- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عندما يسقط الانسان تحت ركام الشيطان
حجم النص
بقلم رائد العتابي. ان التحديات التي يواجهها الانسان في الحياة صعبة ومريرة وعليه ان يكون على قدر التحدي ليتجاوزها بسلام دون ان ينقص من ايمانه ودينه شئ. الشيطان بالمرصاد لبني آدميتربص بهم كل لحظة للايقاع بهم وابعادهم عن طريق الهداية والدين قال تعالى:(قال ربي بما أغويتني لأزيننَّ لهم في الارض وللأغوينهم أجمعين الاّ عبادك منهم المُخلَصين)1 من ابرز التحديات هي المنصب والمال والمرأة وحب الظهور والحسد.... وغيرها ولكن الاصعب من هذا كله هو تلك اللحظة التي يضعف فيها الانسان ويسقط امام هذه التحديات بعد طول عبادة . ان كل هذه الجهود والوقت المبذول والكتب المقرؤة والعبادات ليل نهار كلها من اجل ان لا يمر الانسان بلحظة شيطانية تغيره وتقلبه رأسا على عقب وتصنع من ذلك الانسان كيانا شيطانيا خطيراً ولعل اوضح المصاديق والامثلة على ذلك هو بلعم بن باعوراء هذا العابد الذي كان متقربا الى الله تعالى ولكنه بلحظة شيطانية وقع في فخ ابليس اللعين ووصل الى مستوى ان وصفه الله تعالى بالكلب قال تعالى:(واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد الى الارض وأتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث)2كلنا يمر بهذه الحالة من العلماء الى البسطاء ولكن الانتباه وتوخي الحيطة والحذر وذكر الله هو المهم ولربما يتجنبها ذلك الانسان الالهي البسيط صاحب الفطرة السليمة ويسقط فيها ذلك العالم الكبير صاحب العبادة الطويلة والمؤلفات الكثيرة. الحذر من هذه اللحظة الملعونة التي تؤدي بالانسان الى النار وبئس القرار لقد اراد الله تعالى ان يكرم بلعم بالهدى والدين ولكنه ابى الا ان يبقى بلعم ذلك الانسان غير الثابت والذي كان فريسة للشيطان الذي استطاع ان يخدعه ويرجع به الى عالم الظلام لانه مرّ بهذه اللحظة الملعونة دون ان يبدي مقاومة فاستحوذ عليه الشيطان بعد ان اكرمه الله بالهدى ونعمة الدين.كثير من الناس يعبدون الله للمصلحة ويتخذون الدين للمنفعة وهؤلاء اول الساقطين تحت خداع الشيطان قال تعالى:(ومن النّاس من يعبدُ الله على حرف فان اصابه خير اطمأنّ به وان اصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدنيا واللآخرة ذلك هو الخسران المبين)3 عندهم الدين لباس يرتديه عندما يخرج ويخلعه عندما يعود ليخدع به الناس.انالرسالة التي ارادها الله تعالى للناس مفادها ان العالِم وان كان عالِما والعابد وان كان عابدا فانه معرض للسقوط والانهيار في اية لحظة ضعف اذا لم يتعاهد نفسه بالعمل والصيانة المستمرة لايمانه واصلاح نقاط الضعف والثغرات التيتسبب له مشكلة السقوط والانهيار وان يثبت اسس ايمانه ويقويها بالعبادة الواعية والعمل الصالح الذي يرفع العبادة الى الله ويسبب قبولها عنده قال تعالى:(إليه يصعد الكلم الطيبُ والعملُ الصالحُ يرفعُه)4. ان الانسان التافه يبقى تافها ووضيعا مهما حاولت اكرامه ورفعه درجة في الحياة لانه لا يملك اسباب ومؤهلات التغيير نحو الاحسن فمن طبع ذلك الانسان انه لا يحب السمو والترفع والتخلص من الوضاعة التي يعيشها مهما حاولت معه يبقى على حالته في حالة الترك او الاقدام وهذا ما وقع فيه بلعم فهو كالكلب يلهث في كلتا الحالتين السكون والحركة. هناك خلل في التركيبة الايمانية للفرد الذي يمر بهذه الحالة لم يكتشفه او اهمله وادى الى اتساعه وتاثيره عليها عموما واصابتها بالشلل في تلك اللحظة التي يجب ان تعمل لتخلصه من الانهيار ولكنها توقفت عن العمل وحصلت كارثة السقوط.لابد من وجود نقص معين او ضعف في البناء الايماني لذلك الانسان توسع حتى شل منظومة الايمان مما ادى الى النكوص والركون الى الارض مثل ذلك الضعف او الخلل الذي يصيب الانسان كمثل الورم البسيط الذي اهمله المريض ضناً منه بانه هين ولكن تبين انه خلاف ذلك واتسع على مساحة الجسم وانتشر في انحائه وشل الصحة والحركةمما ادى الى ضعف الانسان وسقوطه تحت ضربات الموت. كثير ما نسمع هذه الايام عن سقوط بناياتوعمارات على اهلها وانهدامها وبعد التحري والكشف يتبين ان المهندس غير امين و البنّاء غيرحاذق ومواد البناء مغشوشة وغير صالحة للاستعمال وان الارض هشة لم تستطع تحمل ثقل البناء ويتعرض الانسان الى مثل هذه الحالة في طور بنائه الايماني اذ لم تكن مواد البناء متينة ولا حتى الخلطة صحيحة فيتعرض الى الوهن والضعف ويقتل معه عنصر الايمان. ان الشيطان يتربص بالانسان كل الثغرات والفجوات واوقات الضعف لكي يدخل من خلالها ويفجر الخزين الايماني ويتلفه فهو حاضر كحضور الجاذبية الارضية لجذب كل الاجسام التي تفقد توازنها وقوتها لتكون فريسة لها فالشيطان حاضر لاقتناص الايمان في لحظة الوهن قال تعالى:(ياأيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فانه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً)5. لابد للمحارب ان يلبس الدرع عند دخوله ساحة القتال ليتقي ضربات العدو والا فستنال منه السيوف او الاطلاقات عندما تخترق الجسم من نقطة غير مغطاة فتؤدي الى قتله. كل يوم نحكم غلق ابواب ومنافذ البيت لكي لا يتسلل اللص الى داخله ويسرق النفائسويبعثر الاثاث فالانسان الحصيف الواعي يجب ان يغلق كل منفذ ويسوي كل نقطة ضعف يسدها لكي لا يدخل منها الشيطان ويسرق نفائس ايمانه ودينه وهل للانسان قيمة بعد نضوب الايمان وموت الدين والسقوط من علياء اليقين الى حضيض الشيطان ان للانسان مملكة متمثلة بشخصه ووجوده ولهذه المملكة منافذ يجب ان تزود بحراس يحمونها من هجوم الشيطان وجنوده هذه البوابات هي عينه وسمعه وبصره وفرجه يجب ان يحرسها بحرس امين الا وهو التقوى واليقظة ويلاحظ كل داخل وخارج منها واليها وان يستعملها فيما يرضي الله تعالى لان ذلك يرجع على العبد بالفائدة والسمو في الذات والروح لقد جاء في الدعاء عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم:(اللهم امتعنا باسماعنا وابصارنا وقوتنا ما احييتنا واجعله الوارث منا)6 لا نلوث هذه النعم بالغيبة والنظر الحرام والفساد ومتابعة المسلسلات التي لا تعلم الانسان الا الابتعاد عن الله والتجرئ عليهيهدر فيها الوقت في الليالي هباء من دون اي فائدة الا اتعاب الجسم والتثاقل عن العبادة .كم من بيت جميل من الخارج يعجب النظّاّر منظره ولكنه هش ضعيف من الداخل وكم من مصوغة جميلة ولكنها سرعان ما تصدأ لمعدنها الرديئ. ان هناك مساحات مظلمة سوداء باقية لم يلتفت لها الانسان حين سيره وسلوكه فبقيت تمتد وتتوسع بخفاء وهدوء لتسيطر وتسوّد المساحات النورية لتحاصرها وتخنقها فيبقى الانسان على خطر داهم اثناء مسيرة حياته من هجومات الشيطان ان هذه المساحات السوداء الباقية مثلها كمثل الأَرَضَة تاكل الخشب والبناء بصمت وهدوء لينهدّ البناء فجأة لان صاحب البناء لم يعثر على هذه الأرَضَة منذ البداية ليتخلص منها قبل ان تهدم دينه وايمانه ويسقط بعد ارتفاع.إن الدرس الذي اراده الله تبارك وتعالى لنا هو ان لا نغترّ بديننا وما وصلنا اليه من ايمان فاننا معرضون الى ما تعرض اليه بلعم ان لم نراقب ونحاسب انفسنا ونتفقد ايماننا ونفحصه كما نحافظ على صحتنا ونفحصها بصورة دورية فان ربح التجارة بالفحص والمراقبة ومتابعة سيرها وداخلها وخارجها لتنجح وتنمو بخلاف تركها من دون مراقبة ولا متابعة ولا محاسبة فتخسر. لقد سرق الشيطان ايمان بلعم على حين غفلة منه وابقاه مندون درع ولا وقاء يرزح تحت ضرباته وخداعهليتخلى عنه في اللحظات الاخيرة. ان المؤمن المتدين معرض اكثر من غيره الى هجمات ابليس ومكائده لانه قوي الايمان والقوي يحتاج الى جهد اكبر الى اضلاله وطرحه مغلوبا.فالانسان القوي البنية المفتول العضلات يحتاج الى قوة اعظم للتغلب عليه بحكم قوته كذلك المؤمن فانه في معرض هجوم الشيطان على الدوام بكافة اسلحته المتوسطةوالثقيلة بحسب قوة ايمانه.لقد نَصَبَ لنا ابليس مكائده وحبائله ومصائده ليحرفنا ويبعدنا عن ربنا فلنكن على قدر كبير من الأهبة والحيطة والحذر قال الامام الصادق عليه السلام في وصيته لعبد الله بن جندب:(ياعبد الله لقد نصب ابليس حبائله في دار الغرورفما يقصد فيها إلاّ اوليائنا)7 ويبقى الشيطان يتابع المؤمن طيلة حياته الى اللحظات الاخيرة من عمره عله يظفر بهويحرفه ويعدل به عن طريق الحق والصواب لقد اقسم الشيطان ان يحظى من الانسان بضرر يلحقه به ليبعده عن ربه تعالى ويقربه من تلك اللحظة المشؤمة التي تغير نظام الانسان وتدخله في ظلمات الجهل والكفر قال امامنا الصادق عليه السلام:(ان الشيطان لياتي الرجل من اوليئنا عند موته ياتيه عن يمينه وعن يساره ليصده عما هو عليه)8 لنستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ولنتعامل مع الله بصدق واخلاص ونساله الايمان الثابت المستقر ونعوذ به من المستودع فان الناقد بصير اننا في شهر اصلاح الذات والعود الى الله والى الضميرلنستغل هذا الشهر الذي هو لطف من رب العالمين الى العباد لكي لا نمر بتلك اللحظة الرهيبة التي هي الخسران المبين يوم لا ينفع ندم ولا معذرة (فيومئذٍلا ينفع الذين ظلموا معذرتُهُم ولا هم يُستَعتبون)9 ولكي لا يسقط ايماننا تحت ركام الشيطان وعمله. 1) الحجر 2)الاعراف 3) الحج 4) فاطر 5) النور 6) مفاتيح الجنان 7) تحف العقول 8)تفسير العياشي 9) الروم .
أقرأ ايضاً
- اكذوبة سردية حقوق الانسان
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود
- عندما يغتالون الطفولة