حجم النص
بقلم السيد علي الطالقاني من [البحوث الفكرية] التي نالت على جائزة تقديرية. ................................. إن من الأُسس التي مَيزت [التشيع الإسلامي] الذي يمثل [فهم] الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام) للاسـلام الذي بُعث به خاتم الرسل محمد[صلى الله عليه وآله]،هو [المثالية] في التصرف-اعني-القول والفعل،فمن المعلوم ان أَمام الانسان طريقان لكي يمارس حياته،احدهما [الطريق البشري] بكل ضحالته وطينيته ومجموعه المتدني والمتردي. والثاني هو [طريق النبلاء] الذي يحتوي على ثوابت الشرف،والعزة،والرفعة،مهما كلفت تلك الثوابت من تضحية وفداء. ويتضح لكل متابع لتاريخ [المذاهب الاسلامية] ان [التشيع] قد اختار الثاني،كما هو واضح من طريقة عيش مولانا(علي-ع) ومناهج حياة مولانا (علي-ع) وسلوكه النبيل في كل تصرف وموقف.ولم يقتصر الامر عليه،بل بدى واضحاً ايضاً في سلوك زوجته السيدة [فاطمة الزهراء-ع] واولاده [الحسن-ع] و[الحسين-ع] و[زينب-ع] و[ام كلثوم-ع].فهم يراعون [المثالية] في كل تصرفاتهم التي تصدر منهم [سلام الله عليهم]. ومع ظهور [الشيعة] وهم [اتباع التشيع] او قل [المؤمنين بمناهج التشيع]،كطائفة من المسلمين،ظهرت بوادر استهداف لثوابتهم ومناهجهم وشخوصهم ايضاً بالقتل تارةً والتشريد والتجويع تارة آخرى.! وهذا الإستهداف صدر من داخل البيت الإسلامي،وتركز فعلياً في عهد الحاكم الاموي[معاوية بن ابي سفيان]،الذي ابتدأ حكمه بسب الامام علي(ع)،مؤسس[التشيع]،وقتل الشيعة بمجازر قد تحدث التاريخ عنها وأكدها في سجلاته التوثيقية. والذي يتضح ان هذا الإستهداف قد ولد ردة فعل داخل [الطائفة الشيعية] مهدت لميلاد حركتين: الاولى:[المعتدلة] التي تمسكت بمناهج [التشيع] الانسانية،واعتبرت ذلك نضالاً في سبيل الهدف المقدس،والتزمت بطاعة [قادة التشيع]،وهم اولاد [الامام علي] الذين نسميهم [بالائمة المعصومين]،من دون ان يؤثر ذلك العنف الاموي الدموي في مبادئهم وثوابتهم الاعتقادية. الثانية:[المتشددة] التي تمسكت [بالانتماء] فقط [للتشيع] وحافظت على هويتها [الانتمائية] وسمحت لنفسها بالتمرد على [الثوابت] ومخالفة [المبادئ]،بصورة مشابهة لمايفعله [الطرف الآخر] مُلغيةً بذلك فارق التمييز مابين [الشيعي] وغيره،فهي تعامل الاخر بنفس التطرف الذي يعاملها به،وتقتل الاخر بنفس الطريقة التي يقتلها بها،وتتصرف مع الآخر بنفس بنفس الطرق التي يتصرف بها معها،من دون توقف عند [ثابت معين] او [مبدأ محدد].!! وفي [حدود فهمي]..فإن هذا اقصى ماكان يتمناه الآخر،وهو [الغاء الفارق] و[التمييز] الذي يحيط [بالفرد الشيعي]،ومع كثرة افراد الحركة الثانية فان الخطر يزداد على [التشيع] لأن المتابع للمشهد الاسلامي،لن يلاحظ اي فوارق تميز [التشيع] عن غيره من [الفُهومْ] التي اعقبت رسول الله[ص] ومثلت بعدئذٍ [مذاهب اسلامية].باعتبار ان الصورة العملية للمبادئ هي [الاتباع] الذين يمثلون نهج اي اطروحة ذات ثوابت ومبادئ وأسس فكرية. وعوداً على بدء.....فإن مشهد [احراق الجثث] وشبهة ان الامام علي(ع) قد أمر بإحراق (بن ملجم)،او كان ذلك امر الامام الحسن [عليهما السلام] فيمكن مناقشته وتفنيده من عدة نواحي: الناحية الاولى:هي الاخبار المستفيضة التي تحدثت عن طلب الامام علي بالقصاص وليس التمثيل او الحرق منها مارواه [المفيد] في آماليه و[الطوسي] في آماليه،و[الكافي] في اصوله،ورواه [البلاذري] ايضاً و[بن ابي دنيا] في مقتله من قوله لولده الحسن[ع]. {ثمّ قال للحسن: إنك وليّ الأمر بعدي، فإن عفوت عن قاتلي فذاك، وإن قتلت فضربة مكان ضربة، وإياك والمثلة، فإن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) نهى عنها ولو بكلب عقور! واعلم أنّ الحسين معك وليّ الدم يجري فيه مجراك، وقد جعل اللّه تبارك وتعالى له سلطانا على قاتلي كما جعل لك. وإن ابن ملجم ضربني ضربة فلم تعمل فثنّاها فعملت، فإن عملتْ فيه ضربتك فذاك، وإن لم تعمل فمر أخاك الحسين فليضربه اُخرى بحقّ ولايته فإنها ستعمل فيه وإياك أن تقتل بي غير قاتلي فإن اللّه عزّ وجل يقول: « وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى »}. ومارواه ابو الفرج في مقاتل الطالبيين/ص26/، عن أبي مخنف: أنّ امرأة من النخع من همْدان تدعى اُم الهيثم بنت الأسود استوهبت جيفته بعد ضرب عنقه، فوهبها الحسن لها، فأحرقت جثته بالنار وسوّدت وجهه. ومارواه بن ابي دنيا في [المقتل/ص88] والمسعودي في [مروج الذهب/ج2/ص415]، والبلاذري في[الانساب/ج2/ص405]. قال: {ثمّ أخذه الناس وأدرجوه في بواري وطلّوها بالنفط وأشعلوها بالنار}. وقولهم [الناس] اشارة الى خليط المجتمع الذي يحتوي على الشيعي وعلى غيره..باعتبار ان [الامام علي] كان حاكماً للمجتمع الاسلامي مضافاً لكونه اماماً للشيعة انذاك. وهذا ينفي بالضرورة والكثرة والاطمئنان صدور أمر [الحرق] عن الامام علي او عن احد اولاده. الناحية الثانية: ان المانع من ذلك هو [عقلي]،لمنافاة [التمثيل] لمقتضى [العصمة] فمقتضى [العصمة] يرفض ذلك،لوضوح قبحه.و[العصمة] أمر حسن والحسن والقبح ضدان لايجتمعان. الناحية الثالثة: ورود النهي عن النبي[ص] بعدم التمثيل والحرق،الأمر الذي يجعل من المعصومين الذين تلوه كأئمةٍ للمسلمين،ملزمين بهذا النهي،لوضوح قاعدة [حلال محمد حلال الى يوم القيامة،وحرامه حرام الى يوم القيامة].فيكون هذا المنع ساري المفعول على الزمن الذي أحرق فيه [بن ملجم]. الناحية الرابعة: هو وجوب دفع المفسدة الحاصلة [يقيناً]..فلو تنزلنا وقبلنا بحصول منفعة مترتبة وهذا ماتحدث به [البعض] من ان تلك العقوبة ستكون [رادعة] عن قتل الاولياء.!! الا ان تلك المنفعة لن تكون شيئاً يذكر امام [المفسدة] المترتبة على هذا [الأمر] وهي [الشراسة]،و[العنف] والدفع الى [الدموية] التي ستترسخ عند [المجتمع]،وهذا امر ينافي بطبيعة الحال،التربية التي كان المعصومون[ع] يربون عليها قواعدهم الشعبية المؤمنة بنهجهم القويم. وخلاصة الأمر ان ابسط تحقيق في هذا الموضوع يؤدي الى كشف زيفه،وكذب مدعاه،وفضح مدعيه،فلايمكن لرجل مثل علي(ع).ان يأمر بمثل هذا الأمر،وهو من عرف العالم [عدله] و[حكمته] و[إنسانيته]. كما لايمكن ذلك لأولاده المخلصين لنهجه [كالحسنين-ع] واولادهم ان يفعلوا مثل هكذا فعال تنافي الحكمة والمنطق والذوق الانساني الاسلامي. ولذا فعلى [الشيعة] من الحركة الثانية ان يستمعوا لصوت [التشيع المعتدل] الذي يمثله المعصومون [ع] والعلماء الربانيون[رض] في عصر الغيبة فغاية مانريد ويريدون ان يبقى [التشيع] منارة لفهم الاسلام الانساني الذي جاء به خاتم الرسل محمد[ص]. ونسأله تعالى الفرج لأمام العصر ومفخرة الدهر مولانا الحجة بن الحسن[ارواحنا لتراب مقدمه الفدى].