حجم النص
في جميع دول العالم ذات الديمقراطية الحقيقية والليبرالية التي تحتكم الى صناديق الاقتراع بشفافية والتي تدار بالانسجام الحكوماتي بالتشارك الحقيقي المتناغم مابين ائتلافات القوى السياسية (غير المتحاصصة او المتخندقة) ومابين القوى السياسية التي تتوارى خلف يافطة المعارضة التي تعمل بندية ايجابية الهدف منها مراقبة أداء الحكومة (الأغلبية) وتقويم او تقييم ذلك الأداء إن استدعت الحاجة الوطنية الى ذلك..
في هذه البلدان وكنتيجة تلقائية من نتائج الديمقراطية أن يحدث الاختلاف الذي قد يُفضي الى خلاف وتعدد وتعارض الرؤى ما يشير الى وجود أزمة سياسية قد يطول أمدها او يقصر وقد تلقي ظلالا على مجمل المشهد لهذا البلد او ذاك سيما في الجوانب السياسية والاقتصادية وغالبا ما تنتهي هذه الأزمات بنهايات مغلقة لتُفتح بواسطة التفاهم المشترك جميع الانسدادات الازماتية لتصب كمحصلة نهائية في خدمة الصالح العام وبدون مناكفات سياسية تحول دون تقديم تنازلات يفرضها واقع الحال والمصلحة العليا للبلد، وباعتبار إن المنصب مهما كان موقعه وحجمه و"منافعه " وجد لخدمة الوطن والمواطن وليس العكس الذي يولد أزمات بنهايات زئبقية مفتوحة تبقى دون حلول مرضية او بحلول ترقيعية او تؤجل الى مراحل هي الأخرى حبلى بأزمات وانسدادات آنية او مؤجلة من مراحل سابقة !!!
وبعض أزماتنا العراقية متعددة الوجوه ؛ سياسية ، إعلامية ، اقتصادية ، أمنية ، شخصية ، طائفية ... ومتغيرة الاتجاهات وبخطوط بيانية تتعاكس ما بين الداخل المأزوم ومابين "الخارج" المتوثب على زعزعة التجربة الديمقراطية العراقية التي ما تزال بكرا ، وإفشالها في منطقة تعج بأنظمة ديكتاتورية مستبدة او غير ديمقراطية ان لم تكن فاشستية او ثيوقراطية متحجرة ..أزماتنا تبدأ عادة ككرة الثلج التي ما إن تتدحرج حتى تصبح كالطود العظيم وتتجلى خطورتها وتداعياتها مع تعدد وتنوع القنوات الإعلامية التي يعمل اغلبها بدون ضوابط مهنية وبعضها مازال يقف بالضد من أي مشروع سياسي وطني وبأجندات مؤدلجة تتشيأ في انساق تعبوية مغرضة او معادية، إضافة الى عدم وجود قانون ينظم الأحزاب والحياة السياسية في البلد ووجود بعض التوجهات السياسية ذات برامج ضبابية تعمل بدوغمائية مريبة ..
وفي خضم هذه الأزمات ومقارباتها الدراماتيكية الوعرة تشتعل فوضى "اللاءات" وحمى التصريحات الإعلامية المتقابلة وحمم "الوثائق" المتبادلة والطعونات المتعاكسة وتستعر فرضيات نظرية المؤامرة على قدم وساق. الكثير من أزماتنا ذات نهايات مفتوحة وهي في الواقع غير عصية على الحل اذا ما حصل التعامل معها على أسس المواطنة الحقة والمواطنية الصادقة مع توفر الجهد الوطني الجاد والمتناسق مابين الفرقاء السياسيين بغض النظر عن نواياهم وتوجهاتهم ومشاريعهم وتعاطيهم مع الملفات الساخنة او المعقدة في سبيل تحقيق دولة مدنية متحضرة وفق مبادئ الديمقراطية وتغليب المصلحة العامة على جميع المصالح الضيقة كي لا تستحيل الخلافات السياسية الى أزمات والأزمات الى عقبات لامخرج منها فينعدم الحد الأدنى من التشارك والشعور بالمسؤولية تجاه الوطن والمواطن وصولا الى دولة المؤسسات والقانون . إعلامي وكاتب عراقي [email protected]