- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الاعلام الحسيني ..ستراتيجية التواصل والبقاء (ج 1)
عندما خرج الامام الحسين (عليه السلام) من مدينة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) الى مكة المكرمة ومن ثم حين اضطر الى الخروج من مكة الى كربلاء وبحسب النسق التاريخي المعروف اسبابا ونتائج فانه عليه السلام وكإشارة اولى منه الى من يحيط به ومن يرافقه الى رحلة الخلود انه مقتول لا محالة كنتيجة حتمية معطيا اعلى درجة من درجات المصداقية والشفافية كي لا يصاب احد بالاحراج او يكون في موقف لا يستطيع التخلص منه بسهولة وان كانت النتيجة في المقابل هي الفوز العظيم بنيل شرف الرفقة وفوز الشهادة مع سيد شباب اهل الجنة بعدما توضح من اعلان الامام عليه السلام ان مآلات الامور وسيرورة الاحداث ونتائج الفوضى والخراب التي عاشتها الامة الاسلامية آنذاك توحي جميعها بعدم تحقيق اي نصر عسكري وفي اي ميدان اذا كان الحق لا يعمل به والباطل لا ينتهى عنه كما عبر عن ذلك عليه السلام والذي اراد ان يقلب هذه المعادلة المعكوسة الى معادلة الحق الذي يجب ان يعمل به والباطل الذي يجب ان ينتهى عنه باعتباره ولي الامر الحقيقي والخليفة الحق والامام العادل المفترضة طاعته فحققت شهادته وتاثير صداها الاعلامي ذلك ..
وكانت رسالته عليه السلام الى اخيه محمد بن الحنفية (رض) هو ذلك الاعلان الاول للثورة الحسينية والذي مازال وسيبقى صداه يتردد ابدا وهو ذات الاعلان الذي جذب تلك النخبة الطيبة التي ليس لها مثيل على وجه الارض من آل عبد المطلب ومن تشرف برفقتهم من الاصحاب الاخيار وهم جميعا من الذين وفقهم الله وكرمهم بالشهادة ..وحين قال في مضمون رسالته اني لم اخرج اشرا ولا بطرا وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي محمد ...الى اخر رسالته الشريفة ..فانه لم يكن يقصد التنويه فقط عن خروجه وانما كانت بمثابة الاعلان الاول للثورة على الظلم والطغيان والفساد.. كما انه عليه السلام كان يعلم علم اليقين بحتمية استشهاده فقد اراد ان يستثمر خروجه واستشهاده وتضحياته الجسام استثمارا يحقق الهدف المتوخى من ثورته التي غيرت مجرى التاريخ وصححت المسار الاعوج الذي حاول اولاد الطلقاء وسلائل الخنا واولاد الزنا ومن سرق ثمار الرسالة المحمدية ان يضعوا الاسلام والمسلمين فيه ، وتعرية السلطة المستبدة من آخر ورقة تستر بها عورتها القبيحة بعدما نزا الظالمون على منبر رسول الله وسرقوا ميراث النبوة واغتصبوا سدة الخلافة وفرضوا انفسهم بقوة القهر وحد السيف على المسلمين ولهذا لم يكن صدى الاعلان الاول للثورة الحسينية اعلانا لحظويا او آنيا او مرحليا او حتى حقبيا بل كان اعلانا على مستوى الزمان كله ولم يكن محدودا في عاشوراء كملحمة عاش المسلمون وغيرهم احداثها كأنها حدثت او تحدث (او حتى ستحدث) تفاصيلها المرعبة في اية لحظة كأن كربلاء مدت اذرعها المكانية والزمانية لتشمل الكون كله وتستوعب مجموع التاريخ ...
وهذا الاستمرار الذي لم ينفك وهذا التواصل الذي لم ينقطع هو احد نتائج صدى الاعلام الحسيني ذي التاثير الستراتيجي الممتد عبر التاريخ والذي استمد جوهر تأثيره من الكاريزما الحسينية المقدسة وبما له عليه السلام من شخصية شريفة وجذابة وملهمة وأخاذة وحضور فاعل وفريد من نوعه جعل تلك الثلة الطيبة الطاهرة من الاهل والاصحاب تندفع نحو الموت اندفاعا محموما لنيل سبق الشهادة بل كانوا يتبارون فيما بينهم لنيلها والفوز بها قبل اقرانهم رضوان الله عليهم اجمعين....
واذا دخلنا عشوراء مباشرة نجد الامام عليه السلام لم يألُ جهدا في الابلاغ والنصيحة والارشاد والتوجيه حتى في اقسى اللحظات واشدها مرارة وكان يعظ ويحذر ويعطي الدروس العملية في الصبر والايمان والتضحية والرجولة ومكارم الاخلاق وكان يعلم ان كل ذلك سيصل الى الاجيال اللاحقة وكلها تندرج ضمن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي دفع عليه السلام نفسه المقدسة ثمنا لها..وكان يعلم ان الاجيال تلو الاجيال ستبقى تنشد وتردد وتتلو وتقص وتروي جميع تفاصيل نهضته من خروجه من المدينة وحتى محط رحله في كربلاء حيث استشهاده اضافة الى تاريخ حياته الشريفة والغنية عن التعريف..فلم يكن عليه السلام يدعو الى نفسه وما كان داعيا لها وهو احق من غيره بالدعوة بل كان يدعو الى كل مافيه الخير ومازالت صدى دعوته كانها حدثت الساعة وهذا هو سر الخلود الحسيني ..
وكان يعلم ان عبارة هيهات منا الذلة سيستلهمها الثوار في كل زمان ومكان ويعتمدونها برنامجا لهم ..وكان يعلم ان هناك مسيرة اخرى تكمل مسيرته التي انتهت بشهادته وهي مسيرة الركب الحسيني الذي سيق بكل وحشية وبربرية نحو الشام مرورا بالكوفة وقد اكملت كريمة امير المؤمنين زينب (عليهما السلام) المهمة الاعلامية التي بدأها اخوها الحسين على اتم وجه حتى ان المؤرخين وارباب المقاتل يصنفون عاشوراء الى جزءين تكون مسيرة الركب الحسيني الجزء الثاني والمكمل للجزء الاول الذي ينتهي بظهيرة يوم عاشوراء لتبدأ مهمة اخرى لا تقل اهمية عن الاولى التي كان الحسين قد اداها بنجاح تام في حياته الشريفة..وقد اضطلعت زينب (ع) بمسألة التوجيه والارشاد وتوضيح مقاصد ومهام الثورة الحسينية ما احدث زلزالا ثوريا مشابها للزلزال الذي احدثته واقعة الطف في جزئها الحسيني فتكاملت الرسالة الاعلامية المتوخاة من الثورة الحسينية وكما قالت هي عليها السلام للطاغية يزيد \"انك لن تمحو ذكرنا\" وهو ماحصل فعلا بفعل التاثير الاعلامي العملاق للثورة الحسينية الخالدة ..يتبع.
أقرأ ايضاً
- دور الاعلام القضائي في تحقيق الأمن القانوني
- مخاطر سهولة النشر ومجانية التواصل
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى