- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الأمثال الشعبية سمة مجتمعية.. الجزء الثاني
حسن كاظم الفتال
*المثل صناعة لقناعة"
إن أيدلوجية أو قل حكمية المثل غالبا ما لا تدع مكانا أو زمانا دون أن تتوغل فيهما لتترك انطباعا وحضورا واسعا بين طبقات المجتمع وهذا ما حدا أن تكون عملية صياغة المثل أو قل آلية صناعته ليست بيسيرة فهي ترتكز على حنكة وحكمة ودقة في الصياغة والتركيبة وتستوحى ملافظه أو مكونات عباراته أو مفرداته من متانة تماسك نسيج المجتمع بعيدا عن التعقيدات ليكون رصينا يسهل من خلاله إقناع السامع له أو إلزامه بتطبيق مضمونه. وبمعنى آخر المثل: هو عبارة عن جملة قصيرة تختزل مدلولات كبيرة وكثيرة وقد ينوب أحيانا عن الحكمة أو تستمد منه الحكمة إذ أن الجملة التي يتكون منها المثل هي عبارة عن خلاصة معتصرة لتجربة معينة حدثت عاشها أشخاص في ظرف معين فيحذر لأن يتجنب الآخرون الوقوع في الخطأ نفسه.
فكم من الأمثال يختصر زمنا وأقوالا وأحاديث ويوفر أمورا كثيرة فضلا عن اكتساب معلومات معينة وبذلك يكون المثل
سهل التلقين للآخرين وعسى أن يحل محل الضابطة التي تتحكم بالسلوك البشري ويمثل معيارا من المعايير الأخلاقية لعامة الناس وخاصتهم. لذا نجد أن عِليَة القوم من العقلاء والكبّار هم الذين يتدبرون نسج صيغ الأمثال بحبكة وإحكام ويحددون مقاساتها وهم أكثر استخداما وتطبيقا لها من سواهم.وكثيرا ما يمثل المثل الشعبي صورة تبرز هوية المجتمع الثقافية
وإن عامة المجتمعات والأمم يجمعها قاسم مشترك في التعاطي للمثل الشعبي فلا توجد أمة أو مجتمع من المجتمعات لا تتعاطى المثل الشعبي في تعاملاتها اليومية في الشكل أو في جوهر المثل مع اختلاف الألفاظ والعبارات وسلامة المضمون.فاختلاف الألفاظ أو تغير المفردات مورده اختلاف اللهجات مع تطابق المعنى الذي يتساوق أحيانا حتى مع تغيير اللغة. فالمثل الشعبي الأجنبي في أحيان كثيرة يحمل المعنى نفسه للمثل الشعبي العربي إنما تختلف اللغة.
إن تسمية أو صفة (شعبي) التي أطلقت على المثل انبثقت من ظاهرة تقبله وتداوله من قبل طبقات الشعب كافة وسرعة الانتشار بين مختلف شرائحه.
وهو يختصر الكثير من المسافات ويستعوض باختزاله الكثير من المقالات إذ بجملة واحدة تفصح عن معانٍ جمة وربما تنقذ من عواقب وخيمة أو مهالك.
وثمة أمثال تنسل من صميم العفوية لذا يسهل استيعابها مما يعين على انتشارها وشمولية تداولها.
وثمة أمثال شعبية أفرزتها وأنشأتها وقائع اجتماعية أو تاريخية حدثت أو حتى أحداث شخصية فصارت موردا لاكتساب الحكمة والموعظة والإرشاد لتعتمدها بعض الطبقات أو الفئات. وهذا ما دعا إلى أن يتحمس العقلاء للترويج لمسألة تعميم شيوع المثل الشعبي وتوغله بين الأوساط المجتمعية لدرجه ضمن مفاهيم القيم الاجتماعية والأخلاقية.
وليس بالضرورة أن تقتصر عملية الترويج والدعوة إلى اغتنام شيوعه بالشكل الصحيح للإنتفاع منه على فئة معينة أو طبقة دون أخرى بل يحق للجميع أن يروج لمسالة استخدام المثل كوسيلة للوعي والثقافة أو اكتساب أي معلومة ما شرط أن لا يسبب طرحه انتهاك حرمة إنسان أو قتل إنسان أو حتى سخرية واستهزاء أو استخفاف بمبدأ أو معتقد للآخرين
*المثل وسيلة تربوية وتنفيسية*
إن ملامح القيم الإنسانية وتمتين أواصر المجتمع وترصين الترابط في العلاقات الأسرية والمجتمعية والحرص على ديمومتها وترسيخ المفاهيم الدينية والأخلاقية وتعميقها في النفوس كل ذلك يمكن أن يكون مقوما أو عنصرا من عناصر تشكيل المجتمع الفاضل. وللفضيلة معالم وإمارات أو علامات بارزة واضحة. ولعل هذه المعالم يشيدها توارد شيوع المثل الشعبي بين الأفراد ويندرج في حقل المعايير الأخلاقية التي تُعتمد بين الناس.
وربما لا نجانب الحقيقة لو قلنا أن المثل أحيانا يعد عنصرا من عناصر التنفيس أو الترويح عن النفس وطرد الهم والغم ووسيلة من وسائل الإرتياح وانشراح الصدر. ولعل أقرب شاهد وأدق مصداقية لهذا الملمح هو المثل القائل: (كل ضيق ووراه فرج) أو: (ما تضيق إلا تفرج) هذا المثل الذي وخز قريحة شاعر فأحاله إلى صورة شعرية بمعنى مرادف جميل:
(ضاقت ولما استحكمت حلقاتها ** فرجت وكنت أظنها لا تفرج).
معظم الشرائح إن لم نقل المجتمعات بشكل عام تتعامل مع المثل الشعبي كحقيقة مُسَلَّم بها وأداة للتشبيه أو التنبيه.
وثمة من يعتمد عمومية منطوق المثل كبيان للرشد أي يتخذ منه مرشدا ينظم به الكثير من شؤونه على أساس ما يحمله أو يطرحه المثل من معنى.
للحديث صلة
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- البكاء على الحسين / الجزء الأخير