- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التجييل السياسي بين التعاقب والانزياح
د. نوفل ابورغيف
بعيداً عن حفلاتِ الإقصاء المتبادَل الذي يمارسُهُ طرفانِ متلازمانِ، يفترض كلٌ منهما لنفسهِ الجدارةَ والقدرةَ على إلغاء الآخر وتذويبِهِ بوسائل شتى، يحاولُ هذا المقالُ استدعاءَ موضوعةٍ كثُرَ النفخُ فيها وتهويلُ مخرجاتها حتى انسحبت على عديدينَ ممن هم بُراءٌ منها ومن التصوّرات الارتجالية التي تمخضت عنها، ومن هؤلاء المتحفظين عليها وربما المتقاطعين معها ممن قد تنسحبُ على مساحتهم هو كاتبُ السطور ونخبةٌ من المنسجمين مع رؤيتهِ في هذا السياق، على نحوٍ لايحتملُ الإختباء او التنصل أو المجاملةَ، ولاسيما في أروقةِ المجلس الأعلى وربما تصدُقُ المعادلةُ على تيارات الساحةِ بشكل عام، فبينما يذهبُ بعضُ كبارِ السنِّ من المتصدّين سياسياً إلى نعتٍ عشوائيٍ معلنٍ للأجيال التاليةِ لهم زمنياً، ب(الصبيةِ والمراهقين)، ينزعُ الفريقُ الاخرُ إلى وصفِ هؤلاء المتقدمينَ عمراً، ب(الخَرِفينَ والمنقرضين)، في متوازيةٍ طرديةٍ ممجوجةٍ لاتكادُ تفتحُ للتكامل باباً للإلتقاء، أو نافذةً لضوء يتلمسُهُ الطرفان. وقد رشَحَ الى بعضِ سطوحِ مدونات(السوشيل ميديا) في أسابيعَ مضت، عددٌ من المفاهيم التي يرادُ تجليسها وهماً، وتكريسها بنحوٍ قسريٍ يبدو أقرَبَ إلى العقم منه الى جدلِ المعرفة والاشتباك الفكري، يتعلَّقُ بتوهّمِ القدرة على الإزاحة السياسية عبر هيمنة الجديد (عمرياً)، تحت لافتة الأجيال الجديدة، لإلغاء مساحاتٍ قارَّةٍ لمن هم أسبق زمنياً وتجاربياً، مما حدا بزعيم التحالف الوطني (وهو القائد الشاب بامتياز) الى رفضِ هذه المقولاتِ في مناسباتٍ عدّة وتنحيتها جانباً، باتساقٍ كاملٍ مع ما يتبناه بنحوٍ عام، وتجاهَ تيارِهِ من رؤيةٍ ومناهجَ وأدبيات بنحوٍ أخص، مستعينا بمفهوم (التكامل) بديلاً قارّاً ونهائياً من سواه، وهو مالانجدُهُ بعيداً عن مفهوم (التعاقب) الذي نؤكدُ عليه في هذه المناسبة وفي غيرها، وأما أن يصلَ التمسّكُ بهذه المقولاتِ المعادِ تدويرها (منذ مطلع الخمسينات في كتابات القوميين وتنظيراتهم، بأثر من سبقهم في الغرب)، فلهُ بواعثُهُ النفسيَّةُ والعمليَّةُ، ولاأشكُّ للحظةٍ في أَنَّ سلوكاً سالباً من قبيلِ الاستعلاء والاستعداء والفوقيَّةِ والهيمنةِ الكليَّةِ من قبل طبقةٍ تتخيلُ نفسَها من (أبناء الله) فلا يأتيها الباطلُ ولاينالها الصدأُ والتآكلُ حتى الموت، هو مادفعَ الملتحقينَ الجدد بقافلةِ السياسَةِ وتضاريسها الوعرة، إلى اجتراح رؤىً يشوبُها القلقُ والتوتّرُ والاستعجالُ، من قبيل دعواتٍ هنا أو هنا، تشرعنُ مايروقها أو تُمأسسُ لنفسها نسفَ الآخَرِ أو إنهاء دورهِ بعنوانِ الإزاحة العمرية / الجيلية، (مهما تعددت التفسيراتُ أو التأكيداتُ أو التأويلات) باختلافِ من يتعاطونَ هذا الهوَس، لتقعَ من حيثُ لاتعي، في أخطاء الفريق الأشيب نفسها. وهنا يكمن الخلل في الرؤيتينِ كليهما، ففي السياسة تحديداً لاغنىً عن تراكم الانساقِ الفكريَّةِ وتجاربِها التاريخانية (بغثِّها وسمينها) بوصفها عاملاً لترشيد الرؤى وتنضيجها، في قبالةٍ حاجةٍ منطقيةٍ تتزايدُ باطراد إلى الطبقةِ الجديدَةِ من اجيال اللاحقين، ليصبح (التكامل) وصفةً ناجعةً لتفتيت التطرّف الذي يتمسك به الطرفانِ، فضلاً عما نذهبُ إليه باعتقادٍ راسخٍ وهو مفهوم (التعاقب) الطبيعي غير المبتوت الذي تفرضهُ سننُ الحيواتِ ودوراتها، والحياة السياسية منها بنحو مخصوص. دوماً ماتعنُّ على الذاكرةِ مقولةٌ تعلَّمناها من درس النقدِ الأكاديمي تذهبُ الى أن تعريف الحداثةِ الأدقُّ والأشمل هو(ربط الحاضر بالتراث)، وتأسيساً عليها فلا جدوى من توهّمِ اللاحقين قدرتَهم على إلغاءِ التجارب الأسبق وإزاحتها بعامل القِدَمِ والشيخوخةِ، تماماً مثلما لا جدوى من أن يَتوَهّمُ الأسبقون عبثاً أنهم قادرونَ على البقاءِ المطلقِ في سدَّةِ الأداءِ السياسي وتمظهراتهِ المأهولةِ بالتغيير والتجديد والابتكار، دون إفساح الأفق للمارَّة. إنهُ التعاقُبُ الطبيعي لأجيال بني البشر الذي يفضي حتماً إلى تكاملٍ جيليٍ يقومُ على التعاقبِ المنطقي، لامناصَ من الإقرار بهِ والاحتكامِ الى مخرجاته المنطقيَّةِ، من دونِ حاجةٍ إلى قسرِ المقولاتِ واستعداءِ من هم أكثرُ تجربةً ورسوخاً، في سجالاتٍ عرجاء. والأمرُ نفسُهُ منطبقٌ على من يعتقدونَ بأنفسهم الأكفأ والأقدَرَ الى يَوْمِ يبعثون.. • استثمرُ هذا المقام لأُعربَ عن احترامي وتقديري للجميع بمن فيهم الذين اختلف معهم من الفريقين، وإنما هوَ اختلافُ القناعاتِ والتصوّراتِ، وللحديث صلة.
أقرأ ايضاً
- صفقات القرون في زمن الانحطاط السياسي
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود
- ظاهرة الحج السياسي