- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أُسُسُ الحَرْبِ النَّفْسِيَّةِ في الخِطابِ الزَّيْنَبِيِّ (١٢) والأَخيرة لا تَمْحُو ذِكْرَنْا
حجم النص
بقلم: نـــــــــــــــزار حيدر هنالكَ نوعان من التحدّي، تحدٍّ يطلقهُ صاحبهُ ويتحقّق، وآخر يطلقهُ صاحبهُ ولا يتحقّق. الاوّل الذي يتحقّق؛ هو الذي يطلقُهُ صاحب المبدأ المؤمن بالله وبرسالتهِ والواثق من نَفْسهِ والشّجاع الذي لا يخاف لومةَ لائم. هذا النّوع من النّاس عندما يتحدّى يعرف ما يقول؟ ولماذا يقول؟ وكيف يقول؟ ولذلك يتحقّق تحدّيه بلا أدنى شكٍّ. وهو الذي يمتلكُ رؤيةً ثاقبةً تنطلق من الماضي _ التّجربة، ومن سُنن الله تعالى في خلقهِ، ولذلك يخترق تحدّيه الزّمن ليستقرّ في عمقِ المستقبل اللّامحدود. امّا النّوع الثاني من التحدّي فهو الذي يطلِقُهُ أناس مهزوزون لا يؤمنون بِشَيْءٍ ولا يثِقون بأنفسهم ولا يمتلكون ذرّة شجاعة، ولذلك يأتي تحدّيهم فارغاً من المحتوى خالياً من الجوهر ولهذا السّبب لن يتحقّقَ مِنْهُ شيئاً. انّهُ تحدٍّ عبثي لا يمتلك رؤية ولا يعتمد على أساسٍ متين. انّهم يطلِقون تحدّياتهم كبالونات اختبار ليس الّا وعادةً ما يعرف حقيقتها الخصمُ ولذلك تراهُ لم يعبأ بها ولم يُعِرها ايّة أهميّة. زينب بنت علي (ع) كانت من النّوع الاول، كانت مؤمنةً وواثقةً وشجاعةً ولذلك عندما أطلقت تحدّيها في مجلس الطّاغية يزيد وأقسمت بانّهُ سيفشل في كلِّ مساعيه التي يبذلها لمحو أَثر الرّسالة والرّسول وأهل بيتهِ الغرّ الميامين، كانت على يقينٍ بما تقول وتُقسِم، ولذلك تحقّقَ التّحدّي بأبهى وأروع مصاديقهُ بما بهرَ العقول، فلقد فشِل كلّ طغاة الارض وعلى مرِّ التاريخ في كل حروبهم العبثيّة التي قادوها ضد الحسين الشهيد (ع) وعاشوراء وكربلاء، وما مسيراتُ الاربعين في العالم من كلّ عامٍ الا دليلٌ صارخٌ على هذه الحقيقة، عندما تحدَّت العقيلة الطّاغية بقولها {فَكِدْ كَيْدَك وَأسْعَ سَعْيَك وَناصِبْ جَهْدَك فَوَالله لا تَمْحو ذِكْرَنا ولا تُميتُ وَحْيَنا}. لو كانَ في قلبِ صاحبِ هذا الخطاب المملوء تحدّيات ذرّة شكّ او تردّد او ريبة او جُبْن لما ادلى بهِ ابداً وهو يعرف جيداً انّ التّاريخ قد يكذَبهُ، خاصَّةً وانّهُ كانَ مُحاصَراً وقتَها لا يمتلِك من مقوّمات التّحدي المادّيّة ايَّ شَيْءٍ منها!. انّ سرّ تحقّق التّحدّيات الزّينبيّة، ايمانَها العميق وثقتَها برسالتِها وشجاعتَها العلويّة في حملِ رسالة الدّم العاشورائيّة على أكتافِها!. نَحْنُ اليوم امام تحدّياتٍ عظيمةٍ لا يمكن ان نكسب جولاتها الا بنفسِ الصّفات الاساسيّة التي تمثّلت في شخصيّة العقيلة؛ الإيمان والثّقة والشّجاعة. لا ينبغي ان يضعفَ ايماننا وَنَحْنُ نواجه الاٍرهاب والفساد ونحاول إنجاز الإصلاح الذي يلزم ان ينتهي الى تحقيقِ العدالةِ الاجتماعيّة على حدِّ وصف الخطاب المرجعي. كذلك لا ينبغي ان تتزعزع ثقتَنا بقيمِنا وانفسِنا وانتمائِنا وهويّتنا كلّما أُثيرت الشّبهات ضدّنا أو شكّك آخرون بثوابتِنا ومتبنّياتنا ورموزنا وقدواتنا. يجب ان نفتخرَ بانتمائِنا الى الحسين (ع) والى عاشوراء والى كربلاء، والتي لازالت البشريّة تقشعر أبدانها كلّما ذَكرت هذه العناوين العظيمة عندما تستذكِر التّضحية والفداء من أجل الحريّة والكرامة، من أجلِ الانسان. لا ينبغي كذلك ان يصيبَنا الخوف او يأخذَ منّا التردّد مأخذاً كلّما واجهنا الصّعاب في ساحات المواجهة سواء العسكريّة منها ضدّ الاٍرهاب او العقديّة والفكرية والثقافية او حتّى السّياسية وغيرها. الم يقصّ علينا ربّ الْعِزَّة الحوار التّالي {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}؟. هذا يعني انّ التّحدّيات تزيدنا إيماناً وثباتاً وثقةً وعزيمةً واصراراً ومثابرةً. انّ من يمتلك الحسين (ع) يمتلك كلّ شيء، فلماذا يبحث عن غيرهِ لينتمي اليه؟؟. وانّ من يمتلك الحسين (ع) لا يُصيبهُ اليأس، وانّ من يمتلك زينب (ع) النّموذج في الشّجاعة لا يخافُ من شَيْءٍ ابداً، فمن كان مع الله تعالى كان الله معهُ، فلماذا الخوف والتردّد والتّراجع والشّك؟!. لماذا نجلد ذاتنا كلّما أثار الآخرون الشّكوك؟ لماذا نضعُف كلّما طعنَ الآخرون في انتمائِنا وهويّتنا؟ لماذا نتردّد اذا ما أثار الآخرون أكاذيبهم ضدّنا ونشروها في كلّ مكان؟! الم يوصينا امير المؤمنين (ع) بقوله {لاَ تَجْعَلُوا عِلْمَكُمْ جَهْلاً، وَيَقِينَكُمْ شَكّاً، إِذَا عَلِمْتُمْ فَاعْمَلُوا، وَإِذَا تَيَقَّنْتُمْ فَأَقْدِمُوا}؟. لنعرفَ قَدْر انفسِنا وما نعتقدُ به لنزدادَ ثقةً على ثقةٍ، وصدق امير المؤمنين (ع) الذي يقول {الْعَالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ، وَكَفَى بِالْمَرءِ جَهْلاً أَلاَّ يَعْرِفَ قَدْرَهُ}. لقد انتصر دمُ الشّهيد على سيفِ البغي في عاشوراء بالاستسلام للحقِّ المُطلق {اللّهُمَّ اَنْتَ ثِقَتي في كُلِّ كَرْبٍ وَرَجائِي في كُلِّ شِدَّة وَاَنْتَ لي في كُلِّ اَمْرٍ نَزَلَ بي ثِقَةٌ وَعُدَّة، كَمْ مِن هَمٍ يَضْعُفُ مِنهُ الفُؤاد وَيَقِلُّ فِيهِ الحِيَل وَيَخْذُلُ فِيهِ الصَّديق وَيَشمَتُ فِيهِ العَدوُّ اَنْزَلتُهُ بِك وَشَكَوتُهُ اِلَيْك رَغبَةً مِنّي اِلَيْك عَمَّنْ سِواكَ فَفَرَّجْتَهُ وَكَشَفتَهُ وَاَنْتَ وَليُّ كُلِّ نِعْمَةٍ وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ وَمُنْتَهىٍّ كُلِّ رَغبَة} ولعلّ من ابرز مصاديق هذا الاستسلام هو التّواضع للحقّ بلا مكابرةٍ او غرورٍ او استئثارٍ، ومن مصاديقهِ قبول الحسين (ع) التحاق حتّى (اعدائهِ) وخصومهِ بركبهِ، ركب الحق، عندما احسَّ منهم توبةً نصوحاً، وذلك هو قمّة التّواضع، ولو كان في قلبِ الحسين (ع) ذرّةً من كِبْرٍ أو أنانيّةٍ او غرورٍ او روح الانتقام والتشفّي او حبَّ الدنيا او المصالح الخاصّة والعياذُ بالله، لما قَبِلَ ان يلتحقَ به الحرُّ بن يزيد الرّياحي ولا قبِل ان يلتحقَ به اكثر من (١٧) من جند الأمويّين بجبهتهِ في كربلاء، مِنَ الذين سمِعوا خِطاباتهِ وحُججهِ وبراهينهِ فآثروا الموت في سبيل الله تعالى على العَمى والبقاء في جيش البغي لتحقيق المصالح الدّنيويّة الزائلة كما فعل قائد جيش البغي عمر بن سعد بن أبي وقّاص، عندما باع آخرتهِ بدنيا غيرهِ، فاختار ملك الرّي الذي لم ينلهُ في نهاية المطاف ليقتل الحسين السّبط (ع)!. انّ التّواضعَ أعظمُ صفةٍ يحقّقُ بها الانسان أهدافهُ النّبيلة والمقدّسة. عكسُهُ التّكبّر والغرور الذي يسقط صاحبهُ بسببهِ من علٍّ!. وَنَحْنُ اليوم ننتصر بالتّواضع، فلا ينبغي ان يعتدَّ خطيبٌ بعلمهِ اذا حقق نجاحاً في مجالسهِ، فيتكبّر ويخرج عن جادّة الصّواب، ولا ينبغي ان يغترَّ رادودٌ بصوتهِ اذا حقّق نجاحاً فيخرج عن جادّة الصّواب باستغابةِ هذا وتسقيطِ ذاك وتضعيفِ ثالث، كما لا ينبغي ان يغترَّ شاعرٌ اذا نجحَ فيتكبّر على الآخرين لتزلّ قدَمهُ بعد ثبوتِها. وإذا فشلَ احدٌ فليعترف بفشلهِ ولا يُكابر او يُعاند او تأخذهُ العزّة بالاثمِ، كما هو حال الكثيرين من (القادة الضّرورات) خاصَّة ممّن التصقَت مؤخّرتهم بكراسيهِم، ما كان يمكن فصلها عنها الّا بالعمليّات الجراحيّة التي كادت ان تأتي على العراق لولا لطف الله تعالى وسترهِ!. ومن التّواضع ان يسعى المرءُ لنقلِ خبراتهِ وتجاربهِ الى الآخرين كلّما احتاجوا اليها او حاولوا تعلّمها، فلا يحتكر خبرةً ولا يُخفي تجربةً ولا يمنع شيئاً من ذلك اذا ما طلبَها صاحبَها. ليس من التّواضعِ ابداً ان يحسبَ المرءُ زملاءهُ اعداءهُ!. المتواضع يفرحُ اذا نجحَ زميلهُ، امّا المتكبّر فيستشيطُ غَضباً!. ومن التّواضع كذلك ان يفسحَ المرءُ المجال للآخرين ليعمَلوا اذا استخلفهم الله تعالى في موقعهِ لايّ سببٍ كان، فبدلاً من ان يظلّ يضع العصي في الدولاب، يُساعدهم على النّجاح ويمكّنهم من الإنجاز، ولا يقدِم على شَيْءٍ من هذا القبيل الا صاحب النّفس النقيّة والزّكيّة والرّوح العالية الذي يؤمن بالمصلحة العُليا ولا يدَع المصالح الضّيّقة، الشّخصيّة والحزبيّة والعشائريّة، ان تطغى على تفكيرهِ وطريقة أدائهِ، والا فسيظلّ يحلم بالسّلطة!. وهذا هو الفرق بين التّمكين والتربّص الذي وصفه الامام امير المؤمنين (ع) بقوله {وَأَيُّ امْرِىء مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ جَأْش عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَرَأَى مِنْ أَحَد مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلاً، فَلْيَذُبَّ عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ الَّتي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ}. E-mail: nhaidar@hotmail. com
أقرأ ايضاً
- المسرحيات التي تؤدى في وطننا العربي
- وللبزاز مغزله في نسج حرير القوافي البارقات
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته