حجم النص
قلم:عباس عبد الرزاق الصباغ ورث الشارع العراقي سايكلوجيا القطيعة مع منظومته السياسية وعدم الثقة بها على اختلاف توجهاتها الأيدلوجية ولعدة أسباب منها عدم وجود طبقة سياسية منتخبة ونابعة من الواقع العراقي نفسه فضلا عن عدم إرساء أية عملية سياسية على أسس ديمقراطية شفافة ومحتكمة لصناديق الاقتراع تنهض باستحقاقات الشارع العراقي، ابتداء من التأسيس الاول للدولة العراقية الحديثة عام 21 بعد ان تقاسمت بريطانيا مع الدول الكبرى تركة الرجل المريض في صفقة سايكس بيكو فأسس الاحتلال البريطاني دولة عراقية استورثت أخطاء وخطايا العهد العثماني الطويل ومنها الفساد الحكومي الذي كان سمة ذاك العهد الذي استمر لأربعة قرون وهو ذات الفساد الذي توارثته الحكومات العراقية المتعاقبة وصولا الى التغيير النيساني 2003 كما استمرت سايكلوجيا قطيعة الشارع العراقي مع مجتمعه السياسي حتى بعد هذا التغيير الذي يفترض ان يكون قائما على اطر ديمقراطية طالما كان يحلم بها الشارع العراقي لعقود طوال تجذرت فيها جميع مقاربات الفساد الحكومي وتغلغلت في جميع مفاصل الدولة العراقية وترسخت فيها وأخذت أبعادا سيا ـ سيوسلوجية شاملة وكان الأداء الحكومي يُقرن بالفساد في مقاربة لم تنفك عن المشهد السيا ـ سيوسلوجي العراقي، وقد ورثت حكومات مابعد التغيير النيساني جميع حيثيات منظومة الفساد الذي تماسست عليه الدولة العراقية الحديثة منذ تاسيسها الاول والذي أضيفت اليه منظومة فساد اخرى هي اشد فتكا بمقومات الدولة تمظهرت في خطايا التأسيس الدولتي وأخطاء الممارسات العوجاء التي قامت عليها حكومات مابعد 2003 كاعتماد آليات المحاصصة والديمقراطية التوافقية التشاركية منهجا حكوميا لإدارة الدولة العراقية وتحت ذريعة احتواء المكونات والاتجاهات الحزبوية والكتلوية والمناطقية المتنوعة ولكن الشارع بقي مهمشا ومقصيا عن الفعاليات الحكومية ولم يتم احتواؤه او حتى الالتفات الى معاناته وهو يرزح تحت وطأة المحرومية والفقر وشظف العيش ودموية الارهاب . لقد ورثت حكومة العبادي منظومتي فساد عملاقتين لفساد شامل لذا تحتم على العبادي ان يكون في جعبته مشروع اصلاحي كامل ومتكامل وباثر رجعي لتنقية الدولة العراقية من شوائب وأدران الفساد ولتصحيح مسار بوصلة الحكومة العراقية وإعادة ثقة الشارع الذي انتخبها بها ولإعادة ترابط وشيجة الشارع العراقي بمجتمعه السياسي وإلغاء القطيعة التاريخية التي وجدت بينهما بسبب الاستبداد والفساد. ولكن من اللافت للنظر ان تستمر سايكلوجيا القطيعة وعدم ثقة الشارع العراقي بحكومته حتى بعد التغيير النيساني بسبب وجود الفساد الذي استشرى بشكل غير مسبوق وبأشكال معصرنة في امتصاص و"شفط" وهدر المال العام والتكالب على الامتيازات والمناصب وتقاسم "الكعكة" وفي جميع السلطات وتحت أغطية متعددة منها الحزبية (الاسلاموية) خاصة والحزبية غير المنضبطة بقانون مع ضعف وممالأة الجهات الرقابية لفعاليات الاحزاب بفعل معادلة التخادم وفق قانون (شيّلني وشيّلك) الذي احتكم اليه معظم الفرقاء السياسيين يجري ذلك في ظل عدم وجود قانون يقنن العمل الحزبي لعدم تمكن البرلمان من اقرار قانون الأحزاب الذي ظل حبيس أروقة البرلمان لفترة ليست وجيزة. فان كان الفساد وبموجب تعريفه المقتضب (سوء استغلال السلطة العامة من اجل الحصول على مكاسب شخصية) سببا الى استمرار قطيعة الشارع العراقي مع مجتمعه السياسي فان استغلال السلطة قد مورس ولأكثر من عقد ونيف وبأبشع صوره العالمية فتحققت مكاسب شخصية غير مسبوقة عالميا ايضا والى درجة ان وصفَ "حرامية" و"لصوص" التي وُصفت بها الطبقة السياسية جميعها لم تفارق مخيلة الشارع العراق فصارت معادلة (سياسي = حرامي) هي الاكثر رسوخا في هذه المخيلة ولم تبرح الشعارات التي رفعها المتظاهرون الغاضبون في ساحات التحرير العراقية وهو مايفسر سقوف المطالب العالية والمتنوعة للجماهير المحتشدة والغاضبة والتي انتفضت في عموم العراق تساندها المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف مع فرض سقوف زمنية قصيرة لتنفيذ تلك المطالب مايدل على الامتعاض العالي تجاه الطبقة الحاكمة ونفاد الصبر الذي حذرت منه المرجعية الدينية العليا ويأس الجماهير من كل مشاريع الإصلاح ولذلك طلبت المرجعية من السيد العبادي ان يكون اكثر حزما وشجاعة وان يضرب بيد من حديد جميع الفاسدين ويقوم بثورة إصلاحية كبرى استنادا الى تفويض المرجعية والشارع فاطلق السيد العبادي حزمته الإصلاحية الاولى التي اثمرت عن شيء من "رضا" الشارع وارتياحه الذي مازال بانتظار الحزمة الإصلاحية الثانية وربما تكون هنالك حُزم إصلاحية اخرى تضع قطار الدولة العراقية على السكة الصحيحة، وعلى السيد العبادي اقتناص هذه الفرصة الثمينة لترشيق الدولة العراقية التي ترهلت الى مجالات زئبقية غير مسيطر عليها وهو ترهل ادى الى هدر المال العام (في زمن التقشف والشحة) الى مسارب غير ضرورية او منضبطة في مناصب ومراتب ومستشارين ونواب وصرفيات وصفقات وهمية بمليارات الدولارات لا تخدم الواقع بشيء ومراجعة بسيطة للبيانات الختامية للموازنات "الانفجارية" السنوية البالغة مئات الملايين من الدولارات اكثر من (800 مليار دولار) ودون ان يلمس المواطن العراقي البسيط شيئا ملموسا على كافة الصعد الأمنية والخدماتية والمعيشية ويتبين حجم الهدر والتبذير الذي لحق بهذه الاموال بسبب الفساد الذي استشرى في جميع حلقات الحكومة العراقية وبكافة سلطاتها الثلاث وترهل تلك الحلقات وضعف الأجهزة الرقابية وعدم جديتها او خضوعها للمزايدات السياسية وهو مايستدعي القيام بإستراتيجية شاملة للإصلاح ولكل السلطات والمؤسسات وبأثر رجعي لإعادة ترميم آليات العقد الاجتماعي التي ضربها الفساد المالي والإداري والحزبي في الصميم . اعلامي وكاتب
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة