بقلم:عباس الصباغ
صار من المؤكد ان مسالة شحة المياه وصلت خطورتها الى الحد الذي تُفرد له المرجعية الدينية العليا المتمثلة بالإمام السيستاني (دام ظله الوارف) محورا خاصا في خطبة الجمعة التي يلقيها ممثلها في الصحن الحسيني المقدس، والمرجعية نوهت مسبقا الاّ تتطرق إلاّ للأمور الحرجة والخطيرة وحسب الحاجة وعبّرت في هذا المحور عن قلقها المتزايد من هذه الحالة التي تفاقمت مؤخرا بالقول (تردنا معلومات غير مطمئِنة حول وضع المياه في البلاد وهناك تهديدات جديدة بالنسبة للأراضي الزراعية والثروات الحيوانية في بعض المناطق)، وطالبت المرجعية الحكومة والمعنيين بالشأن المائي والاروائي بوضع سياسة مائية واضحة المعالم للرأي العام وبذل قصارى جهدهم والتصرّف العاجل ازاء هذا الموضوع المؤثّر على عجلة الاقتصاد الوطني وحياة ومعيشة المواطن العراقي المغلوب على امره، كما نوّهت من جانب اخر الى عدم الاسراف والتبذير في المياه ولأي غرض كان، او التجاوز على الحقوق المائية للآخرين، ومّما يزيد الطين بلة، النقص الواضح في مناسيب الامطار وتدنّي معدلاتها السنوية لاسيما سنتنا الحالية التي تنبئ بموسم امطار شحيح.
الامن المائي والاروائي في العراق معرّض للخطر بسبب ملف سد (اليسو) التركي الحدودي المثير للجدل والذي يعد واحدا من 22 سدا ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول حيث تجري إقامة هذا السد على نهر دجلة بالقرب من الحدود السورية العراقية التركية المشتركة بنحو 50 كيلومترا وبمواصفات هندسية عالية وبهذا الانجاز تكون تركيا قد انتهت من إنشاء سدها الثاني الأكبر والأضخم بعد سد أتاتورك، وعند اكتماله في شباط 2018 المقبل، سيؤثّر تأثيرا حادا في الصيف المقبل على مجمل النشاطات المائية والاروائية في العراق وذلك لأنه سيستهلك حوالي 40% من منسوب نهر دجلة، ويبدو أن الحكومة التركية وجدت منفذا بالتلاعب على أحكام القانون الدولي الخاص بالدول المتشاطئة والذي يفرض على دول أعالي المجرى النهري(تركيا) التشاور مع الدول أسفل المجرى (العراق) وعدم الإضرار بها وهذا لم يحدث بتاتا، فقد استغلت تركيا تداعيات المشهد العراقي والفوضى السياسية التي ضربت هذا المشهد اضافة الى حالة الحرب مع داعش كما استغلت الفراغ الذي تركته الحكومات السابقة ملكية كانت ام جمهورية بعدم تثبيت الحقوق المائية مع جيران العراق وفق معاهدات تقنّن تلك الحقوق كما هو معمول به دوليا، ضاربة عرض الحائط جميع المناشدات العراقية والتقارير التي تبثّها وسائل الاعلام عن حالات الجفاف التي تضرب وسط وجنوب العراق. وكان يفترض بلجنة المياه والاهوار البرلمانية أن تتواصل مع الجهات التنفيذية في الحكومة والمعنية بالأمر كوزارة الموارد المائية فضلا عن التنسيق مع وزارة الخارجية العراقية، وتقديم ادلة الى الجهات الدولية تؤكد وبالصورة حجم الاضرار التي احدثتها السياسة المائية التركية وحجم الخسائر الفادحة في الثروة الزراعية والحيوانية وتداعيات تلك السياسة على مجمل النشاطات الاقتصادية في العراق وبخصوص المستقبل القريب فقد حذر الخبراء من كارثة مائية كبيرة ستعصف بمحافظات الوسط والجنوب فضلا عن انقطاع مياه الشرب فيها لذا يجب الاسراع بمفاتحة الحكومة التركية والضغط عليها، او اللجوء الى المنظمات العالمية المختصة بهذا المجال وعدم ترك الأمور سائبة لتؤدي الى الاحتقان السياسي بين البلدين وربما اكثر من ذلك او انتظار "الفرج".