بقلم:د.محمد أبو النواعير
حاولت القيادات الكردية في الأشهر القليلة الماضي, إظهار نيتها
الحقيقية في الإنفصال عن الدولة العراقية, من خلال الإستفتاء الذي أجروه
في الشهر الماضي, و يعتقدون بموجبه أنه سيمثل خطوة لتحقيق حلمهم الوحيد
والذي سيضمن لهم قيام دولة كردية مستقلة جغرافيا وسياسيا واقصاديا, عن
الدول المحيطة بها أو الموجودة فيها التركيبات القومية الكردية!
ولم تكن محاولة تحقيق هذا الهدف من قبل القيادات الكردية أمرا سهلا,
فقد تم تسليط الضوء على هذا الموضوع من قبل الكثير من الحكومات والدول
(الإقليمية والعالمية) والكثير من المؤسات الرسمية العالمية, وغلب الرفض
على مواقف تلك الجهات والدول. ويظهر لنا جليا ذلك في حضور العامل الدولي
في هذه القضية, وكان الأكراد على وعي بهذا الأمر, فمن دون الحصول على
تأييد دولي لا يمكن للحلم أن يتحقق. لذا سعى الإقليم الكردي إلى بناء
علاقات قوية مع دول الجوار, ودول العالم صاحبة النفوذ, خاصة بعد أن حصلوا
على استقلال نسبي بعد عام 1992, إلا ان كل ذلك لم يرقى إلى حالة التكامل
أو توفر الشروط العملية لتكوين دولة.
لا يمكن لنا أن ننظر إلى قضية تكوين الدولة الكردية المنسلخة عن الوطن
الأم "العراق" فقط من وجهة نظر الإدعاءات الكردية, فوجود دولة ذات حدود,
تحاول ان تقوي سيادتها, في مقابل وجود أقليم فيه أقلية جماهيرية يحاول
قادته توظيف ما فيه من تباين لغة وقومية, من أجل انتزاعه من الدولة الأم
, ليتمكنوا بعد ذلك من الإستمرار في حكمه, هو أمر يحتاج إلى الكثير من
التدقيق والتقييم, خاصة وأن الدولة الكردية المزعومة التي يراد اقامتها,
ستحوي على الكثير من القوميات والإثنيات الغير كردية, والتي قد تشعل
صراعا داخليا مريرا في حالة إصرار الكرد على المبدأ القومي
ليس من السهل جر العراق بكل مناطقه الشمالية والجنوبية نحو حرب لا
نعرف متى تنتهي تداعياتها, فقد شهد هذا البلد في العقود الخمسة الأخيرة,
تصفيات بشرية كثيرة تحت مسميات حروب أو إرهاب أو ظلم وطغيان دولة,
الأكراد والعرب نالهم من آلات الموت هذه, الشيء الكثير. بالإضافة إلى أن
التاريخ الكردي غير مشجع لإقامة مثل هذا المشروع, فعلى مدى تاريخهم كان
الأكراد أعتى أعداء أنفسهم, فهم منقسمون على انفسهم, ويوحدهم فقط حلم
الدولة، وتفرقهم العشائر والأحزاب, إضافة إلى أن المؤسسات الكردية
منقسمة, والديموقراطية غائبة بين الحزبين الكبيرين, مما أدى إلى ان يعيش
أكراد العراق في دولتين شبه منفصلتين بين البرزاني والطالباني.
التدخل الدولي سيزداد في العراق, وهو التدخل الذي كلما حاول
العراقييون تحييده وإضعافه أثره عند ظهور مشكلة سياسية ما, تنبع قضية
أكبر من أختها تجر البلد لإستقطابات اقليمية ودولية, والنتيجة يكون هذا
البلد هو المحرقة التي تصنعها إرادات الطغاة الدوليين. إيران وسوريا
والعراق وتركيا, أربع دول أعطت إشارات وتنبيهات كثيرة, منها تهديد ظاهر,
ومنها تهديد ضمني, بإتجاه مشروع الإنفصال الذي يدعو القادة الكرد إلى
إقامته, والمتضرر الأكبر من عملية الإنفصال هذه سيكون الشعب الكردي
بالذات!
إن ظهور الدعم الإسرائيلي لمشروع إقتطاع أرض شمال العراق ووهبها للكرد
كدولة, وتأييدها لهذه الفكرة بقوة, إنما هو كمين لــ(حروب ومشاكل) يقع
القادة الكرد فيه بغبائهم! فهذا الدعم الإسرائيلي سوف لن يكون بدون
مقابل, بل هو مشروع ومنهج من أجل إيجاد قوة حليفة تقاتل بالنيابة, عن
إسرائيل, وغباء القادة الكرد لم يجعلهم يدركون أن دعم إسرائيل لهم, سوف
يجعل من دولتهم المزعومة بؤرة للحروب والمشاكل التي ستثيرها مع جيرانها
المعادين لإسرائيل, كما صرح بذلك منوها الجنرال عوزي ديان رئيس مجلس
الأمن القومي وقائد شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي الأسبق، والذي
تحدث عن دور الدولة الكردية المستقبلي المهم في محاصرة أنقرة وطهران، على
اعتبار أن مثل هذا الدور يقلص من قدرة هاتين الدولتين للتفرغ للاهتمام
بالصراع مع إسرائيل مستقبلا, وهنا لن ينعم الشعب الكردي بذلك الأمان
والاستقرار الذي ينشده.
ردات الفعل ستكون كثيرة, ولا يُستبعد أن يقود ذلك تشكيل فصائل مقاومة
كردية أو تركمانية معارضة, تكون شبيهة بتجربة حزب الله , وتتحول إلى قوة
معارض مسلحة, تكون كسكين خاصرة ضد الأكراد!
فهل أن الشعب الكردي يريد ذلك ؟
أقرأ ايضاً
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القنوات المضللة!!
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!