حجم النص
وسط تلال القمامة التي يُشتهَر ويعمل في جمعها وفرزها حي الزبالين بمنطقة المقطم، جنوب شرقي القاهرة، يعلو برج حمام «بناية حديثة»، معلناً عن المنزل الذي يقطنه نقيب الزبالين المصريين. إنه «شحاتة المقدس»، رئيس دولة كبيرة من العاملين في جمع القمامة، يعيش في منزل أنيق يفصل سوره الخارجي بين عالمين متناقضين: فخارجه عالم يغَص بالقمامة، وفي داخله عالم آخر حافل بالحيوانات المحنطة والطيور النادرة وحمام سباحة بينما يغطي الزرع والخضرة كل الفراغات، في حين يُضفي حمام السباحة وسط فضاء المنزل لمسة جمالية على المكان. يقول المقدس: «هذا المنزل في أوقات أخرى يتحول إلى موقع تصوير، وكثيراً ما تحضر الوكالات العالمية، من أجل نيل فرصة للتصوير، حيث المناخ الريفى الذي يتميز بالهدوء والبساطة وجمال المنظر. في هذا الحوار الصريح جداً مع «الراي»، كشف المقدس، وهو يرتدي جلبابه الشهير، عن أنه يحمل جواز سفر ديبلوماسياً من الأمم المتحدة. يتحدث عن فيلته الكبيرة المطلة على جبل المقطم من ناحية، ومسجد محمد علي ومنطقة القلعة من جهة أخرى، قائلاً، إنه حرص على تخصيص جزء منها لممارسة مهمته كنقيب للزبالين، ليكون منزله بمنزلة مقر للنقابة، إذ يستقبل بها الزبالين للحديث حول مشاكلهم في محاولة لحلها. وأكد شحاتة أنه يوجد في مصر حاليا 3 ملايين «زبال»، كاشفاً النقاب عن أنه يقوم بالتحري أمنياً عن أي شخص يريد الالتحاق بالمهنة. وفي السطور التالية تفاصيل هذه القضايا وغيرها، كما جاءت في ثنايا الحوار الذي أجرته «الراي» مع المقدس، مع نقيب زبالي مصر الذي يحمل جواز سفر ديبلوماسياً: ● لنتعرف أولاً على أصول هذه الدولة من بدايتها.. متى بدأت العمل بمهنة «الزبال»؟ - بدأت العمل بمهنة جامع القمامة بالوراثة، وورثت هذه المهنة من أجدادي، وبالتحديد من سنة 1948، عندما نزح أبي وجدي من محافظات الوجه القبلي، في صعيد مصر للعمل بالقاهرة، وكانت مصر في تلك المرحلة تعيش بالحقبة الملكية ولم يتلألأ ضياؤها بعد بولادة ثورة يوليو 1952 بقيادة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وكانت شوارع القاهرة وضواحيها في تلك الفترة التاريخية تكتظ باليهود والإنكليز والفرنسيين القاطنين فيها، ولم يوجد مفر لعائلتي النازحة إلا العمل معهم في مجال جمع وإعادة تدوير القمامة. ● ما تعليقك على تعاقد الدولة منذ سنوات مع شركات أجنبية للنظافة؟ - للأسف الشديد، الحكومة باعت مصر للشركات الأجنبية بعقود طويلة المدى، ولا يوجد في عقود تلك الشركات بند صريح وواضح بإلغاء تلك العقود أو بند يمكننا من الرجوع على تلك الشركات، ومن ثم إلغاء عقودها. ● وما الموقف الذي اتخذتموه من جراء تلك التعاقدات؟ - نظمنا إضراباً عاماً للزبالين، وتدخل محافظ القاهرة السابق الدكتور عبدالرحيم شحاته، الله يرحمه، تدخل في الأمر وأنقذ ما يمكن إنقاذه. وكانت حلوله للخروج من المأزق هو اندماجنا مع الشركات الأجنبية لنعمل معهم من الباطن بأجور رمزية لاحتياجنا إلى القمامة آنذاك لإطعام خنازيرنا، وتحكم تلك الشركات في تحديد أسعار للقمامة وخلق مجاعة في سوق الخنازير في مصر. ● ما جدوى مزارع الخنازير الموجودة في مصر برغم مخاطر مرض إنفلونزا الخنازير ومخاطر صحية أخرى؟ - إن تربية الخنازير لها أهمية خاصة لأن استخدام الأقباط للحمها يوفر 30 في المئة من اللحوم البلدية للمسلمين. وفي الوقت الذي لم يكن هناك الخنازير كانت المخلفات العضوية يتم إطعامها للماعز والضأن. كما أنه بعد إعدام الخنازير تراكمت القمامة والمخلفات في الشوارع، ليس كما يشاع أن الخنزير يأكل الزبالة ككل، وإنما يتم فرزها. والدولة توفر متابعة طبية من جهات الطب البيطري، لكن في الأوقات التي يكون فيها فيروسات في الجو، ويتم إعطاؤها مصلاً في الماء، ولكنه بشكل عام محصن، حتى في وقت إعدام الخنازير لم يكن لديها أي مرض، فالخنزير المصري محصن. ● أنت مصري قبطي. ما صحة ما تردد في الفترة الأخيرة عن اعتناقك الإسلام؟ - أنا احترم وأقدس الدين الإسلامي، ولي كثير من الأصدقاء المسلمين وهم أعزاء على قلبي، ولكن هذا الخبر كاذب جملة وتفصيلاً.وما حدث أنه تمت سرقة صفحتي الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، ومن ثم نشر على حسابي ذلك الخبر المكذوب. ● كيف عرفت الخبر، الذي أثار ضجة في حينه؟ - تلقيت اتصالاً هاتفياً من أحد الأشخاص أثناء قيادة على الطريق يهنئني على إسلامي، ثم أغلق الهاتف، ولم أفهم شيئاً إلا بعد أن انهالت عليّ الاتصالات من مؤسسة الرئاسة والبابا والصحف والأصدقاء، وفوجئتُ منهم بالموضوع، فسارعتُ بتكذيب الخبر. ● وما تصرفك حيال هذا الأمر الذي أثار لغطا.. خصوصاً أنك واحد من المشاهير؟ - قمت بإنشاء صفحة جديدة على «الفيسبوك»، ووضعت فيها صورة تجمعني بالبابا، وقمت بإرسال دعوات صداقة من جديد لأصدقائي على موقع التواصل الاجتماعي، وألغيت صفحتي المسروقة. ● ما أشهر مواقفك التي تصديتَ بها لمهاجمي مهنة الزبالين؟ - لقد تصديت لتصريحات وزير العدل السابق محفوظ صابر، بأنه لا يمكن لأبناء الزبالين الالتحاق بالسلك القضائي. وقلت له ساعتها: «كاد يكون ابني أفضل من ابنك دراسياً، وإحنا اللي بنظف زبالتكم». وقدَّم استقالته بسبب ذلك الموضوع وأثيرت ضجة محلية وعالمية حوله.والموقف الثاني، أنني وجهتُ ضربة للسفير البريطاني حين طلب مني الهجرة أنا وأولادي وزوجتي إلى بريطانيا مع إعطائي الجنسية وفيلا وسيارة، بالإضافة إلى منحي حق اللجوء السياسي. فقلت له بالنص: «يا إرهابي أنت وبريطانيا وأميركا... أنا أفضل أن أشتغل زبالاً في مصر، ولا يشرفني مكان مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا، لأن مصر أفضل وأنظف، وأنتم لا تدينون الإرهاب ومن لم يدِن الإرهاب يرعاه، وبلدك راعية له». ● ما مناطق حظائر القمامة أو «دولة القمامة» في القاهرة وهل بالفعل صدر ضدها قرارات إزالة؟ - يوجد للزبالين 6 مناطق بالقاهرة الكبرى منها منطقة «منشية ناصر» أسفل جبل المقطم، والتي تعتبر عاصمة الزبالين. وهناك منطقة «الخصوص» بعزبة النخل تخدم محافظة القليوبية،ومنطقة «البراجيل» و«المعتمدية» بأرض اللواء، والتي تخدم محافظة الجيزة. أما منطقة حلوان الواقعة خلف مدابغ 15 مايو، جنوب القاهرة، فتخدم منطقة القاهرة. وفوجئت بقرار رئيس مجلس مدينة البراجيل بإزالة حظائر الزبالين بحجة أنها تلوث الكتلة السكانية بالمنطقة. فاعترضت على ذلك القرار بشدة، وقلت له: وفر لنا حظائر نموذجية بديلة عن الحالية، وسنقوم تلقائياً بإزالة تلك الحظائر، وعلى أثر ذلك أجريت عدة اتصالات مع المسؤولين، ومنهم وزير التنمية المحلية الذي استجاب لطلبي وتم إلغاء قرار الإزالة. ● ما مدى قربك من أجهزة الأمن المصرية.. وهل هناك تنسيق يتم معها؟ - يوجد بيني وبين أجهزة الأمن تنسيق وتعاون، لأن مهنتي حساسة وتعداد العاملين بها يصل إلى نحو 3 ملايين عامل نظافة (زبال). فلنفترض أن أحد الإرهابيين جاء وطلب مني وظيفة ووضع قنبلة عند رفعه لقمامة فندق ما، أو مستشفى، فأترك لك عقلك ليتخيل كم الكوارث التي يمكن أن تحدث لذا كان التنسيق مع هذه الجهات ضرورياً، فأنا أتحرى أمنياً أيضاً عن شخصية من يريد العمل معنا. ● ما أصعب موقف تعرضت فيه للحرج الشديد؟ - عندما كنت في الصف الثاني الإعدادي كنت أنتظر يوم الجمعة بفارغ الصبر كي أساعد أبي في جمع القمامة.وفي يوم من الأيام طرقت باب إحدى الشقق السكنية، لأتفاجأ بأن من يفتح لي الباب أحد زملائي بالفصل الدراسي، وكان اسمه طارق، فصرخ في وجهي قائلاً: معقولة!! أنت يا شحاتة بتشتغل زبال؟ فجاوبته: «نعم».. فظل يضحك ويسخر مني وأنا واقف لا أحرك ساكناً من هول المفاجأة، حتى أتاني بكيس القمامة وأخذته وانصرفت. وفي اليوم التالي ذهبت إلى المدرسة، فوجدت طارق ينتظرني وبعض من زملائي بالفصل، ويسخرون مني بسبب أن زميلي باح بالسر، وهو أني أعمل عامل نظافة. فعدت أدراجي على الفور إلى المنزل، وكاد الألم يعتصرني، ولم أذهب إلى المدرسة لمدة يومين، حتى أخبر مدير المدرسة بالواقعة من أحد زملائي بالفصل، فأرسل إلي أن آتيه على وجه السرعة. فذهبت إليه فأبصرت طارق وأباه يقفان داخل مكتبه، وحين رآني استدعاني، فجاءني والد طارق وقبلني واعتذر لي عما فعله ابنه بي. لكن المدير قال: هذا لا يكفي، فيجب أن يعتذر ابنك لشحاتة أمام المدرسة جميعها وفي طابور الصباح، وقد كان، وقبل طارق رأسي أمام المدرسة بأكملها. وجاء المدير بشخصه وقلدني وشاح الشرطة المدرسية تكريماً لي، وحثني على الاستمرار في مساعدة والدي، وقال لي «مادام عملك شريفاً فليس عيباً»، ومنذ ذلك الحين وإلى الآن أصبحت أنا وطارق من أعز الأصدقاء ونتقابل إلى الآن. ● هل أكسبك عملك في جمع القمامة خبرة ما؟ - نعم أكسبني بالطبع خبرة في تصنيف العملاء كل منهم بحسب القمامة التي أقوم بجمعها منهم، فحين كنت أجمع قمامة أحدهم أعرف ما إذا كان صاحب المسكن هذا ثرياً أو فقيراً، وأعرف أيضاً اللص والمرتشي من فضلات القمامة التي أجمعها منهم. ● هل فكرت يوماً في تغيير نشاطك بالاشتغال في جمع القمامة؟ - لا طبعاً، فأنا فخور بهذه المهنة، وهي التي جعلتني أتمتع بهذا الثراء الذي أنا فيه اليوم، والمشتغلون بجمع القمامة حباهم ربنا ميزات صحية أفضل من كثير من الناس، فتجد أننا نتمتع بمناعة أقوى من الشخص العادي، فلا نصاب بعدوى بسهولة. ● هل المشتغلون بالمهنة يرتضون بالعائد منها؟ - نعم، فالعائد بالنسبة إليهم يعتبر مُرضياً، حيث يكون متوسط أجر العمال الذين يعملون معي 2000 جنيه، وهذا يكفيهم ويسد رمقهم، وإلا كانوا أقدموا على مهنة أخرى. ● هل لك مطالب لتطوير أداء نقابتك؟ - نعم، وأنا أسعى جاهداً من أجل تلبية احتياجات أعضاء النقابة من دون ملل، وحالياً أوفر لهم الاشتراك في نظام التأمين الصحي، لأنهم أولى الناس بالرعاية الصحية. ولي مطلب مهم ألا وهو أن يتاح ضمن الحقائب الوزارية «وزارة للنظافة» للاهتمام بشأن هذا الملف، وشأن المشتغلين فيها. ● تحديتَ ذات مرة في أحد تصريحاتك باستعدادك لتنظيف أحياء القاهرة جميعها من القمامة خلال يوم واحد فقط... فكيف يكون هذا؟ - نعم، وأنا لا أزال عند كلمتي، لكن بشرط إذا وفرت لي الدولة الآلات التي أطلبها منها من لوادر وعربات نقل، وسيكون عمالي على أتم الاستعداد لتنفيذ مخططي الخاص بهذا الملف، لأنني لم أقل هذا لمجرد الكلام وفقط، لكني وضعت دراسة وافية تحقق هذا الغرض، وما زلت أنتظر الرد. أرقام مهمة يشير المقدس إلى أن النشأة النشأة الحقيقة لنقابة العاملين بالقمامة «الزبالين» بدأت، باتفاق بين 100 شخص نزحوا من محافظات الوجه القبلي «صعيد مصر» للعمل بالقاهرة أثناء وقوع مصر تحت طائلة الاحتلال، وتطور أداؤهم وأدواتهم منذ جلاء الاحتلال ورحيل الملكية معها وقيام ثورة يوليو العام 1952. ولفت إلى أن تعداد المنتمين إلى هذه النقابة القديمة والمهمة الآن يقارب 3 ملايين «زبال» من الإسكندرية شمالاً إلى أسوان جنوباً، من بينهم في القاهرة الكبرى وحدها مليون «زبال». قمامة القاهرة... العاصمة وكشف شحاتة المقدس عن أن كمية الزبالة التي يتم رفعها يومياً من «القاهرة الكبرى» كبيرة جداً، إذ «نرفع يومياً نحو 16 ألف طن قمامة من القاهرة تحتوي على نحو 8 آلاف طن من المواد العضوية من بقايا الطعام وقرابة 7 آلاف طن مواد يعاد تدويرها مرة أخرى مثل الزجاج والبلاستيك والألمنيوم والنحاس والكرتون والورق، وتكون عملية التدوير هذه في مرحلة ما قبل التصنيع، وهناك نحو ألف أو ألفي طن مواد غير قابلة للتدوير، ويتم دفنها صحياً مثل حفاظات الأطفال والقفازات». وأضاف «هكذا نقوم بمساندة ومساعدة الدولة في الحد من استيراد المواد الخام الصلبة من الخارج والتوفير لها مئات الملايين من الدولارات المستنفدة في عملية الاستيراد».
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- موزعين على (350) موقعا سكنيا:العتبة الحسينية تقدم (22) الف وجبة طعام يوميا للوافدين اللبنانيين في كربلاء المقدسة
- مواطن سوري استقبل (137) عائلة :فرحة اللبنانيين بمساعدات العتبة الحسينية كفرحة الطفل بهدية يوم العيد (فيديو)