- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
واقع الشارع الانتخابي في انتخابات مجالس المحافظات
قبل فترة وجيزة بدأت الحملة الدعائية لانتخابات مجالس المحافظات التي يرى الكثير من السياسيين إنها من الأهمية بمكان بحيث إنها ستكون عاملا هاما في الفوز بمقاعد مجلس النواب بعد انتهاء مدة البرلمان الحالي، فمن يستطيع أن يفرض هيمنته على مجالس المحافظات ستكون له نفس الهيمنة وربما اكبر في مقاعد البرلمان القادم لما لهذه المجالس من قدرات في تهيئة وتعبئة الناخبين لصالح قائمة أو فرد دون غيره في منافسة تبدو كأنها لغزا محيرا مجهول الهدف.
فما يشاهده ويسمعه المواطن العراقي لا يتعدى صورة المرشح ورقم قائمته وتسلسله فيها دون بيان ولو موجز مختصر عن تاريخه السياسي وتحصيله العلمي، ونبذة ولو بسيطة لما قام به من أعمال وأفعال وأقوال للصالح الوطني العام، وما هو المجال أو الفرع من فروع الإدارة أو المعرفة، وما هو ودوره وما هي مواقفه خلال هذه السنوات الخمس العجاف التي مرت على أبناء المحافظة وأبناء العراق عموما التي تميزه وتكسبه ثقة الناخب ومفاضلته مع غيره من المرشحين.
إننا نشهد جحافل من صور المرشحين يدفع بعضها البعض وقد يعتلي بعضها ظهر الأخر مع أرقامها المميزة لغرض أن تدخل في \"لاوعي\" الناخب كلمة أنا أنا أنا أنا الأفضل وأنا اختيارك ولمئات المرات ومئات الأماكن واين ما ذهب، بالإضافة إلى حجم اللافتات والتي تكفي لكسوة آلاف العرايا وكأنها بحجمها وعلو مكان تعليقها تعبر عن فخامة المرشح وعلوه ورفعته ودوره الكبير في الحياة الاجتماعية والسياسية ليسلم الناخب هذه الإشارات والعلامات لمخزون لاوعيه لتكون الدافع الأكبر لخياره أمام صناديق الاقتراع.
وبالمناسبة فان الكثير من علماء النفس والاجتماع يقسمون الناخبين إلى:-
1- الناخب المتلقي التابع
وهو من النوع الذي لا يمتلك القدرة ولا الدافع لتحليل وتركيب المعلومات والاشارات التي يستلمها لإصدار الحكم والرأي بل يستلم الإشارة كما هي من المصدر دون أية تساؤل.
2- الناخب المؤدلج
ويشكل هؤلاء الأفراد المنتمين للأحزاب والتنظيمات السياسية على مختلف توجهاتها وايدولوجيا، فهؤلاء يتلقون التوجيه من قياداتهم الحزبية باعتبار إن الحزب أو التنظيم السياسي هو الأعلم في معرفة من هو الأفضل والأجدر والاك فا بما يخدم أهدافه وتوجهاته وسعيه للهيمنة على السلطة السياسية.
3- الناخب الناقد الفاعل
وهم الأفراد ذوي الثقافة والخبرة والقدرة على الاختيار الصائب والمميز ببين الشعارات وتوجهات الأفراد والجماعات بما يخدم الصالح العام والهدف المعلن من قبل المرشح، ولاشك إن هذا الصنف هو المعول عليه في اختيار نخبة تمتاز بالكفاءة الإدارية والعلمية والمالية والنزاهة والوطنية الصادقة والنهج الديمقراطي الواعي لقيادة العملية السياسية في لبلاد أو لتسلم المسؤولية لقيادة إي من المؤسسات في الدولة المطلوب من المواطن راية ومشاركته في اختيار أعضائها.
4- الناخب الناقد المترفع
وهو الفرد أو الجماعة التي تتحلى بالقدرة والقابلية والخبرة على الاختيار والإبصار والتشخيص والفرز ببين مختلف القوائم والأسماء ولكنها لا ترى من بينها من يرتقي لمستوى إرضاء تطلعها وطموحها وغالبا ما ترى إن الظرف الزماني والمكاني ومستوى الوعي الاجتماعي غير ناضج وغير ملائم ولم يرتق بعد ليؤهلها لقيادة المؤسسة المعينة والمطلوب رأي الفرد في اختيار أعضائها مما يجعلها هذا الاعتقاد أن تنسحب للداخل ولا تشارك في هذه الممارسات، لا بل مستخفة وغير معترفة بنتائجها وبما يترتب على نتائجها.
5- الناخب الانتهازي المنتفع
وهو يمثل الأفراد والجماعات حتى التي لا هم لها سوى ما تحصل عليه من فائدة وخصوصا المادية أو مناصب أو مكاسب موعودة سوف يتم حصوله عليها ويؤمنها له مرشحه الفائز في الانتخابات، فهؤلاء هم عبارة عن أصوات (سلع) معروضة للبيع لمن يدفع أكثر بغض النظر ممن يكون.
نستخلص من ما تم عرضه آنفا أن على من يقدم على الترشيح، آملاً بالفوز في الانتخابات على مختلف صفاتها ومستوياتها، أن تكون لديه دراسة وافية من الناحية النفسية والاجتماعية ليتمكن من معرفة ماهو الصنف السائد من الناخبين المطلوب رأيهم والذين يحق لهم الإدلاء بأصواتهم لصالحه أو ضده.
ففي المجتمعات التي تعاني من الشد والتوتر والصراع الاجتماعي الطبقي أو العرقي أو الطائفي ستكون العواطف والغرائز هي المهيمنة على العقول وعلى خيارات الناخبين، لذلك غالبا ما يلجا بعض المرشحين إلى استثارة العواطف والمشاعر والمناطق الرخوة في المنظومة العصبية للناخب لغرض استثارتها سواء بالتأكيد أو الرفض للمرشح والمنافس، ولا يمتنع عن إثارة أحداث غابرة تساعد على تأجيج العاطفة النائمة وتستثير العاطفة الخاملة.
وقد يلجا البعض الآخر في الجانب الأضعف إلى صناعة واختلاق قضايا ثانوية من اجل حرف توجه وصرف نظره عن قضيته الأم لينشغل في أمور ثانوية، مما يقلل من اهتمامه ولربما يمتنع عن المشاركة في الاختيار بسبب فقدانه التوازن والاستقرار والقدرة على التواصل.
وهنا لابد من الإشارة إلى الأهمية الكبرى لوسائل الدعاية والإعلام وكفاءتها وقدرتها على الترويج والإقناع والتعبئة لاتجاه معين ولقائمة بذاتها أو لفرد بعينه وهنا سيكون الأمر خاضعا للقدرة المالية في امتلاك وسائل الدعاية والإعلام المقروء والمسموع والمرئي والكفاءات والقدرات عالية التخصص والمهارة والتجربة القادرة على تخليق وتصنيع الرأي بالاتجاه المطلوب، لذلك نرى خيبة وفشل وعدم قدرة الأفراد والجماعات ذات القدرات المادية البائسة أو المتواضعة على كسب المقاعد أو المواقع مهما امتلكت من قوة الحجة والصدق والكفاءة والخبرة الذاتية لأنها لا تمتلك الوسائل الفاعلة على التوصيل والتواصل في ظل التطور التكنولوجي الهائل لوسائل الاتصال والإعلام والدعاية والإعلان.
نحن هنا لسنا بصدد توصيف نوعية ناخبينا في عراق اليوم ومن هي الفئة الراجحة ومن هو الأصلح من القوائم والأفراد من المرشحين ومن يمتلك القدرات المالية والإعلامية القادرة على التوصيل والقدرة على التوعية والتوجيه أو الايهام والتضليل أو الترغيب والترهيب، وما هي الأحداث والمعارك الجانبية التي طفت أو التي ستطفو على السطح من اجل التحكم برأي الناخب سواء بالسلب أو الإيجاب، ولكننا نجتهد في التأشير إلى طبيعة المتغيرات التي طغت على نوع وطبيعة وتوصيف القوائم الانتخابية والأفراد في مجالس المحافظات والتي طال النقاش والجدل عند إقرار قانون واليات هذه الانتخابات بحيث تم تأجيلها لأكثر من مرة حتى استقر الرأي على إجراءها في نهاية كانون الثاني 2009. ولسنا بصدد هل إن الانتخابات في الظرف الراهن هي الأسلوب الأمثل لبناء دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية.
فالملاحظ إن صفة الاستقلال والمستقل والمستقلين لوحظت ملحقة بالكثير إن لم يكن اغلب القوائم الانتخابية والإفراد المرشحين للانتخابات، ونرى إن هذا يعود إلى حالة الفوضى والتردي والفساد الذي شهدته \"العملية\" السياسية الجارية والسائرة في نفقها الخانق، نفق المحاصصة الطائفية والعرقية طوال السنوات الخمس الماضية بعد انهيار الديكتاتورية، وما طرأ من خفوت للشد والتوتر الطائفي والعرقي مما ننتج عنه تبلور رأي عام شعبي يرفض الطائفية والعرقية، لا بل محاربتها بسبب ماعانته العامة من الأذى والدمار والتهجير على مختلف المستويات بسبب التناحر الطائفي والعرقي.
هذا مما دفع بالكثير من القوى والأحزاب والحركات التي صعدت وحصلت على المكاسب والمراتب تحت راية التمثيل الطائفي والعرقي إلى الشعور بالخطر على مواقعها بسبب تغير مزاج وتوجه الناخب إلى التخفي والاستتار تحت مظلة نبذ الحزبية عموما باعتبارها لا يمكن أن تكون إلا طائفية أو عرقية، وهنا تدثرت بدثار وشعار الاستقلال والإصلاح وحتى العشائرية التي أصبحت لها مؤتمرات ومكاتب سياسية وما إليه من ميزات وصفات الأحزاب لسياسية، ولكنها طبعا تستند على (السواني والأعراف) بدلا من الأنظمة الداخلية والبرامج!!!
ومن الملاحظات البارزة هي الواقع الباهت والصوت الخافت للقوى اللبرالية واليسارية السائرة في نفق (العملية السياسية) وتخفيها خلف عناوين ورموز يشوبها الغموض وعدم الوضوح من قبل اغلب الناخبين العراقيين الذين يتطلعون إلى رؤية نخبة لبرالية علمانية أو يسارية ديمقراطية نابذة للمحاصصة كي تتصدر العملية السياسية الجارية أصلا تحت مفعول المخدر الاحتلالي الذي يعمل جاهدا لتخليق وتصنيع طبقة سياسية لبرالية علمانية من \"الكمبرادور\" المحلي التابع للرأسمال الأمريكي والمنفذ لمصالحه في العراق والمنطقة، لتتمكن أمريكا من سحب يدها من التدخل المباشر العسكري والاقتصادي والثقافي وهذا ما عجزت عن تحقيقه لحد الآن، متجاهلة سبب استحالة قيام ديمقراطية لبرالية بدون وجود حاملتها ومولدتها الطبقة البرجوازية الوطنية المنتجة، وهذا ما يتعارض أصلا مع هدف ومرمى الرأسمالية العالمية التي لا تنتج هيمنتها إلا طبقة برجوازية طفيلية مستهلكة.
أما بالنسبة للقوى والأحزاب والحركات اليسارية فهي بين من ارتضى لنفسه الانخراط في \"العملية السياسية\" مخدرا باللبرالية السياحية الجديدة، ومخدرا (بكسر الدال) جماهيره بواقع مفاده أنه لابد من التأقلم والتكيف المبدئي والفكري والتنظيمي من اجل قبوله ومسايرته كمحطة استراحة يسترد فيها الرفاق أنفسهم ويتم تعويضهم بنعيم \"الامبريالية\" \"محررة\" الشعوب في عصر العولمة عما فاتهم في الزمن الماضي كأنه يضع أثقاله وهمومه في أحضان ما كان يعتبره عدوه الأول.
لكن مشكلة هذا اليسار أنه ليس بمقدوره محو كل شعاراته الثورية ونهجه وتاريخه السابق والمبادئ المعادية للرأسمال العالمي وخصوصا الأمريكي التي تربت عليها جماهيره ناهيك عن رفاقه، فهي تلاحقه في كل مكان وتسبب له الصداع والإحراج في كيفية تبرير خطه السياسي والفكري الحالي، فآثر الاستتار تحت عناوين ولافتات وقوائم مثل \"مدنيون ديمقراطيون\" وما إليه من العناوين القابلة للتأويل والتفسير، مما يمكنها من التضليل والمراوغة.
وهناك يسار راديكالي يرفض مجمل العملية السياسية وآثارها وإفرازاتها، متخفيا خلف ترفعه ورفضه كي يستر ضعفه وتشتته وفقدانه لحامله الاجتماعي على ارض الواقع حيث يعمل الواقع الموضوعي على كبت وإعاقة تطلعاته نحو التحالف والتالف والتوحد وإنضاج برنامج عمل واضح وواقعي وفاعل، مما يجعله على هامش الأحداث والحراك الاجتماعي الآسن.
لقد وجد هذا اليسار الراديكالي نفسه بلا موضوع بسبب توقف عجلة الإنتاج والعمل، و بسبب الميوعة الطبقية والطفرات السريعة وغير المتوقعة للأفراد والجماعات من موقع هابط إلى موقع صاعد وبالعكس كأنها في لعبة الحية والدرج إثر الفوضى \"الخلاقة\" التي صنعها الاحتلال والتي أدت إلى تخريب الرأسمال الاجتماعي الايجابي للفرد العراقي بالإضافة إلى اختلال البنية الاجتماعية العراقية والموازين فحلت الفهلوة والثعلبة والغلبة محل قيم التضامن والمحبة والتعاون التي هي من اقوى دعائم قوى اليسار في كل مكان.
إن هذا الحال سيجبر المواطن العراقي الناخب إما على الترفع والامتناع عن ممارسة حقه الانتخابي ورفضه للعملية برمتها، أو أن ينجر إلى الإدلاء بصوته متأثرا بطائفته أو عشيرته أو رمزه، مما يفضي إلى صعود نفس الطبقة السياسية السابقة ومرادفاتها ومثيلاتها إلى مجالس المحافظات، وبالتالي نظل ندور في دائرة التخلف والفساد وفقدان الخدمات، وترسخ الوضع الاقتصادي المتردي الذي بات ينذر بواقع مؤلم وثقيل على الطبقات الكادحة والمحدودة الدخل، ويهدد بمزيد من البطالة والفساد والتهميش وتكاثف أحزمة الفقر وتضخم الأزمات والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والاتجار بالرقيق الأبيض...الخ.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- إعفاء فئات من الضريبة؟ ام كسب اصوات في انتخابات قريبة؟
- توهجية الارتجاز في واقعة الطف