- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
دَردَشاتٌ دِيمُقراطِيَّةٌ![٥]
نــــــــــزار حيدر
أَعتقدُ أَنَّ مشكلتنا في العراق أَمرَين مُهمَّين؛
أ/ أَنَّنا نَحِنُّ إِلى الماضي في كلِّ شَيْءٍ، ولذلكَ فإِنَّ عقولَنا وتفكيرنا مشدودٌ إِليه! لا نتطلَّع إِلى المستقبل ولا نفكِّر بالانتقالِ إِليهٍ! ليس بالآمالِ والأَحلامِ والخطاباتِ! وإِنَّما بالرُّؤية والخُطط والمشاريعِ والأَفعالِ وقبلَ كلِّ شَيْءٍ بالعقليَّةِ!.
وإِنَّما نتلفَّتُ إِلى الخلفِ ظنّاً منَّا بأَنَّ الماضي أَفضل من الحاضرِ في كلِّ شَيْءٍ! ورُبما المُستقبلِ!.
ب/ ننظرُ إِلى النَّجاحات من نهاياتِها فنتمنَّى أَن تُصيبنا ببعضِ إِيجابيَّاتها! إِن لم نتمنَّ أَن نستنسِخها أَو نستورِدها كعُلَب السَّردين!.
ومن الواضحِ فإِنَّ مَن ينظر إِلى النَّجاحات من نهاياتِها لا يمكنهُ أَن يستوعبَ المراحِلَ والزَّمنِ المصروفِ والمُعاناة والتَّضحيات التي قُدِّمت والجهودِ التي بُذلت قبل أَن تتحقَّق! فيسترخِصها فلا يمكنهُ أَن يحقِّقها أَبداً! لأَنَّ لكلِّ نجاحٍ ثمنٌ، وهو غير مستعِدٌّ لدفعهِ أَو التَّضحية بهِ!.
بالنِّسبةِ للمُشكلةِ الأُولى؛ فإِنَّ كثيرِين يتمنَّونَ مثلاً أَن يعودُوا إِلى أَيّام ديمقراطيَّة العهد الملكي! وهؤلاء، بالتَّأكيد، لم يقرأُوا التَّاريخ وإِلَّا لاكتشفُوا بأَنَّ تجربتنا الديمقراطيَّة الحاليَّة أَفضل بكثيرٍ من تلك التَّجربة في جوانبَ عِدَّيدةٍ، فمثلاً؛
كان نوَّاب المجلس النِّيابي يفوزُونَ بمقاعدهِم بالتَّزكية في أَغلب الدَّورات، وأَنَّ المجلس النِّيابي كانَ تحتَ رحمةِ الإِنجليز والبِلاط الملكي ورئيس الوُزراء وأَحياناً وزير الدَّاخلية! فكلَّما تآمر إِثنان منهُما أَو ثلاثتهُم على المجلس النِّيابي حلُّوه ودعَوا إِلى إِنتخاباتٍ نيابيَّةٍ جديدةٍ ليفوزَ فيها بالتَّزكية مرشَّحي الحكُومة أَو البِلاط أَو الإِنجليز! لتمريرِ سياساتهِم والقوانين التي يريدُونها.
ولقد تمَّ حلِّ المجلس النِّيابي [١٤] مرَّة من أَصل [١٦] دَورة هي مجموع الدَّورات الانتخابيَّة التي شهِدها العهد الملَكي.
هذا يعني أَنَّ الحكومةَ هي التي كانت تُسيطرُ على البرلمانِ وليسَ العكسِ! كما هو معمولٌ بهِ في كلِّ ديمقراطيَّات العالَم!.
فضلاً عن ذَلِكَ فإِنَّ عددٍ كبيرٍ من النوَّاب كانُوا يسمعُونَ بخبرِ فوزهِم بمقعدٍ في المجلس النِّيابي من المِذياع أَو باتِّصالٍ هاتفيٍّ من صديقٍ أَو وزيرٍ أَو حتَّى من السَّفارةِ! من دونِ أَن يرشِّحوا أَنفسهُم للانتخاباتِ النِّيابيَّةِ!.
كما أَنَّ عدداً منهم كان يتمُّ الإِعلان عن فوزهِم بمقاعدَ في دوائرَ إِنتخابيَّةٍ لا علاقةَ لهُم بها!.
أَمّا التَّهديد والتَّقسيط والإِغتيال السِّياسي للمرشَّحين فحدِّث عَنْهُ ولا حرَجٍ! فضلاً عن أَنَّ الترشُّح كان بالأَساس بمعاييرِ العَشيرةِ والأُسرةِ بالدَّرجةِ الأُولى وقلَّما يَكُونُ على أَساس المعايير السياسيَّة والكَفاءة!.
بالإِضافةِ إِلى أَنَّ جُلَّ نوَّاب المجالس النيابيَّة في كلِّ دوراتِها كانوا أُميِّين لا يقرأُون ولا يكتبُون!.
أَمَّا الحكومة فقد كانت في مهبِّ الرِّيح مُعرَّضة للسُّقوط والإِقالة لأَتفهِ الأَسباب ولأَبسط الصِّراعات الحزبيَّة والخلافات السياسيَّة! فلنا أَن نتخيَّل حجم الفوضى السياسيَّة إِذا عرِفنا بأَنَّ العهد الملكي الذي دامَ [٣٧] عاماً فقط شهِد تشكيل [٥٩] وزارة!.
أَمّا الجيشِ الذي تأَسَّسَ لحمايةِ الشَّعبِ فقد تمَّ استخدامهُ من قِبَلِ الحكوماتِ المُتعاقبةِ [٥٧] مرَّة لقمعِ الشَّعبِ في الشِّمالِ والجنُوبِ والشَّرقِ والغَربِ!.
وبالعَودةِ إِلى شُعراءِ ذَلِكَ العهدِ كالرَّصافي والزَّهاوي والجواهري والكرخي، فيمكنُنا تصوُّر الحال السِّياسيَّة من خلال ما قالُوه من قصائِدَ سياسيَّةٍ رائعةٍ، فلقد قَالَ الرِّصافي يصِفُ [الدَّولة]؛
عَلَمٌ ودستُورٌ ومجلسُ أُمَّةٍ
كلٌّ عن المعنى الصَّحيحِ مُحرَّفُ
وَقَالَ في قصيدةٍ أُخرى؛
المُستشارُ هو الذي شرِبَ الطَّلا
فعلامَ يا هذا الوزيرُ تُعربِدُ
ومعَ كلِّ ذلك فانَّ تلكَ التجرِبة الديمُقراطيَّة كانت رائدةً في دُول المنطقةِ والعالَم العربي! فَلَو كانَ العراقيُّون قد استمرُّوا بها لكانت عندنا الآن خبرةً ديمُقراطيَّةً متراكمة قلَّ نظيرها! إِلَّا أَنَّها انقطعت مُدَّة [٤٥] عاماً لنبدأَ من نقطةِ الصِّفر في عام ٢٠٠٣!.
أَمّا معايير الطائفيَّة والعُنصريَّة [السياسيَّة] فقد كانت في أَوجها إِلّا أَنَّها كانت [تحتَ الطَّاولة] لا يشعُر أَو يتحسَّس بها إِلّا [أَهل الحلِّ والعقْدِ] ليس فقط على مُستوى إِختيار رئيس الحُكومةِ وإِنَّما على مُستوى إِختيار الوُزراء كذلك بل وحتَّى وُكلاء الوُزراء والمُدراء العامِّين ورُبما السُّفراء!.
*يتبع...
٩ نيسان ٢٠١٨
لِلتَّواصُل؛
E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com