حجم النص
بقلم:فالح حسون الدراجي رأى ملايين العراقيين صوراً بعد مباراة منتخبي العراق وقطر الأولمبيين في استاد ثاني بن جاسم في الدوحة يوم الجمعة الماضي، في بعضها يبدو عضو الاتحاد العراقي لكرة القدم والمشرف على المنتخب الأولمبي العراقي كاظم سلطان، وهو يبكي دموعاً عزيزة من عينيه الوفيتين للعراق، وأقسم إني لم أر من قبل دمعاً يذرف مثل هذا الدمع الذي ذرفه هذا العراقي بعد فوز العراق على قطر. ولم يكن الدمع وحده شاهداً على عراقية الرجل، إنما كان يصاحبه نشيج موجوع وصراخ عال وكلمات مفككة مبهمة، كانت تخرج من لسانه دون وعيه وشعوره وإرادته. وقد يحتاج المرء هنا لعشرة لغويين كي يستطيعوا ربط هذه الكلمات المتناثرة مع بعضها، وينجحوا في تنظيمها بجملة واحدة مفهومة، وإلاَّ فمن يستطيع أن يجداً معنى لكلمات تائهة مثل:(عراق بشرفي، والله العظيم، إحنه، فازوا، هاي هيه، زلم، روعة برازيل، وين العلم، لك عفية، إسباع.. بابا هذا عراق مو مدري منو..)؟! لقد كان الرجل يركض هنا وهناك كالمجنون، فتارة يحتضن هذا اللاعب، وتارة يقبل، ويبكي، ويصرخ بوجه ذاك الزميل، حتى تخيلته، وهو يحتضن اللاعبين الفتية كأنه أب يحتضن أبناءه بعد غياب طويل، فظننته يريد بهذه الدموع النبيلة وبهذا النشيج الحار، والكلمات اللا ارادية، أن يختصر فرحه المضموم في سراديب روحه منذ عشرات السنين. خاصة وأن سياسينا- بما ارتكبوا من فظائع- قد شطبوا على فقرة الفرح في برامج الذاكرة العراقية، وسدوا بفسادهم منافذ البهجة أمام هذا الشعب المظلوم، فبات الفرح مطارداً، ومحبوساً في العراق، لا يسمح بدخوله الى البيوت والقلوب العراقية إلاَّ في المناسبات والأعياد. لذلك كانت دموع كاظم سلطان برأيي، تعبيراً حقيقياً، وصادقاً، عن فرح مؤجل منذ سنوات بعيدة، وليس وليد اليوم.. وقطعاً فإن الدموع التي ذرفها سلطان بعد فوزنا على (لملوم الدوحة)، لم تكن لأسباب شخصية، بمعنى أنه لم يبك لأن المنتخب الذي يشرف عليه شخصياً قد فاز وتأهل للبرازيل. والذين يعرفون سلطان جيداً، سيؤيدون قولي هذا.. لقد بكى الرجل برأيي، لأن العراق الجريح قد فاز رغم جراحه، وتأهل الى الأولمبياد الذي سيتابع من قبل ثلاثة مليارات شخص في الكرة الأرضية - آخر إحصائية متوقعة لعدد مشاهدي أولمبياد البرازيل تقول أن ثلاثة الى أربعة مليارات متابع ومشاهد متوقع لهذه الدورة الأولمبية الكونية- وهذا أمر ليس بسيطاً، ولا عادياً.. فعلم العراق الذي سيرفرف الى جوار أعلام الدول الكبرى، وفريق العراق الذي سيحظى بمتابعة هذه المليارات في العالم، أمر مشرف لكل عراقي، وليس لكاظم سلطان فحسب. إن بكاء كاظم يعود ايضاً لأن فريقه هزم منتخب البلد الداعم للإرهاب في العراق، والممول السخي لأنشطة عصابات الحقد التي أحرقت الأخضر، واليابس في بلاده. خاصة وأنه -كما يقول الكثيرون- رجل وطني من الوريد الى الوريد، ومخلص لبلده دون رياء ومزايدة ونفاق. ناهيك عن أنه شخص عاطفي مؤهل للبكاء في أية لحظة (دمعته بطرف العين بس يرمش أتطيح)! لقد كنت اراه يبكي بعيون شعب مفجوع، وجد في هذا الفوز منفذاً للمواساة، ووجدته يبكي بدموع وطن مبتلى بالحزن، رأى أمامه نوافذ الفرح مفتوحة، فلماذا لا يفرح به حتى الثمالة، أو حتى الدمعة الأخيرة؟ وللحق، فإني لم أكتب هذا المقال تكريماً لسلطان، فالوطنية لا تحتاج الى تكريم، والعاطفة النبيلة لا تحتاج لمن يقول لها (عفية)، إنما أردت أن أقول فقط أن كاظم سلطان انموذج طيب للعراقي المخلص الشريف، والرياضي الوطني الحقيقي، لذلك فرح الرجل بفوز بلاده بكل ما في الفرح من قوة، ولم يضع مانعاً طائفياً، أو قومياً، أو سياسياً بين دموعه الشريفة، والتعبير عن شعوره بالفوز، فما كان منه الاَّ أن يطلق لدموعه العنان.. لقد كتبت عن كاظم سلطان العراقي فحسب دون أن أعرف ديانته، ومذهبه، وأصوله، ولا حتى توجهه السياسي، أو انتماءه العقائدي. بمعنى إني وجدت أمامي عراقياً يبكي بقوة لفوز العراق، فكتبت عنه، ليس أكثر.. وعذراً من العراقيين الآخرين الذين لا يقلون عن كاظم سلطان حباً للعراق. إذ لا يمكن لأحد أن يبخس حق اللاعبين الأبطال، أو حق الكادر التدريبي الناجح، ولا حق اتحاد الكرة العراقي، أو حق الزملاء الصحفيين النجباء، ولا الجماهير العراقية المشجعة- ومنهم المشجع الوطني مهدي – كما لا يمكن لي أن أنسى الحضور المؤثر للنجمين الكبيرين رعد حمودي، وفلاح حسن، اللذين كان لوجودهما مع المنتخب الأولمبي تأثير كبير وفاعل في تحقيق التأهيل الى البرازيل.. لكن لدموع كاظم سلطان حقاً أكبر!!
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً