أثار إلغاء حبر الاقتراع في الانتخابات المقبلة، آراء متباينة، بين من وجده خطوة عملية وتقليلا للأموال، عبر الاعتماد على البطاقة البايومترية الكافية في ضبط عملية الانتخاب، وبين من رآه سيساهم بزيادة التزوير، لاسيما وأن إشكالات عدة أثيرت حول النظام الإلكتروني للعملية، في ظل الخروق السابقة.
ويقول الخبير في شؤون الانتخابات سعد الراوي، إن “التصويت أصبح عبر البطاقة البايومترية، وهذه البطاقة تعتمد بصمات العين والأصابع، وفيها رموز سرية، وليس من الهين تزويرها”.
ويضيف الراوي، أن “إلغاء الحبر الانتخابي هو إجراء طبيعي، ولا يضر بنزاهة الانتخابات، إذ لا يمكن التصويت بالبطاقة البايومترية لأكثر من مرة”، مبينا أن “إلغاء الحبر الانتخابي يخفف من الكلف المالية، طالما يتم العمل على بطاقة انتخابية بتكلفة مالية عالية، بالتالي لا حاجة للحبر الانتخابي”.
وبحسب وثيقة رسمية، صادرة عن مفوضية الانتخابات، فإن مجلس المفوضين، أصدر قراره رقم 17 في المحضر الاستثنائي 34 المؤرخ في 16 تموز 2025، بشأن استخدام الحبر الانتخابي، ونص على أن المجلس ناقش مذكرة مكتب رئيس الإدارة الانتخابية، ووافق على إلغاء استخدامه، استنادا إلى المطالعة المشتركة بين دائرة العمليات وتكنولوجيا المعلومات وقسم المناقصات والعقود.
ويعرف عن حبر الانتخابات أنه لا يمحى بسهولة، ويوضع عادة على سبابة الناخبين، خلال فترة الانتخابات، لمنعهم من الإدلاء بأصواتهم أكثر من مرة (التزوير الانتخابي) أي التصويت المزدوج، وهو حبر ثابت لمدة 48 ساعة.
وقد وصف مدونون قرار المفوضية، بأنه “أول بوادر التزوير”، مشيرين إلى أن الحبر الانتخابي يعد من أبسط ضمانات النزاهة، ومن العلامات المادية التي تمنع تكرار التصويت وتفضح التزوير.
وقد هاجمت الجبهة التركمانية القرار، وأكدت أنه سيساهم بالتزوير، وطالبت باستثناء كركوك من القرار، لضمان انتخابات “نزيهة وشفافة”، بحسب بيان صادر عنها.
إلى ذلك، يؤكد نائب رئيس الحركة القومية التركمانية عباس أوغلو، أن “إلغاء الحبر الانتخابي يسهل عمليات التزوير، ويزيد من معدلاتها”.
ويبين أوغلو، قائلا “إذا كانت المفوضية محقة فعلا في إلغاء التزوير، فعليها إثبات ذلك تقنيا بأن أجهزتها غير قابلة للاختراق، فما حصل في أعوام 2018، و2021، حيث حصلت عمليات فوضى وتزوير في يوم الاقتراع، وتعطلت أجهزة المفوضية، يؤكد عكس ذلك”.
ويردف أن “التركمان هم الأكثر تعرضا للتزوير، وحصل معهم ظلم كبير، وتم سحب أصوات ناخبيهم في كركوك، والأحزاب المتنفذة زورت الانتخابات، مستخدمة كل الوسائل المتاحة، وبالتالي مع إلغاء الحبر الانتخابي، ستزيد معدلات التزوير”.
ويتابع أن “الأحزاب التركمانية سترفع طلبا وشكوى للمفوضية لإعادة العمل بالحبر الانتخابي، وفي حال لم يستجيب مجلس المفوضين لشكوانا، فسنقوم بتقديم دعوى للقضاء، لغرض إعادة العمل بالحبر، الذي لن يوقف التزوير، ولكن يقلل من معدلاته”.
وقد أثارت الانتخابات الماضية التي جرت في 2021، خلافات كبيرة وتوترات منذ إعلان النتائج الأولية لها وحتى لحظة إعلان النتائج النهائية، وذلك عبر رفض قوى الإطار التنسيقي المكون من أغلب الكتل الشيعية باستثناء التيار الصدري، لنتائج الانتخابات.
وقد شن الإطار التنسيقي هجمة كبيرة واتهامات لممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت، متهما إياها بالمشاركة في ”تزوير الانتخابات”، وهو ما دفع بلاسخارت الى عقد لقاءات مع الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، ورئيس تحالف الفتح ومنظمة بدر هادي العامري، في حينها، ومن ثم توجهت الى مجلس الأمن الدولي وقدمت إحاطتها، وأكدت فيها عدم وجود تزوير، على الرغم من أن الطرفين أعلاه أكدا أنهما قدما لها الأدلة التي تثبت وجود تزوير.
وقد توجه العامري، إلى المحكمة الاتحادية العليا، ورفع دعوى بشأن الانتخابات الماضية، لإلغاء نتائجها بتهمة التزوير، لكن المحكمة ردت الدعوى وصادقت عليها.
ومؤخرا، اعلنت مفوضية الانتخابات، أن عمليات بيع البطاقة الانتخابية، لن تكون مجدية، لأن التصويت يشترط بصمة الوجه والعين والأصابع لحاملها، وحذرت من أن بيعها سيخضع للمساءلة القانونية، وذلك بعد انتشار العديد من عروض شراء البطاقات من قبل المرشحين، ولعل أبرزها مديرة مدرسة حاولت سحب البطاقات الانتخابية لصالح مرشح محدد، وقد اتخذت وزارة التربية الإجراءات القانونية بحقها.
من جانبه، يرى الباحث في الشأن السياسي كاظم ياور، أن “قرار المفوضية العليا بإلغاء الحبر الانتخابي، يعتبر قرارا مناسبا، حيث أن آلية التصويت تعتمد على الأجهزة الإلكترونية بالدرجة الأساسية”.
ويوضح الياور، أنه “لم تبق ضرورة لوجود مؤشر على أن الناخب انتخب مرة واحدة أو مرتين اعتمادا على الخبر الانتخابي، فاليوم البطاقة الانتخابية، وبصمة الوجه والأصابع، لا يمكن تكرارها عبر هذه الأجهزة، فلم تبق هناك خشية بالتزوير عن طريق الحبر”.
ويشير إلى أن “الخشية من التزوير، هي عن طريق اختراق البيانات عبر برمجة الأجهزة، واستخدام الأمن السيبراني بهذا الموضوع، من خلال استخدام خبراء مختصين بالاختراق والتزوير، وليس عبر تكرار التصويت”.
يذكر أن الانتخابات النيابية السابقة، شهدت لغطا كبيرا أيضا، بشأن أجهزة تسريع النتائج والعد والفرز الإلكتروني، وجرى توجيه اتهامات باختراق الوسيط الناقل (السيرفرات) للتلاعب بالنتائج.
ومما شهدته الانتخابات السابقة، هو ما كشفه رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، بوجود شكاوى عديدة من بعض المناطق، تتمثّل بقيام بعض الكيانات والأحزاب بتهديد المواطنين بجلب بطاقات عائلاتهم جميعا، والإدلاء بأصواتهم لها، بالإضافة إلى تأكيده أن بعض الجماعات حاولت ابتزاز الناخب، والتأثير على قرار التصويت لديه بالقوة، ومحاولة التجاوز على الدولة والقانون.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!