حجم النص
بقلم:حسن كاظم الفتال ــ الجزء الأول ــ همستان أود أن أهمس بها قبل أن أبدأ بأي حديث عن شهر رمضان المبارك الهمسة الأولى: إن من العظمة لهذا الشهر الكريم أنه قبل أن نخصص له الحديث أو نفرد له حديثا خاصا مميزا معينا نحن بني البشر فقد خصه الله سبحانه وتعالى بحديث في كتابه الكريم الذي أنزله على صدر نبيه الأكرم محمد صلى الله عليه وآله .ولعل الآية الكريمة ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ في سورة البقرة خير مصداق لقولنا هذا. وهو الشهر الوحيد الذي ذكر بالقرآن الكريم بينما ذكرت الأشهر دون تسمية جميعها وبضمنها الشهر الكريم المبارك دون تسمية بقوله جل وعلا: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ... ﴾ وقد قال الإمام الصادق عليه السلام: شهر رمضان لا يشبهه شيءٌ من الشهور، له حق وحرمة أكثر من الصلاة فيه ما استطعت وهو الشهر الذي تميز حتى بالتسمية وقد روى عنه الأئمة الأطهار عليهم السلام. حيث جاء عن هشام بن سالم عن سعدٍ عن أبي جعفر عليه السلام قال: كُنَّا عِنْدَهُ ثَمَانِيَةَ رِجَالٍ، فَذَكَرْنَا رَمَضَانَ.فَقَالَ: " لَا تَقُولُوا هَذَا رَمَضَانُ، وَلَا ذَهَبَ رَمَضَانُ، وَلَا جَاءَ رَمَضَانُ، فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يَجِيءُ وَ لَا يَذْهَبُ، وَ إِنَّمَا يَجِيءُ وَ يَذْهَبُ الزَّائِلُ، وَ لَكِنْ قُولُوا شَهْرُ رَمَضَانَ، فَإِنَّ الشَّهْرَ مُضَافٌ إِلَى الِاسْمِ، وَ الِاسْمُ اسْمُ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ جَعَلَهُ مَثَلًا وَ عِيداً وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لا تقولوا رمضان ، ولكن قولوا شهر رمضان فإنكم لا تدرون ما رمضان. الهمسة الثانية: اعتدنا أن نجد من يشرع بالكتابة أو الحديث عن شهر رمضان المبارك وتوصيفه أو تعريفه وهو ليس تعريف أو توصيف بل للتذكير بمفاهيمه فلا يخلو تعريفه أو توصيفه أو تذكيره من الإقتران بالأحاديث النبوية الشريفة أو بعض النصوص الجاهزة بل ربما ينحصر على أحاديث ونصوص معينة من تلك التي يتفق عليها الجميع.بل يشترك فيها المتحدثون وكأنها أصبحت مصطلحات جاهزة تنقل نقلا مباشرا وبالشكل والصورة وتدرج بين طيات الحديث. وهذا ما يبرز عنصر العجز عن إتيان ما هو جديد ومنسجم مع متطلبات ومتقلبات وتطورات العصر من منا لا يسمع تكرار حديث رسول الله صلى الله عليه وآله (صموا تصحوا) أو (الصوم الجوارح) وتعريف تمثيل الجوع العطش بجوع وعطش يوم القيامة وغير ذلك حتى وإن يكن هذا مطلوبا إنما ينبغي أن يكون مكتسيا حلة جديدة تسر الناظر وتزيده شوقا للنظر. وحين لا يتم ذلك فلعله يندرج في حقل الضعف أو العجز ويفقد الحديث قيمته الأساسية أو فائدته المرجوة ويبدو أن ثمة عوامل تشترك هي الأخرى في هذا التوارد والتواتر.أو الضعف والتوهين للتدوين الفاعل والنافع علميا وثقافيا من قبلنا . لعل أبرز هذه العوامل وأيسرها عامل الإنشغال عن مواصلة ما يحدث أو يطرح على الساحة العلمية والثقافية هو افتقارنا لعنصر المتابعة وعدم الإهتمام أو الحرص على التواصل وعدم التوق والتشوق للتزود بزاد المعرفة واكتساب معلومات إضافية ومسايرة العصر مع كل ما هو نافع ومفيد والتزود بمعلومات تنفعنا من خلال الاطلاع على ما ينشر للقضاء على مسببات أو مخلفات الجهل وتراكميتها التي يخلفها العجز عن امتلاك معلومات قيمة. إننا لا ننكر اللزوم في موارد كثيرة لتكرار الطرح من أجل التذكير وترسيخ بعض المعلومات في الأذهان واعتماد مبدأ (في الإعادة الإفادة). إنما مقتضى الإعلان أو إبراز أبعاد الإنتماء إلى العصرنة واللحاق بركبها ومسايرة معطياتها والتواصل مع الترابط الزمني لمجريات الأحداث بين الماضي والحاضر. كل ذلك يستوجب شمول الحديث عن أية مسألة إلى مقارنة حقيقية توافقية مقنعة بين ما حدث في الماضي وما يحدث في الحاضر ببيان حالة التساوق بينهما بشكل جلي ومقنع لنبين بأن ما نمارسه اليوم ما هو إلا وسيلة من وسائل إعلان مجاراتنا للعصر ومدلول من مدلولات مواكبتنا للتقدم والتطور. وذلك من خلال إدراج الأحاديث النبوية الشريفة المهمة الصحيحة وبيان تأويلات جوهرها بالصيغ العلمية التي جاء بها الإسلام عن طريق نبيه الأكرم المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وعرضها بأساليب وصيغ مقنعة تماما وبوسائل تجعلها تكتسي حلة جديدة وتبرز وجها أكثر نصاعة والتماعا. مناسبة لما يتطلبه العصر من ناحية ومن ناحية أخرى لما ينشده الإنسان المتمدن المتحضر وتتماشى مع رغباته الثقافية والعلمية التي تتناسب مع المبادئ والقيم الإسلامية التي نادى بها الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وإبراز حكمية سلامة وأصحية الترابط الزمني ليتم من خلال ذلك بيان آلية ارتباط منطوق ومضمون الحديث الشريف بما اكتشفه العلم حديثا. مثل إثبات مصداقية فائدة الصوم للإنسان وما يدر عليه من منافع صحية جمة والتي أقرها العلم الحديث بعد أن اثبت شمولية فائدتها علميا. هذه المقدمة التي أوردتها في الهمستين كان لابد لي من إتيانها لتمهد لي الخوض بالحديث عن شهر رمضان المبارك. جاهزية الاستعداد للشهر الكريم ما أن يحلَ شهر رمضان المبارك حتى تبدأَ الألسن تلهج جميعا بإطلاق أو بترديد العبارات التي تُلمِّحُ إلى استعدادنا التام لاستقبال الشهر الكريم والالتزام المطلق بجوهر مفاهيمه العبادية والتربوية. وينهال فيض من المزاعم لإعلان الجاهزية لاكتساب الدروس الأخلاقية والنفسية والروحية العميقة.وذلك من خلال زعمنا بالالتزام التام بتطبيق ما يستوجب تطبيقه من أوامر أو موجبات للأحكام شرعية التي تتعلق بمرور الشهر وحرمته وقداسته إن من المبهج للنفس أو ما هو جميل وعظيم أن يكون كل ذلك منبعثا من عمق الصدق والمصداقية ومنطلقا من حسن النوايا الصادقة والصفاء والخلوص التام ويتمحور بمحور التجرد من متبنيات الرياء أو المحاباة أو غير ذلك هذه الظاهرة إن صح التعبير عنها بهذه التسمية فهي ظاهرة صحية سليمة تشير إلى عظمة توازن الفرد واستجابته الإيمانية لطاعة الله عز وجل وتطبيق أحكام الشريعة تطبيقا حرفيا حقيقا فعليا صحيحا. إنما حين يكون ذلك لا يتعدى كونه إطلاق عبارات مزوقة منمقة دون تطبيق واقعي المراد منه التمويه أو تمرير مآرب معينة فذلك ما يسجل علامة معتمة غير واضحة القراءة مجردة من أي توهج فكري حقيقي أو بعيدة عن المصداقية هذا ما يستحق التشبيه بخضراء الدمن: أي الوجه الحسن في منبت السوء وهذه الظاهرة تؤدي إلى تعطيل عملية الفرز أو تحديد الفيصل بين الصدق المطلق وبين ما هو غير ذلك أو التباين بين السر والعلن ويجعل عملية التعرف على ما هو صائب أو غير ذلك عملية صعبة إذ أنها تكمن داخل النفوس. نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا أقرب للصدق في إطلاق العبارات أو ما يسميه البعض شعارات ونبرهن على ذلك بالتطبيق الفعلي الصحيح. بيان الإلتزام يستدعي إظهار برهان ودليل قاطع يثبت الحقيقة ويبرز الوجه الناصع لها من خلال الممارسة الفعلية للتطبيقات التي يستدعي مرور الشهر الكريم تطبيقها إن من فضل الله على الإنسان أن يكون عادة الاستعداد لهذا الشهر الفضيل يختلف تماما عن كل الإستعدادات للأشهر الأخرى وهذا لا يقتصر على فئة أو طبقة أو مجتمع معين بل يشمل كل البلاد الإسلامية بغض النظر عن الاعتقادات وسلامتها والإختلافات والتباين بين مجتمع وآخر ومكان وآخر
أقرأ ايضاً
- المسرحيات التي تؤدى في وطننا العربي
- وللبزاز مغزله في نسج حرير القوافي البارقات
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته