حجم النص
بقلم/ اسعد عبدالله عبدعلي كعادته أبو نجم كان مبكرا في حضوره لمقهى أبو علي, فاليوم مباراة الزوراء وهو مشجع معتق, لا يترك مباراة لنادي الزوراء تفوته, عند الساعة السادسة اكتمل حضور الأصدقاء, أنا الموظف المتعب دوما, وأبو رياض العجوز المتقاعد, وسلام برشلونة الشاب الفيلسوف, وحجي حيدر الكاتب المشاكس, جلسنا في الزاوية المعتادة من المقهى, لحظتها انتبهت إلى أن التعب ظاهرا على وجه أبو نجم, حتى بدا بهيئة غير مرتبة, مع انه يهتم بأناقته, وهو اليوم بقميصه الأبيض يثبت عشقه لناديه المفضل " الزوراء", فسألته عن حاله: - ما بك يا أبو نجم؟ هل هو الحب عاد إليك من جديد, ليتعب ليلك؟ فضحك الجمع من أن يكون أبو نجم عاشقا من جديد, التفت الى أبو نجم ليوضح سبب التعب, ولكي يبعد تهمة الحب عنه, فقال: - أي حب تتحدث عنه! لقد اعتزلت الحب منذ عشرون عاما, لكن يوم الأمس كان متعبا جدا, فالكهرباء الوطنية انقطعت تماما, والمولدة الأهلية تعاطلت فجأة, فالمصائب لا تأتي فرادى, لم أجد ألا أن العن الرئيس والوزير والمدراء, والعن هذه العصابة الحاكمة, التي سرقت كل ثرواتنا لتجعلنا نحلم بيوم تضاء فيه المصابيح للصباح, الشتائم لا تليق ألا بالجماعة الحاكمة, فهم مثال لكل نتانة وقذارة وخسة, أنهم متعفنين منذ الولادة, ومن المعيب أن ينتخبهم الشعب. فصاح فجأة سلام برشلونة: - لا وألف لا, هل هكذا تتعامل مع الكرة يا هجوم الزوراء, الوقت يفلت والنتيجة مازلت سلبية. ضحكنا معا أنا وأبو نجم, وأبو رياض الذي يبدو انه كان ينصت لحديث اللعنات, الذي انطلق من أبو النجم, أشعل سيكارته أبو رياض وسحب نفسا عميقا وقال: - الله يساعدك أبو نجم, اقدر مقدار تعبك, اعتقد أن الحكومة تنتهج نفس أسلوب صدام في السيطرة على الشعب, فتجعل المواطن العراقي يعيش بقلق وخوف مستمر, فتعمل على عدم استقرار الكهرباء, او أن تهدده دوما بتخفيض الرواتب, بالإضافة لإهمالها المقصود للجانب الأمني, فيعيش المواطن في حلقة من الرعب والقلق, وينتهي به الحال أن يتحول إلى موجود خاضع للسلطة, يفكر فقط في كيفية استمرار عيشه. الحقيقة أعجبني كلام أبو رياض فقلت مؤيدا قوله: - يا أبو رياض لقد أفصحت عن حقيقة تغيب عن الكثير, وهي أن ما يجري ليس مصادفة بل هو عن قصد, فانقطاع الكهرباء لساعات يوميا مقصود, أو حكاية الماء الملوث الواصل للبيوت هو مقصود, أما قصة الشاي المتسرطن الذي رغبوا بتوزيعه على الشعب المظلوم بالحصة, فهو مخطط فاضح وشرير, وأخيرا حكاية الرز الهندي منتهي الصلاحية, والذي تم توزيعه قبل فترة في بعض المحافظات, ما كل هذا ألا مخطط السيطرة على الجماهير وسحقها وإذلالها. وفجأة علا الصراخ, حيث كانت هجمة لنادي الزوراء, والمبارة تقرب من نهايتها, فقال حجي حيدر: - الله اكبر, انظر إلى هذا المهاجم "الأرعن", كيف يضيع هجمة سهلة لا تعوض, يا أبو رياض ويا أصدقائي دعوني العن الاتحاد الكروي الفاسد, الذي جعل كرتنا تتراجع إلى الوراء, هل تصدقون إننا في التصنيف العالمي خلف جزر القمر؟! انتهت المباراة بالتعادل الغريب مع نادي السويق العماني, وعم التذمر وعلا صوت الشتائم وكلمات اللعن, فقال أبو نجم: - عقود ونحن نلعن الفاسدين والجاهلين والخونة في هذا العراق العجيب, لكن لم يتغير شيء حتى أصاب لعناتنا الشيخوخة, أما الفساد والانحراف فهو في عز قوته وشبابه, أنا خصصت مقالة كبيرة من اللعنات بحق وزراء التجارة ما بعد 2003 , لكن اشعر بالخيبة لدوام انتصار الباطل, فهم يعيشون متنعمين بما سرقوه من العراق, ونحن نعيش المعاناة, لكن أدرك جيدا أن الشتم واللعن هو نوع من التنفيس عن الروح المخنوقة, التي تعيش هذا الواقع المنحرف, بفعل طبقة حاكمة تنتهج معنا خطط شيطانية, لغرض إذلالنا والسيطرة علينا, وتحويلنا إلى مجرد قطيع خراف, يتبع الحكام ولا يعترض عليهم. قبل أن أغادر المقهى, قررت أن اعبر عن نصيبي من اللعنات, فقلت: - يا أصدقائي مع أن لعناتنا بدأت تشيخ, سنوات ونحن نلعن العصابة الحاكمة على سوء أفعالها باتجاه الشعب والوطن, لكن لأخذ حقي منهم فاسمعوا مقالتي في اللعن, اللعنات الكثيرات على كل رئيس لا يفتح بابه للناس, اللعنات الشديدة على كل قائد سياسي يعمل لمصلحة الخارج, يا رب اجعل سرطان بكل وزير يضيع أحلام الشعب ويفسد وزارته, يا رب اجعل جلطة بالدماغ كل مدير فاسد, يا رب اجعل مرض اللوكيميا بكل نائب برلماني يشترك بتضييع حقوق الشعب. صاح الكل بعد انتهاء خطبتي ((أمين)), وصفق أصدقائي والقريبين من مجلسنا, فقط أعجبتهم لعناتي, وقالوا نطقت بما في سرنا, أما العجوز أبو محمد بقي يردد حتى خروجنا " اللهم استجب دعوة المظلومين".