حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ يتفاءل الكثيرون ـ وانا منهم ـ بدعوة رئيس الوزراء الأخيرة الى تغيير إستراتيجي جوهري في العملية السياسية وذلك بتطعيم كابينته الحكومية بعناصر من التكنو قراط: (أدعو إلى تغيير وزاري جوهري يضم شخصيات مهنية وتكنوقراط وأكاديميين، وأدعو في هذا الإطار مجلس النواب والكتل السياسية للتعاون معنا في هذه المرحلة الخطيرة) وهي السهم الأخير المتبقي في كنانة العبادي في مشواره الإصلاحي بعد أن استُنفدت كل الطرق التي اتبعها في هذا المسعى الشائك ابتداء من برنامجه الحكومي وليس انتهاء بحُزمه الإصلاحية التي لم تجد لها الأثر الملموس على ارض الواقع وبعد تبدُد قناعات الكثيرين بعدم جدوى تلك الحزم الإصلاحية التي أعلن عنهما العبادي قبل أكثر من ستة شهور ولم تحقق ما كان يطمح اليه المواطنون، وهو ما أدى الى استمرار الحراك المدني السلمي المتمثل بالتظاهرات التي مافتئت تجوب شوارع المدن العراقية فضلا عن خيبة أمل المرجعية التي أعلنت مؤخرا عن تعليق إبداء رأيها في الشأن السياسي بعد أن فقدت الأمل في أي إصلاحات تنتشل المشهد السياسي من واقعه البائس والمزري وبعد أن فقد كلٌ من الشارع والمرجعية الأمل في أن يسير قطار العملية السياسية على السكة الصحيحة بسبب الآليات الخاطئة التي انُتهجت في هذه العملية والمتمثلة باعتماد المحاصصة الحزبية / الطائفية / العرقية سلوكا سياسيا سارت على منواله اغلب النخب السياسية التي انضوت فيها بعد التغيير النيساني ولحد الان تحت غطاء التوافق وتحقيق "العدالة " المكوناتية واستيعاب تناقضات التمثلات المجتمعية والحزبوية التي يكتظ بها الفسيفساء المجتمعي والتوليفة السياسية العراقية الى أن صارت المحاصصة عرفا سياسيا لاينفك عن أية فعالية سياسية مهما كان حجمها او نوعها، يضاف الى ذلك الفساد الذي استشرى في جميع مفاصل الدولة العراقية وهو ماسبب في الهدر الممنهج للمال العام وتبديد ثروات العراق لأكثر من عقد من الزمان وهو ـ اي الفساد ـ الوجه الآخر لمتلازمة المحاصصة والتوافق والأغرب من ذلك أن الكتل السياسية عندما ترشح أعضاءها لأي منصب لايخضع هذا الترشيح الى معايير المهنية والتخصص والخبرة او الكفاءة، انما يأتي متوافقاً مع خصوصية مصالح متبادلة او ولاءات حزبية غالباً ماتحكمها العلاقات الشخصية التي تبنى عليها نوايا الغنائم او المكاسب. وليس ثمة ظرف أفضل من هذه الظروف الصعبة التي يعيشها العراق لتوطيد أسس حكومة كفاءات وخبرات بعيدة عن التحاصص والتغالب والتقاسم المبني على أسلوب القضم التدريجي لمقومات الدولة والمجتمع وحسب نظرية (هذا لي وهذا لك) فضلا عن التغطية على الفساد والمفسدين بإتباع أسلوب "الطمطمة" المتبادلة بين الكتل وغض النظر عن المساوئ الشخصية، ومن الطبيعي ان يثير كل ماتقدم امتعاض الشارع العراقي من النخب السياسية التي يفترض بها ان تكون منتخبة ناهيك عن مناسيب ثقة المواطن العراقي التي تدنت الى مستوى الصفر بهذه النخب وهو ما شكا منه العبادي بنفسه (كان طموحنا أن تتضافر جهود جميع السياسيين والكتل والنواب في العمل… غير ان ذلك لم يتحقق) وهي إشارة مبطنة الى شكوى مريرة من هذه النخب!!!. التغيير الوزاري المرتقب في هيكلية ونوعية التمثيل النسبوي للكتل السياسية في الكابينة الحكومية لن يكون مجرد عملية "مناقلة" لمواقع او مناصب او تبديل لأقنعة ووجوه والإيتاء بآخرين حسب المزاج السياسي التحاصصي العام كما كان معمولا به سابقا كما ادعت بعض الكتل، بل هو تغيير تحتمه مآلات الواقع العراقي المعاش للوصول الى بر الأمان فالعبادي ومعه الكتل السياسية ومن ضمنها كتلة حزب الدعوة التي ينتمي اليها ليسوا مخيّرين في ذلك وانما واقع الحال يشير الى واقع (مجبر اخوك لابطل) وليس حرصا على مستقبلهم السياسي فحسب بل حرص على ديمومة العملية السياسية والخشية من إرجاع البلاد الى المربع الاول واندثار العملية السياسية برمتها. لذا يجب أن يكون التغيير جوهريا إذا تم تشكيل الحكومة على أساس المهنية والكفاءة والتخصص والنزاهة ونبذ فكرة الاستحقاق الانتخابي التي استغلت كشماعة لتحقيق "التوازن".ولكن البعض لايذهب كثيرا في التفاؤل خشية المعرقلات والممانعات التي تضعها بعض الكتل السياسية بوجه العبادي ممن يرون أنفسهم انهم قد يكونون "ضحية" هذا المسعى كما فعلوا مع حزم الإصلاحات التي أطلقها العبادي منذ اب الماضي والتي لم تأت أكللها بسبب العصي التي وضعت في دولابها فثمة خلل بنيوي وتأسيسي يكمن في أصل النظام السياسي الذي نشأ بعد عام 2003 على قاعدة المحاصصة الحزبية والعرقية والطائفية والتي كانت تخفف بالتوافقية السياسية وقد آن الأوان لإقامة حكم تكنو قراطي رشيد يضع استحقاقات المواطن والمواطنة في الدرجة الأساس. كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية