- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الاصلاحات بين مطالب المرجعية ورغبات الجماهير والواقع المرير
حجم النص
بقلم: حسن الهاشمي الاصلاح كلمة جميلة مباينة لكلمة قبيحة وهي الفساد، وحيثما يوجد فساد يرفع أهل الخير والصلاح راية الاصلاح لمعالجة الأمور، والوقوف بوجه مارد الفساد لكي لا يستشري ويضرب بأطنابه كل مفاصل الحياة، ووقتئذ لات حين مندم، فالإمام الحسين عليه السلام حينما رأى طغيان الفساد الأموي قد ضرب بجذوره الأمة وأراد مسخها إلى الجاهلية الأولى، فإنه قام بواجبه الشرعي والاجتماعي بعملية الاصلاح لوضع الحد الفاصل بين الشريعة الحقة المتمثلة بالكتاب والسنة، وبين الشريعة الكاذبة المتمثلة بنزوات السلاطين وانحرافهم عن نهج العدالة، ولهذا فإن عمليه الاصلاح من أشرف ما يقوم به الانسان، وهي ليست عملية سهلة يقوم بها انسان بطران لا هدفية عنده، ولا طالب سلطة وشرور وملذات وفساد ومعاصي، كما أوضح ذلك سيد الشهداء عندما خرج ضد الطاغية يزيد بقوله: (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) ومن ابجديات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، محاسبة المفسدين ومعاقبة الإرهابيين الذين يقفون حجر عثرة بوجه أية عملية اصلاحية، إذ لا معروف ولا تنمية ولا تطور إلا بعد القضاء على بؤر الفساد والارهاب. والمرجعية الرشيدة وضعت يدها على الجرح العراقي النازف حينما دعت إلى الجهاد الكفائي لمحاربة الإرهاب، وأيدت مطالب الجماهير الحقة بضرورة الاصلاح لمحاربة الفساد، إذ أن هذه الثنائية المشؤومة لا يمكن الفصل بينهما، خلافا للصيحات النشاز التي تطلق من هنا وهناك، بأن الظرف لا يسمح بالمظاهرات المطالبة بالإصلاح، حيث أن الدولة مشغولة بمحاربة داعش، نقول لأولئك الموتورين بأنه لولا الفساد والعمالة وتغليب المصالح الحزبية والقومية والطائفية على المصالح العامة لدى جميع الكتل المنخرطة في العملية السياسية لما تعرض البلاد والعباد لهذه المخاطر الجمة. وحسنا فعلت المرجعية الدينية العليا حينما دعت القضاء وهيئة النزاهة الى عدم كفاية التناغم مع الإصلاحات "خطابياً" و "إعلامياً" والبدء بملاحقة "الرؤوس الكبيرة" من الفاسدين الذين اثروا على حساب الشعب واستحوذوا على المال العام بأساليب ملتوية وطرق غير مشروعة، مستغلين مواقعهم او مستفيدين من مواقع معارفهم لتحقيق مآربهم، واسترجاع الاموال التي "استحوذوا" عليها، وحسنا فعلت حينما دعت الى ضرورة ان يهتم المسؤولون بتنشيط القطاعين الزراعي والصناعي بالبلد، إذ ان ضعف التخطيط الاقتصادي وعدم وضع استراتيجية متكاملة لتوفير موارد مالية للبلد غير اثمان النفط وجه من اوجه الفساد، فبدلا من تنشيط القطاعين الزراعي والصناعي وتوفير فرص العمل للشباب في هذين الحقلين المهمين نجد زيادة مستمرة في اعداد الموظفين في الدوائر الحكومية من غير حاجة حقيقية الى الكثير منهم. أهم أمر يمكن أن نستشفه من موقف المرجعية أنه بدافع الاصلاح الحقيقي الذي ينهض بالبلد اقتصاديا وصناعيا وزراعيا مما يوفر العيش الكريم لأبنائه جميعا، ولا يشوب ذلك الموقف الكريم أية شائبة مصلحية أو حزبية ضيقة أو دعائية، فإن المرجعية الرشيدة الجامعة لشروط التقليد أثبتت ولقرون متمادية أنها فوق هذه الاعتبارات وما يهمها هو الدفاع عن الشعوب المضطهدة وكذلك الدفاع عن القيم والعقائد الحقة التي تحافظ على هوية الانسان وتنتشله من البهيمية إلى الإنسانية المتكاملة. ولعل الجماهير التي خرجت وبشكل عفوي مطالبة الحكومة بالإصلاح والضرب بيد من حديد لرجالات الدولة من المفسدين والارهابيين، أنها أدركت أن الحق يؤخذ ولا يعطى، ولابد من المطالبة بالحقوق وما أجمل التعبير عن هذه المطالبات بالمظاهرات السلمية التي تتوخى القضاء على الفساد والبدء بتوفير الخدمات والعيش الكريم للمواطنين الذين سئموا الحروب والظلم والفساد على مدى قرون متمادية، ونحن نعيش زمن الديمقراطية لابد للشعب أن يقول كلمته لتحقيق الاصلاح في جميع مفاصل الدولة، وهذا ما أيدته المرجعية الدينية العليا، لأنه من أهم واجبات الدين توفير الغذاء والسكن والأمن والرفاه والصحة للمواطنين، وهي جميعها إما معدومة أو متعثرة بسبب الفساد الكبير الذي يشهده العراق منذ أكثر من اثني عشر عاما، ولا معالجة فاعلة لإرجاع الأمور الى نصابها الصحيح إلا بالإصلاح ولا شيء غير الإصلاح. والسؤال الذي يطرح هنا بقوة، هل يستطيع رئيس الوزراء العبادي وهيئة القضاء الأعلى وهيئة النزاهة من تلبية مطالب المرجعية ورغبات الجماهير في الاصلاح؟! هنا تسكب العبرات وهنا بحاجة إلى صبر وتأن كما أوضحت المرجعية إلى ذلك، لأن الحمل ثقيل، ومافيات الفساد ضاربة بجذورها في كل مؤسسات الدولة، وأن أغلب الكتل السياسية اتخذت من خزينة الدولة والوزارات والدوائر في المحافظات كغنائم مالية واعتبارية لكي تدر المال الكافي على أحزابهم ودوائرهم الضيقة من قومية وطائفية وحزبية وشخصية، وبقي المواطن والوطن الحلقة الأهم واقعا ـ الحلقة الأضعف عندهم، وهذه هي الطامة الكبرى، عندما تستفحل الشيمة الحزبية وتطغى على الشيمة الوطنية، فاقرأ على هكذا دولة السلام، والسيد العبادي وفي هكذا أجواء موبوءة هو نتيجة طبيعية وثمار نكدة من المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية المقيتة، فهل باستطاعته اجراء الاصلاحات في خضم هذا الواقع المرير؟!. موقف العبادي يذكرني بمقولة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام، والأمثال تضرب ولا تقاس طبعا، عندما وصف حركته الاصلاحية في خضم الأعداء والمتربصين به دوائر السوء بقوله: (وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهبا). وهكذا فإن اصلاحات العبادي في تركيبة حكومية قائمة على المحاصصة لا يكون أفضل حظا من أنه يصول بيد مبتورة أو يصبر على هؤلاء الأوغاد والوحوش الكاسرة التي ما فتأت من نهش اللحوم وتبديد الأموال والعبث بالمقدرات، حتى أن الشعب يموت قهرا وحنقا وحسرة من أفعال السياسيين الذين نكثوا العهد وخالفوا الوعد ولم يلتزموا بشعاراتهم الانتخابية التي أوصلتهم إلى ما هم عليه. هكذا فالشعب إن لم يقم بثورة حقيقية تستأصل شأفة الفساد من جذورها، لا ينفع مع الغائرين على بيت المال نصيحة مرجع أو مطالبة جماهير، ونبقى سنين مديدة على هذا الحال إذا كانت مطالباتنا بالإصلاح خجولة وضعيفة، ربما المحافظة على التجربة الديمقراطية والمال العام والخاص وعدم التصعيد الجارف لأولوية الجهاد مع داعش هي التي جعلت الجماهير تتوخى الصبر في تنفيذ مطاليبها، وهي أحجى وأعقل في هذه المرحلة، ولكن الصبر فيها يبقى ملازما للألم والتلوع والحسرة وكيف لا؟! ونحن نرى الإرهاب يمزق بلادنا والفساد ينهب أموالنا، ونحن بين هذا وذاك نبقى صامدين على أمل الانتصار عليهما معا في نهاية المطاف.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات
- المرجعية الدينية.. مشاريع رائدة وطموحات واعدة