حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ وهو شعار إصلاحي جماهيري يختزل في ان واحد اغلب الشعارات والأهداف التي توخاها متظاهرو الجمع المتتالية في ساحات التحرير العراقية، كما يختزل اغلب مضامين وأهداف الحزم الإصلاحية التي طرحها السيد العبادي تلبية لتلك المطالب ولتفويض المرجعية الدينية العليا التي تواشجت وللأسبوع السادس ـ وهي مستمرة ـ وعلى التوالي مع مطالب الشارع العراقي الذي انتفض في ثورة إصلاحية جمعوية عارمة ضد الفساد الذي استشرى في كل جزيئة من جزيئات الأداء الحكومي وضد الهدر المبرمج للمال العام وعلى مدى عقد ونيف ما ادى الى تعريض الدولة العراقية الى شبح الافلاس في وقت يعاني فيه المواطن العراقي البسيط من وصول المستوى الخدماتي والمعيشي (والامني) الى مادون الصفر مع ضرورة ترشيد الانفاق العام لأدنى مستواه في ظل استمرار استنزاف الحرب ضد داعش لموارد مالية هائلة تقتضيها طبيعة المعركة ضد هذا الكيان وللتحديات الاقتصادية والأمنية الكثيرة والكبيرة. و(لكم) بميم الجمع تشمل جميع الطبقة السياسية ماعدا حالات نادرة منها وفي جميع مستوياتها سواء المركزية منها او في المحافظات والتي تحولت الى طبقية سياسية وتكشف عن البون الشاسع وانعدام العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات والاختلال الواضح في معدلات الدخل القومي للفرد العراقي وعن مقدار الامتعاض الشعبي من الآليات والتشريعات التي ساهمت في هذا الاختلال الصارخ والتناقض الحاد مابين فئتين: الاولى تعيش فوق مستوى الغنى واخرى تعيش اغلبها تحت مستوى الفقر او على حافته وهم عموم الشعب العراقي الذي انتفض مطالبا بالإصلاح المفضي الى تحقيق العدالة وتقليل (او ازالة) الفوارق الطبقية التي أوجدتها الآليات القانونية المبتسرة والممارسات الحكومية الخاطئة وقلة الخبرة في إدارة الدولة العراقية في تجربتها الديمقراطية الفتية. فمن غير المعقول ان يعيش الكثير بل الملايين على فتات الموازنات الريعية والتي تكون في بعض أوقاتها "انفجارية" في وقت تخصص مبالغ فلكية لطبقة سياسية محدودة يضاف اليها امتيازات ومنافع ورواتب للحمايات وغيرها ناهيك عن المال السياسي (وصفقات الفساد) الذي تدار به ماكنة الاحزاب وما يتبعها من مكاتب ومؤسسات واذرع سياسية ومليشياوية واعلامية مايجعلها لوحدها تعيش في بحبوحة الاقتصاد الريعي والمنتفع الوحيد منه وهو ماكان يستدعي من رئيس الوزراء د. العبادي ان يفعّل احدى حزمه الاقتصادية في هذا المسعى وهو تقليل الفوارق المادية الكبيرة تلك التي أوجدت فوارق اجتماعية وطبقية لم يعهدها المجتمع العراقي من قبل وذلك بإلغاء مناصب كبرى تلزم تخصيصات مالية كبرى ايضا فضلا عن تخفيض الرواتب والرواتب التقاعدية للرئاسات الثلاث والوزراء والوكلاء ومن بدرجتهم والمستشارين والمدراء العامين، والغاء جميع القرارات الخاصة للرواتب والرواتب التقاعدية للرئاسات الثلاث والوزراء والوكلاء والمدراء العامين، وأن تطبق عليهم القوانين العامة لموظفي الدولة دون استثناء، وتم مؤخرا تحقيق اولى انجازات الحزم الاصلاحية بهذا الشان وذلك بتخفيض رواتب الرئاسات الثلاث لغاية ثمانية ملايين دينار لكل منهم، وتحديد راتب الوزير بأربعة ملايين، وإيقاف الرواتب التقاعدية التي منحت سابقا لرؤساء الجمهورية والوزراء والنواب، واعضاء مجالس الحكم والجمعية الوطنية. كما قرر رئيس الوزراء حيدر العبادي إعفاء 123 وكيلاً ومديراً عاماً في الوزارات، وتولي معاون المدير العام أو مدير القسم الأقدم إدارة الدائرة المستمرة في عملها لحين تعيين مدير عام لها، وكان البرلمان العراقي قد خفض مخصصات البرلمانيين بنسبة 45 بالمائة اضافة الى تقليص اعداد حماياتهم وامتيازاتهم التي لم يحظ بها اي مواطن عراقي وهي بمجموعها تساوي أموالا ضخمة(توفر للخزينة العامة موارد مالية هي في امسّ الحاجة اليها في هذا الوقت) تشكل هدرا مقننا ومشرعنا للمال العام وفق آليات عوجاء وخاطئة كان يجب اجتثاثها من الاساس وعلى توالي الحكومات والإدارات التي اعقبت التغيير النيساني ويضاف الى تلك الآليات الخاطئة خطيئة الاقتصاد الريعي بالاعتماد شبه الكلي على مورد اقتصادي واحد(النفط) الذي يغذي الموازنة العراقية بأكثر 98 بالمائة وهو مورد غير ثابت بالقياسات الاقتصادية العالمية ويخضع للكثير من التقلبات السياسية والمناخية (والإرهابية والمزاجات السياسية في العراق) وهذا التقلب في سوق البترول ادى الى ان تتأثر بيانات الموازنات السنوية بعدم استقرارها على معدلات ثابتة نوعا ما يقاس عليها وتائر النمو الاقتصادي والمعيشي وهو مايفسر اقرار موازنات "انفجارية" لبعض السنين واخرى ذات عجز مالي مقلق مثل موازنة هذا العام وربما العام القادم ايضا اذا ما استمرت اسعار سلة اوبك بالانحدار. ولكن تطبيق فقرة(من اين لك هذا؟) التي جاءت في ورقة الاصلاح الحكومي التي قدمها السيد العبادي وصوت عليها البرلمان ليس بالامر السهل وتحتاج الى وقت وجهد وصبر ايضا بحسب لجنة النزاهة البرلمانية، وتعتبر جوهر الحزم الإصلاحية العاجلة وتحتاج الى الكثير من الأدلة التي تثبت تورط الفاسدين بعمليات فساد وبأثر رجعي. ولا احد يعلم لماذا لم ينتبه واضعو بيانات الموازنات وأصحاب التخطيط الإستراتيجي الى ان مسالة وجود موازنات انفجارية غير مضمون الاستمرار لعدم ثبوت أسعار النفط في سلة اوبك على معدلات ثابتة فاستمر هدر الفائض النقدي المتراكم في مسارب غير معروفة مع استمرار وتائر الترهل الوظيفي الحكومي وفي جميع المستويات واستمرت معه وتائر استنفاد المال العام والهدر الممنهج له بذرائع وعناوين شتى وهو ماحتّم على رئيس الوزراء العبادي بان يقف موقفا تاريخيا واضحا لامناص عنه ـ وليس لديه خيار اخر ـ ويطلق سلسلة حزمه الإصلاحية التي تضمنت بعضها وقف هذا النزيف الذي لا مبرر له تلبية لنداء المرجعية الدينية العليا والشارع الذي انتفض مطالبا بالإصلاح والعدالة والمساواة وتقليل الفوارق الطبقية مابين طبقة سياسية حولت العراق الى إقطاعيات خاصة لها ولأحزابها والمنتفعين منها وبين طبقة شعبية مازالت تعاني من الحرمان والويلات وشظف العيش ومن حق هذه الطبقة وهي عموم الشعب العراقي ان تتنعم بمكتسبات التغيير الذي دفعت اثمانا باهظة من اجل انجازه ولكنها بقيت ـ كما كانت ـ ترزح تحت الهامش ومن حقها ان تنتفض وترفع شعارها التاريخي(من اين لكم هذا) وفي بلد يوشك على الافلاس لهبوط اسعار النفط لمستويات مخيفة، او التقسيم وكل الاحتمالات واردة. كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!