!
كثير من الثورات قد عفى عليها الزمن بيد أن ثورة الإمام الحسين عليه السلام كلما أخلق الزمان تتجدد ولا تمل ولا يطرأ عليها أي تغيير في المنطلقات والمعطيات، فهي تبقى الأولى في الانعطافات التغييرية والمسيرات الإصلاحية والحركات التحررية، تندرس الثورات لمدة من الزمن بيد أن ثورة الحسين تتألق أكثر وأكثر كلما مرت عليها السنون، ما السبب في ذلك التألق والألمعية والنجومية التي تتأجج وتضحى أكثر نورانية بالرغم من مرور حوالي ألف وأربعمائة عام عن وقوعها؟!
يسأل الكثير عن خصوصية الحركة النوعية للإمام الحسين عليه السلام لاسيما إذا نظرنا إلى حزمة من المقامات التي اختص بها دون غيره من الأنوار الإلهية من ضمنها استجابة الدعاء تحت قبته والإمامة من ذريته والشفاء في تربته، نجد أن النوعية فيها قد تبلورت في أربعة عناوين بالتحديد:
أ) قلما تجد للشخوص التي اشتركت في ملحمة الطف نظيرا لهم في التاريخ القديم والحديث.
ب) الإخلاص وذوبان الذوات المشاركة في ملحمة الطف في ذات الله.
ج) التضحية بالغالي والنفيس وتعريض النساء والأطفال للأذى في جنب الله.
د) الإصرار والثبات على الموقف وعدم الرضوخ للمساومات المادية.
وهذه العناوين البارزة تختزن في مضامينها على الزمن البعيد والقريب نتائجا وإشارات عديدة منها:
1) شهادة التاريخ على أحقية المطاليب الحسينية من خلال تقديم النموذج الإسلامي الصحيح، وظلم وفساد الحكم الأموي الذي أقدم على أبشع جريمة عرفها التاريخ بحق أهل بيت النبوة.
2) فساد حركة آل أمية ومن يسير في فلكها ويرضى عن أفعالها في الوقت الحاضر نتيجة النفاق وارتكاب الكثير من الجرائم والمحذورات الإنسانية قبل واقعة الطف وأثنائها وبعدها.
3) تنامي روح التضحية والفداء في الأمة تجاه القضايا المصيرية والمبدئية.
4) تأكيد السنن الإلهية في أن الفئة المحقة وإن قلّ عددها لكن النصر سيؤول لها مهما طال الزمن.
5) إرشاد الأمة إلى ضرورة الالتفاف حول القيادة الشرعية المعصومة أو المنبثقة عنها والمتمثلة في المراجع الجامعي للشرائط في زمن الغيبة حتى لا يتكرر الخطأ وتتكرر المأساة.
علينا أن نحتذي حذو الحسين في مشاريعنا الإسلامية والدعوية، فهو المثال الأعلى في امتثال الأوامر الإلهية وترك النواهي واقتباس مبادئ الثورة ضد الظالمين ورفض الظلم والانحراف في كل زمان ومكان، وحري بكل مصلح وثوري ومجاهد أن يقتبس روح المجاهدة والمكافحة من سيد الشهداء، الذي ضرب أروع الأمثلة في التعامل مع موجبات الحق وتكريسها والتعاطي مع موجبات الباطل ودحضها من دون رجعة.
أقرأ ايضاً
- المسرحيات التي تؤدى في وطننا العربي
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟