بقلم: سليم الحسني
أحرق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه بجرأة اليائس، في ١٧ كانون الأول ٢٠١٠، فسرت النار تدريجياً الى أهالي مدينته الذين أرهقتهم متاعب الحياة وظروفها الصعبة، ثم تزايد اشتعالها فعم تونس حتى أدرك الرئيس التونسي بن علي أن الحكم قد ضاع منه، فرحل لاجئاً الى السعودية. كان الفيسبوك أداة الترويج الأولى لثورة تونس، وحملت اسم الربيع العربي.
كانت البداية عفوية صادقة، وكذلك الاستجابة سريعة، لكن سرعة استسلام بن علي وهروبه، كان مفاجئاً ولا تزال الروايات غير مؤكدة حتى الآن عن التفاصيل.
بعد أيام اندلعت التظاهرات الاحتجاجية في مصر، وصار ميدان التحرير موقع الثورة الجماهيرية، وهناك كان حضور قناتي العربية والجزيرة لا يعلو عليه حضور آخر، كما أن مواقع التواصل الاجتماعي التهبت بالحراك المصري. حتى اضطر الرئيس مبارك الى التنحي بعد أن لمس تخلي الولايات المتحدة عنه كلياً.
في ليبيا جرت الأمور بشكل مختلف فقد تركزت الاحتجاجات في مدينة بنغازي وسقطت بيد المحتجين، مع تغطية وتأجيج متصاعد من قبل قناتي العربية والجزيرة أيضاً. وأخذ الاحتجاج في ليبيا شكل القتال المسلح، ثم وصل الى قرار تدخل الناتو الذي قضى على نظام القذافي بضربات جوية مكثفة وتواجد عسكري لضباط من الناتو في مواقع مهمة من ليبيا. وعندها أعلنت روسيا احتجاجها الغاضب بأن الأمر كان خدعة، وأنها لن تشترك بعد الآن في التصويت داخل مجلس الأمن لمثل هذه الخدع.
ورافق ذلك ربيع في اليمن الذي أسفر عن تنحي علي عبد الله صالح في اتفاق رعته السعودية، يقضي بعدم ملاحقته قضائياً على ان يتولى الحكم عبد ربه منصور هادي.
في البحرين انتفضت الجماهير، بأدنى مستوى من المطالب من بين دول الربيع العربي، فقد رفعت شعار السلمية وتمسكت به، وطالبت بملكية دستورية لا أكثر، لكن وسائل الإعلام العربية والدولية واجهتها بالتشويه، واعتبرتها مؤامرة إيرانية، وسكتت على القمع الوحشي الذي استخدمه نظام آل خليفة، وسكتت ايضاً على دخول القوات السعودية الى البحرين بمدرعاتها وما تبع ذلك من هدم وقتل وحرق للمساجد والبيوت والقرى. لقد كان الربيع العربي ممنوعاً في البحرين بقرار خليجي وعربي ودولي.
في تلك الوقائع التي خطفت أنظار العالم، ظهر الصهيوني العالمي (برنار هنري ليفي) في مناطق متعددة من ليبيا ومصر، وقد حمل لقب (عراب الربيع العربي). وكان ليفي من قبل صاحب الأدوار المهمة في البوسنة والهرسك، وفي تقسيم السودان والمرشح لرئاسة إسرائيل.
انتقل اهتمام برنار ليفي الى سوريا فبدأت الأزمة مع غطاء إعلامي تحضيري مكثف من قبل الجزيرة والعربية ووسائل الإعلام العربية. لكن الاحتجاجات السورية لم تكن بالمستوى الذي يرضي طموحات حكّام الخليج ولا إسرائيل، فسرعان ما اتخذ الرئيس السوري بشار الأسد مجموعة من الإصلاحات والتعديلات الدستورية، لإرضاء الاحتجاجات، وخرجت بعد ذلك تظاهرات كبيرة مؤيدة له في دمشق وغيرها. وقد أدرك مشعلو الربيع السوري الذي اندلع عام ٢٠١١، أنهم لن يتمكنوا من التصعيد، ولا بد من مساندة الجامعة العربية وتدويل الأزمة. فتم إيفاد الفريق محمد الدابي الى سوريا، وعاد بعد جولات ميدانية بتقرير صريح بأن الاحداث في سوريا من صناعة جماعات عنف مسلح، وليس هناك ما يشير الى وجود مطالب جماهيرية بتغيير النظام. وكان التقرير صادماً للحكام العرب ولتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة، فرفضوا التقرير.
اتفقت السعودية وقطر وتركيا والأردن وإسرائيل، على تحويل الأزمة في سوريا الى حرب أهلية، عن طريق إدخال المقاتلين التكفيريين بأعداد كبيرة، وهو ما عرف بـ (خطة بندر) وقد اعترف بذلك رئيس الوزراء القطري قبل أسابيع الشيخ حمد بن جاسم، في مقابلة تلفزيونية صريحة.
نجحت التنظيمات الإرهابية مثل النصرة وداعش وغيرهما، في السيطرة على مناطق واسعة من سوريا، وأوشكت دمشق ان تسقط بيد الجماعات الإرهابية، لو لا المساعدة الميدانية التي قدمتها روسيا وإيران وحزب الله للحكومة السورية. وكانت احدى النقاط الفاصلة في الحرب الأهلية، معركة القصير في حزيران عام ٢٠١٣، وكان مخططاً لها أن تنهي نظام بشار الأسد، لكن روسيا قدمت معلومات استخبارية مهمة للقيادة السورية، أدت الى هزيمة الجماعات المسلحة، مما شكل صدمة كبرى لمحور (قطر، السعودية وتركيا) وفي اعقابها تم إجراء تعديلات مهمة على بعض القيادات المهمة، فقد تنازل أمير قطر عن الحكم لأبنه تميم، وتم عزل بندر بن سلطان عن الملف السوري.
صار واضحاً بعد معركة (القصير) أن الحرب السورية ستكون طويلة، ولا بد من تعديلات جوهرية على الخطة، طالما أن نظام بشار الأسد يحظى بدعم قوي من روسيا وايران وحزب الله. وعلى هذا الأساس تم إعتماد فكرة الدولة الداعشية، ليتسع نطاق الحرب وتدخل الى العراق. وقد مهدت بعض القيادات السنية المتطرفة لهذا المسعى في اشعال الأزمات في محافظة الأنبار ضد الحكومة المركزية في بغداد، وكان ذلك إيذاناً بدخول داعش الى المناطق السنية تحت خيمة الاعتصامات. حتى كانت الكارثة في حزيران ٢٠١٤ بسقوط الموصل وثلث مساحة العراق بيد تنظيم داعش.
جرى ذلك ضمن توجه جديد تبنته الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا وقطر والسعودية والأردن وغيرها، مفاده، أن سوريا لن تسقط، ما لم يتم ضرب إيران، وأن توجيه الضربة الموجعة لها، يجب أن يمر عبر انهيار كبير في العراق.
للحديث تتمة
أقرأ ايضاً
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- هل سيكون الردّ إيرانيّاً فقط ؟