- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
حج البرلمان.. وحج الحسين (عليه السلام)
كلما جاء موسم الحج تكررت معه مشكلة الشعب العراقي مع بعض نواب البرلمان الذين لا يتوانون لحظة عن السعي وراء أهدافهم الذاتية وطموحاتهم الشخصية، متناسين هموم هذا البلد ومآسيه وآلامه، فتجدهم يتركون المعترك السياسي العراقي - وخاصة في مثل هذه الأيام- ويذهبون لأداء مناسك الحج، وكأن العراق ليس وطنهم وكأن هذا الشعب ليس بذي فضل عليهم حينما خرج مضحيا بنفسه من اجل إيصالهم إلى ما وصلوا إليه، وكأن مصالحه ليست أمانة في رقابهم .
والمتتبع لتاريخ البرلمان العراقي يجد هذه الظاهرة تتكرر مع كل قضية حساسة تمس المصالح الحيوية لهذا البلد وشعبه، مما يشير إلى مسألة مهمة جدا تتمثل بعدم أحقية بعض أعضاء البرلمان في منصبهم هذا، ولذلك كان لا بد من توجيه بعض الرسائل الإعلامية إلى هؤلاء البرلمانيين الذي تركوا الوطن في سبيل أهدافهم وهو يخوض واحدة من أهم المعارك السياسية والمتمثلة باتفاقية سحب القوات الأجنبية من العراق، وكأن الاتفاقية ليست من ضمن أجنداتهم، وبالتالي فإنها لا تمس ولا تؤثر على مصالحهم من قريب أو بعيد.
وفي هذا المقام نود أن نذكر أولئك البرلمانيين وخاصة أولئك الذين يرددون دائما أن لهم علاقة ولاء مع أهل البيت عليهم السلام وبخاصة الإمام الحسين (عليه السلام)، فنسوق لهم بعض الدروس الحسينية التي خطها لنا الإمام الحسين (عليه السلام) وأتباعه في تقديم مصالح الأمة وابتلاءاتها ومستقبلها وأهدافها على المصالح والطموحات الشخصية.
فمن ذلك ما خطه سفير الإمام الحسين (عليه السلام) مسلم بن عقيل (رضوان الله عليه) حينما أوكل إليه إمامه تلك المهمة في زمن قريب من موسم الحج، ففضل القيام بأداء الواجب المنوط به رغم انعدام مصلحته الشخصية فيه على أداء هذه الفريضة العظيمة (فريضة الحج)، وقد كان بإمكانه أن يفعل كما فعل برلمانيونا، ولكنه لم يفعل لأن خلقه ودينه أمليا عليه بأن مصلحة الأمة أهم وأعظم من المصالح الشخصية.
وأما الصورة الأنصع والدرس الأعظم في هذا المجال فهو قيام الإمام الحسين (عليه السلام) نفسه بهذه الخطوة العظيمة في سبيل تحقيق مصالح الأمة، فقطع حجه وتوجه إلى الكوفة في سبيل المبادئ وفي سبيل المهمة التي أوكلت إليه من الله تعالى والداعية إلى إيجاد الحلول المناسبة وإنقاذ الأمة الإسلامية مما تمر به آنذاك، وليس هذا فحسب بل انه كان يعلم بأنه سيضحى بنفسه وعياله وأصحابه، ويعرض نساءه إلى السبي في سبيل الهدف السامي الذي كان ينشده وهو طلب الإصلاح في الأمة، فهل أن حجكم أيها البرلمانيين أفضل من حج الإمام الحسين (عليه السلام) فلم يستطيعوا تركه أو تأجيله إلى عام ليس في مثل هذه المشكلات الكبيرة، خاصة وأنكم حتى وان لم ترتقوا مناصب البرلمان في المستقبل فإنكم لن تنتفي عنكم حالة الاستطاعة الواجبة لأداء هذه الفريضة.
من هنا نسأل أولئك البرلمانيين، أليس بقاؤكم في العراق ومناقشتكم لقضية انسحاب القوات الأجنبية في سبيل الوصول إلى الحل الأمثل فيها يعتبر من الإصلاح في الأمة أم أنكم ترون العكس؟، أم أنكم لستم سوى كما يقال (إن حضر لا يعد وان غاب لا يفتقد).
وفي الختام نوجه رسالة إلى الشعب العراق خاصة ونحن على أبواب انتخابات مجالس المحافظات بأن لا يقعوا مرة أخرى في خطأ، فيعطون أصواتهم لمن هم ليسوا أهلا لها، أو يمتنعون عن الإدلاء بأصواتهم لمن هم أهل لخدمتهم، الذين يقدمون مصلحة الشعب بكل أطيافه على مصالحه الشخصية، خاصة وان التجارب الماضية كانت كثيرة وكفيلة بمعرفة الصالح من الطالح، وتمييز الغث من السمين، ولنجعل من أقوال أهل البيت عليهم السلام نبراسا لنا في تحديد أولئك المخلصين، وان تكون التجربة العملية هي المقياس في ذلك كما قال أمير المؤمنين عليه السلام:
إن الرجال صناديق مقفلة وما مفاتيحها إلا التجاريب
أقرأ ايضاً
- حجية التسجيلات الصوتية في الإثبات الجنائي
- الحجُّ الأصغرُ .. والزِّيارةُ الكُبرىٰ لِقاصِديِّ المولىٰ الحُسّين "ع"
- فلسطين من الحجارة الى الصواريخ