حجم النص
ان لم يكن بالإمكان تشكيل كابينة حكومة أغلبية تتناسب طرديا مع الاستحقاقات التاريخية للشعب العراقي فقد اقتضت الضرورات المرحلية والإستراتيجية القصوى للمشهد السياسي / الاجتماعي العراقي ان تشكل الكابينة الحكومية بنسق توافقي باعتماد المحاصصة معيارا لامتصاص واستيعاب التناقضات والتخندقات بتسويات وارضاءات والجمع بقدر الممكن لشتات الهويات الفرعية والتوجهات الحزبية والنعرات الطائفية والنزعات القومية والاقاليمية وغيرها في بودقة واحدة وضمن الحد الادنى من التشارك والتآلف والانسجام في ما سُمي بحكومة الشراكة الوطنية حيث الجميع مشتركون ومتشاركون في إدارة النظام السياسي وتكون "المشاركة" بحسب حجم الكتلة ومدى تأثيرها والكل له "حصة" في صناعة القرار والجميع ايضا منضوون في جبهة عريضة واحدة هي جبهة المشاركة المطلقة في الكابينة الحكومية التي تقود زمام الأمور بدون هامش لأغلبية او جبهة اخرى تكون خارج "السرب" حيث الرقابة التي لابد منها للأداء الحكومي وكرديف مساعد للبرلمان وللسلطة الرابعة وهذا لم يعد ممكنا ايضا إلا إذا غُيِّرت وجهة البوصلة نحو تشكيل حكومة أغلبية فعندها لكل حادث حديث.
هذا هو التوصيف العام والمختصر لحكومة "الشراكة" الوطنية ذات المعيار التوافقي التحاصصي وهو واقع حال للحكومة التي أنتجتها معطيات مرحلة مابعد التغيير وكانت ايضا من نتاج انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة وهي استحقاق تاريخي للشعب العراقي مارس فيها دوره بشكل نال إعجاب العالم ولكن!! من يستبطن واقع الحال "المرير" ويسبر أغواره المليئة بالعقد والاستعصاءات والانسدادات والمشاكل المستديمة والازمات المرحَّلة من عهود الديكتاتوريات البائدة والازمات "المستحدثة" في عصر ما بعد التغيير يجد ان حكومة "الشراكة" الوطنية بعد سلسلة المشاكل التي عصفت ومازالت تعصف بها بدأت تفقد صفة الشراكة الحقيقية التي قُدر لها ان تستوعب التناقضات والجزئيات السياسية والمجتمعية والاثنية والأجندات الحزبية وغيرها وصار التشارك نفسه عبئا ثقيلا جدا على الحكومة كتشكيلة وعلى أدائها كسلطات وعلى المواطن كناخب اعطى صوته منتظرا استحقاقاته التي تأخر الكثير منها، بدلا من ان يكون هذا التوافق جامعا مانعا يحول دون انفراط عقد العملية السياسية وتشتت الفرقاء السياسيين ونكوصهم خلف واجهاتهم الحزبية والتجائهم الى مكوناتهم المجتمعية والمناطقية وانتماءاتهم الطائفية / القومية وهوياتهم الفرعية فضلا عن تشرنق المكونات حول نفسها ومرجعياتها ، فكانت توليفة الشراكة هي الحل الأمثل ولو مرحليا وذلك بحد أدنى او مقبول من الانسجام البروتوكولي المجاملاتي لتمشية الامور ان لم يكن انسجاما وطنيا حقيقيا او شعورا بالمسؤولية الجماعية وضمن مقاربات العقد الاجتماعي وشرائط المواطنة وهذا لم يعد واضحا من الناحية العملية والإجرائية وحتى من الناحية الشكلية والظاهرية..
فما جدوى التشارك إذا لم يعد ممكنا / او اقرب الى المستحيل/ ان يلتئم الفرقاء السياسيون حول طاولة واحدة لمناقشة ما آلت اليه العملية السياسية من واقع مأزوم يحتاج الى اكثر من عصا سحرية لفك طلاسم الأزمات وحل شفرات الاختناقات وسد الثغرات وردم الفجوات ورأب الشروخ ومعالجة الانشقاقات العمودية والأفقية جراء التوافق الهش الذي لم يتأسس على اسس سياسية / وطنية ناضجة بل بنيت على تحاصصات وتوزيع مرتجل للأدوار ومصالح آنية غير محسوبة العواقب.
والأخطر من كل ما تقدم ان التصدعات السياسية ساهمت بتشتت توجهات الرأي العام وعملت على انقسام الشارع العراقي وتفتيته الى مرجعيات متناقضة وتوجهات متباينة لا حصر لها سيما ان الكثير من الكتل والفرقاء السياسيين يملكون الكثير من "الوسائل" و"الأدوات" التعبوية والتحشيدية والاعلامية التي تدعم هذا الاتجاه.
إعلامي وكاتب عراقي [email protected]
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- جريمة الامتناع عن معاونة السلطات التحقيقية في القانون العراقي
- قصة حقيقية تبين التعامل الواعي مع الحسين (ع)