- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أوروبّا تَدفعُ ثَمَنَ أخطائِها المتراكِمَةُ
حجم النص
نــــــــزار حيدر أَتفهَّمُ جيداً دوافع تظاهر الشعب الفرنسي ضد الارهاب الذي ضرب بلاده خلال الاسبوع المنصرم، ولكنّني لا اقدر ان افهم معنى مشاركة عدد من الزعماء المتورطون بالارهاب في مثل هذه المسيرة، الا اللهم من باب (قتل الضّحية والسير خلف جنازته) او (تخفّي الجاني بين الضحايا)!. انّ على الرأي العام العالمي، وتحديداً شعوب أوربا، وعلى وجه الخصوص الشعب الفرنسي الذي بدأ يحسّ بالالم جراء الارهاب، ان يقفَ، ليس دقيقة حداد فتلك لا تنفع ولا تضرّ في شيء، وإنما دقيقة تفكّر حر وصريح ليسأل نفسه، لماذا يضربنا الارهاب اليوم في عقرِ دارنا؟ ما الذي فعله حكّامنا لندفع ثمن صراع وصفه زعماءنا وعلى مدى عقود طويلة بانه صراع طائفي بين السنة والشيعة؟ كما قال مرة الرئيس الاميركي اوباما، فما دخلنا بمثل هذا الصراع؟ ما لنا والصراع بين السنة والشيعة؟. برايي، فان أوربا بدأت تدفع فواتير ثمن أخطاءها المتراكمة، والتي منها على سبيل الفرض لا الحصر؛ أولاً؛ دعمها المطلق والشامل واللامحدود للانظمة الديكتاتورية والاستبدادية البوليسية التي ظلت تحكم شعوبنا بالحديد والنار، فهل نسي الشعب الفرنسي دعم بلاده اللامحدود لنظام الطاغية الذليل صدام حسين؟ خاصة في حربه العبثية ضد الجمهورية الاسلامية الفتية في ايران والتي دامت زهاء (٨) سنوات دمرت بلدين كاملين؟ ام نسي الشعب الألماني دعم بلاده للنظام المذكور بمختلف أدوات التعذيب التي كان يستخدمها ضد السجناء والمعتقلين؟ او انه نسي دعمه له بمختلف انواع الأسلحة الكيمياوية التي استخدمها نظام الطاغية ضد شعبه في عدد من المناطق منها وعلى راسها مدينة حلبجة الشهيدة؟ ام ظنت شعوب أوربا ان دعمها للانظمة الشمولية في بلادنا سيجعلها في مأمن عن المشاكل؟!. ثانياً؛ كما ان دعم أوربا لنظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية تحديداً والذي ظلّ يصدّر الفكر الإرهابي لهم لعقود طويلة، إنْ من خلال المدارس التي يرعاها في مختلف دول أوربا والعالم اجمع، او من خلال المساجد والمراكز الاسلامية التي تدرّس المنهج التكفيري الذي يربي النشء الجديد على العنف باسم الجهاد والكراهية باسم احتكار الحقيقة، لتصحو الشعوب الأوربية اليوم على خبر تجنيد الارهابيين للالاف المؤلفة من شبابهم، فلقد تناقلت وسائل الاعلام الغربية قبل يومين خبر تجنيد الارهابيين لأكثر من (١٤٠٠) مجند فقط من فرنسا، بينهم عدد كبير من الشباب الفرنسي الأصل، الى جانب المهاجرين والمقيمين وغيرهم. ان المناهج التكفيرية التي يرعاها نظام القبيلة في عقر دار الأوربيين، صنع خلايا نائمة بدأت تنهض شيئاً فشيئاً!. ان ما جرى في باريس مؤخراً هو عمل ارهابي مدان بكل المعايير، لا شكّ في ذلك، ولكن؛ هل ينبغي على شعوب أوربا ان تكتفي بالإدانة؟ او بمسيرات الاحتجاج؟ او بإيقاد الشموع في ذكرى الضحايا؟. ان كل ذلك لا يجدي نفعاً، فأوروبا اليوم على كف عفريت كما هو حال بلادنا، ولذلك ينبغي على الرأي العام الدولي والاوروبي ان يتحمّل مسؤوليته في الحرب على الارهاب من خلال ما يلي: أولاً؛ عليه ان ينتبه الى الحقيقة القائلة بان الأمن الدولي وحدة واحدة على وجه هذه البسيطة في ظل العولمة ونظام القرية الصغيرة، فامّا ان تعيش كل البشرية بأمن واستقرار وهدوء او لا يأمن احدٌ ابداً، ولذلك فان عليهم ان يعيدوا النظر بالفكرة القائلة (اذا أردت ان تأمن، فصدّر الارهاب الى الشرق الأوسط) اذ لم تعد نظرية (تجميع الجراثيم) مجدية. ثانياً؛ تبنّي النهج الوسطي والمعتدل في عالمنا العربي والإسلامي لنتعاون من اجل القضاء على الفكر التكفيري المتزمّت، اذ كلما اتسعت دائرة تأثير الفكر المعتدل في مجتمعاتنا كلما انحسر الفكر المتطرّف، ليس فقط في مجتمعاتنا العربية والإسلامية فحسب، وإنما حتى في المجتمعات الأوربية، التي يعيش فيها الملايين من المسلمين الذين يتأثرون بالفكر الشرقي بشكل او باخر، شاءت أوربا ام ابت. على الباحثين والمفكرين والأكاديميين في كلا الجهتين، الشرق والغرب، إطلاق الحوار الحقيقي القائم على الاعتدال والوسطية وعلى الاعتراف بالاخر وعلى حرية التعبير، ومدّ جسوره بأوسع مدياتها لمحاصرة الفكر المتطرف وقبره ومن ثم القضاء عليه، اذ لا ينبغي ان يظل صوت الاعتدال والوسطية خافتاً او متخفياً. ثالثاً؛ تسمية منابع الارهاب ومصادره الحقيقية، اذ لم تعد تنفع طريقة خلط الاوراق وتعميم التّهم، اذ لابد ان يضع قادة أوربا بعض مصالحهم الضيّقة مع نظام القبيلة الفاسد جانباً ليسمع منهم كلاماً مسؤولاً شجاعاً ومباشراً يحمّلهم المسؤولية بلا مجاملة، وخيراً فعلت بريطانيا عندما واجهت امير قطر بالحقيقة خلال زيارته الاخيرة الى لندن. كما احيّي بهذا الصدد المفكرين والكتاب والمحللين ووسائل الاعلام الغربية التي بدأت تؤشر بكلّ وضوح على منبع الارهاب في العالم، كما فعلت قبل يومين محطة (سي ان ان) الأميركية وكذلك عدد من الصحف والمجلات والدوريات البحثية الأميركية والاوروبية، عندما سمّت نظام القبيلة في الجزيرة العربية وقطر كمنبع للارهاب، والذي يغذي جماعات العنف والارهاب بالفكر المتطرف فيغسل ادمغة الشباب ليحرّضهم على القتل والتدمير، واذا كان يحرضهم فيما سبق للذهاب الى سوريا او العراق، فان العالم كله بات اليوم ساحة مفتوحة امام الارهابيين. رابعاً؛ التوقف فوراً عن سياسة الكيل بمكيالين في الحرب على الارهاب، فلا ينبغي نعته بالجهاد والمقاومة اذا ضرب في سوريا، ونعته بالارهاب اذا ضرب في باريس، فالارهاب عنفٌ اينما كان، وهو يستهدف القيم الانسانية والمنظومة الاخلاقية اينما تواجد، سواء في أوربا او في بلداننا. ينبغي على الغرب ان يكفّ عن حديث الحرب الطائفية، ويتحدث عن الحقائق كما هي، فما يجري في العراق وسوريا وليبيا ومصر وباريس وغيرها، هي حرب الارهاب على قيم الحضارة والمدنية والوسطية. ولذلك علينا جميعاً، مسلمين وغير مسلمين، شرقيين وغربيين، ان نسمّي الأشياء بأسمائها، فلا نتلاعب بالالفاظ ولا نخلط الاوراق ولا نتساءل بسذاجة ونحلّل بسذاجة، كما حاول يوم امس شيخ الأزهر، لولاسف الشديد، خلال زيارة السيد رئيس مجلس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي للأزهر خلال زيارته الاخيرة الى مصر، فان الارهابيين يوظفون مثل هذه السذاجة لصالحهم في تجنيد المزيد من الشباب المغرر بهم، خاصة عندما تأتي السذاجة على لسان رمز (ديني) كبير بوزن شيخ الأزهر، المُدان بتصريحاته بكل المعايير، فاذا كان عارفاً بحقيقة ما يجري في العراق فلماذا يدلي بمثل هذه التصريحات؟ واذا كان جاهلاً فلماذا لا يحمّل نفسه عناء الاطلاع على الحقيقة قبل ان يدلي بشيء؟ خاصّة وان الدكتور العبادي كان جالساً بجنبه عندما اطلق تصريحاته الساذجة!. ١٣ كانون الثاني ٢٠١٥