- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المليشيات بدائل غير مشروعة للدولة
حجم النص
بقلم :عباس عبد الرزاق الصباغ
من المعروف أن المليشيات التي هي تنظيم شبه عسكري يتكون عادة من مواطنين متطوعين تشكل عادة في مناطق التوتر أو في إطار الحروب الأهلية تنشأ وتنشط في فترة الضعف الدولتي وتكون اذرعا مسلحة لجماعات متطرفة متعددة في وقت تكون فيه "يد" الدولة عاجزة عن تنفيذ مهامها المطلوبة منها وكانت فترة الاحتقان الطائفي ـ السياسي2006 / 2008 من أخصب الفترات التي ساعدت على نشوء المليشيات والأذرع المسلحة وقد ساهمت الأجندات والمشاريع الخارجية في ذلك النشوء فهي تنشط مع تراجع الدولة الوطنية وانحسار المؤسسات التنفيذية وتهلهل آليات العقد الاجتماعي وصعود "مشاريع" تحاول ان تأخذ دور الدولة وتكون بديلا عن العقد الاجتماعي الذي يقننن العلاقة مابين الدولة والمواطن وتبث مفاهيم تأتي عوضا عن المواطنية تحت حجج يأتي اولها ضعف الدولة في حماية المكونات المجتمعية في ظل اصطراع الهويات الفرعية لأسباب أهمها الطائفية كما ساهمت جرعة الديمقراطية المفاجئة والحادة التي هبطت على العراقيين بعد 3003 وبعد عقود من الديكتاتوريات الشمولية فضلا عن النكوص المفاهيمي الحاصل لدى بعض الشرائح المجتمعية بالدعوة الى إيجاد بدائل عن الدولة في حالة غيابها او ضعفها.
تتصف الفصائل المسلحة والمؤدلجة الخارجة عن القانون في العراق "الميليشيات" بمجموعة من الصفات يندر ان تتصف بها ميليشيات او فصائل في أي مكان آخر في العالم وهي تأخذ غرابتها من غرائبية المشهد العراقي ذاته ، فهي رغم خارجيتها عن القانون وعن المألوف المجتمعي والسياق الاجتماعي والأعراف المتبعة ورغم قيامها بأعمال المليشيات من القيام بمظاهر مسلحة إلا ان القائمين عليها يرفضون تصنيف "حركاتهم" ضمن المليشيات المسلحة بل هي بنظرهم تنظيمات مشروعة ذات أهداف مقننة ومحددة، والأخطر من ذلك هو قيام ميليشيات لدواع طائفية او عرقية شوفينية او لظروف طارئة ومستجدة وهي متشابهة في النشوء لكنها متباينة في الأهداف وتتحرك وتنشط في وقت واحد وباتجاهات مختلفة تؤدي بتضافرها الى نشوب حرب أهلية او تزرع التوتر وعدم الاستقرار في أحسن الأحيان في الشارع وتكون في مواجهة محتملة مع السلطات وهي حالة تجمع مابين مساوئ الحرب الأهلية ومابين التوتر وعدم الاستقرار لان المليشيات بسبب عدم مشروعيتها تكون في حالة تمرد دائم مع الدولة وفي تصادم مستمر مع رعايا تلك الدولة وقد التفت الدستور العراقي الى خطورة هذه المسألة فحصر السلاح بيد الدولة والأجهزة التنفيذية فيها وحظر في الوقت نفسه وجود المليشيات والمظاهر المسلحة:
[المادة (9):-
اولاً :ـ أـ تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييزٍ او إقصاء، وتخضع لقيادة السلطة المدنية، وتدافع عن العراق، ولا تكون اداةً لقمع الشعب العراقي، ولا تتدخل في الشؤون السياسية، ولا دور لها في تداول السلطة.
ب ـ يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة.]ٍ
ودواعي حصر السلاح بيد الدولة وحظر نشاط أي جهة ترفع السلاح لأي سبب كان وذلك إن وجود المليشيات يمثل خرقا لمشروعية الدولة واذرعها الضاربة ومشروعها (مشروع الدولة) وشرخا اجتماعيا كبيرا، وصولا الى مشروع الدولة المدنية وإلغاء فكرة وجود بدائل عن الدولة ومن جهة أخرى لتحقيق السلم الأهلي وإزالة التوتر بين المكونات والشرائح المجتمعية وإنشاء مبدأ قبول الأخر والتعاطي مع القضايا المستعصية بمبدأ الحوار وليس بالسلاح وتحت خيمة العقد الاجتماعي.
فالقضاء على الميليشيات يحتاج الى جهود كبيرة من قبل طرفي العقد الاجتماعي ويتطلب وعيا اجتماعيا يفضي الى ترسيخ مفهوم الدولة وضرورتها كقوة وحيدة لامناص عنها في مهام السيادة وحفظ السلم الاهلي.
إعلامي وكاتب مستقل
[email protected]