- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
حزورة .. من يطيِّح صبغ الواوي
حجم النص
بقلم: حسن كاظم الفتال الواوي هو الثعلب أو ابن آوى ويسميه الريفيون أبو الويو. أنا شخصيا لم أتمعن بمشاهدته بشكل جلي إلا في الصحاري التي كنت أذهب إليها أثناء توجهي إلى جبهات القتال أيام كنا نساق كالدجاج. ابن آوى هذا أو أبو الويو حاله حال بقية المخلوقات لا يتاح له أن يحزر ما يخبئ له القدر خصوصا حين يشغله التلذذ بلحم الدجاج الطازج ساقه القدر يوما الى محنة عصيبة وفي مفترق إحدى الطرقات ظل ابن آوى طريق الغابة وإذا به يتمشى من حيث يدري ولا يدري في أحدى المناطق المزدحمة بالأزقة والمحال والورش العملية. وأن يواجه مجموعة من صبية لم يتركوا له متسعا من الوقت ليفكر أين يتجه ولعل الحيل كلها غابت عن ذهنه عندها ولم يبق له أي خيار إلا الفرار بسرعته المعهودة حين حاول جمع من الصبية أن يحاصروه رغبة منهم بالتعرف عليه بشكل جلي إذ فيهم من انبهر بمشاهدته ومنهم من أذهل من شكله إذ لم يعهدوا مشاهدته من قبل. وفيهم من قرر أن يتسلى بمطاردته مما حداه إلى أن يتخبط في بحثه عن منجى ينقذه من هؤلاء الصبية الذين لا شغل لهم ولا عمل إلا الرغبة في المطاردة واللعب عليه وليس معه بمضايقته . إصرار الصبية على ملاحقته ومطاردته وقرارهم أن (لا يفكوا منه ياخه) دفعه لأن يسرع في فراره ليبحث عن منجى. ودخوله وخروجه إلى ومن ورشة وأخرى كان بسبب حرصه على إيجاد مخرج أو منفذ يخلصه من مضايقاتهم القاسية ولكي يسلم بجلده لم ينقذه إلا دخوله العشوائي إلى مصبغة تعددت فيها (الصفريات) التي هي عبارة عن أحواض الصبغ كل حوض من هذه الأحواض يختلف بلون مادته الصبغية. ولكن لم ينقذه ذلك من مطاردة صاحب المصبغة التي أربكه دخوله إليها أكثر فأكثر مما جعله يتعثر وما أن يخرج من حوض حتى يرتمي في حوض آخر وكل حوض منها يكسبه لونا معينا حتى خرج مسرعا وفارا منقشا والأصباغ تقطر من جسده ليتجه نحو غابة الحيوانات ولتتفاجأ به الواوية إذ خرج من المصبغة وهو بشكل غريب ملون لا يشبه أيا من الحيوانات الملونة أشكالها وبما أن الواوي أكبر حيال بل لا يعيش إلا بالحيلة حتى وإن مات بالفگر ولا يدع فرصة إلا ويغتنمها لصالحه فكر في أن يستثمر مصيبته هذه وتلون شكله. فما أن التقى بزملائه الواوية الذين أنكروا عليه الحال في البداية ولم يتعرفوا عليه إلا بعد أن روى لهم حكايته وما عانى من مصاعب في هروبه من الصبية وعرفهم على نفسه المحترمة وشرح لهم كيف أن لونه قد تغير بسبب قفزاته وارتمائه في أحواض الصبغ والغطس فيها. وبما أن زملاءه قد عانوا الأمرين من اضطهاد الحيوانات المفترسة والمتوحشة وهيمنتهم على إدارة زمام الغابة وهذا ما هو معتاد لدى كل المفترسين والمتوحشين لذا فكر الواوية على أن يعقدوا صفقة مع الواوي المنقش وتم الإتفاق وتوكلوا. خولوا كبيرهم الذي نادى (سامع الصوت) على من يرغب في إقامة العدل والمساواة الحيوانية الحضور فورا في هذه الساحة. وهرول الجميع وتجمعوا للإطلاع على الخبر ملبين نداء كبير الواوية الذي اعتلى مرتفعا مصطحبا الواوي المنقش ومسك بيده وأعلن فرمانه الجديد الذي ينظم أمور الغابة منذ الآن قائلا: أيها الأعزاء: مع جل احترامنا لسيدنا (ابو خميِّس) ويقصد الأسد وتقديرنا للنمور و(أبو سرحان) الذئب العزيز فإننا نود أن نعلمكم بأننا بحاجة للإصلاح والصلاح فكفانا بعثرة وفوضى وتخريبا بسبب التصرفات الفردية الإجتهادية غير المسؤولة ومن أجل أن نطور أوضاعنا ونكون في أفضل حال فقد قررنا أن ننصب مسؤولا جديدا لا يشابهه أحد بالشكل والهيئة وسوف يتولى إدارة شؤون الغابة ويستلم الزمام منذ هذا الوقت المبارك وقد منحناه الثقة وخولناه صلاحية تنظيم شؤوننا ولا يحق لأحد المناهضة أو الإعتراض أو القيام بأي عمل دون الرجوع إلى جنابه الموقر وحصول الأمر منه. وهو الذي سيحقق لنا الإبداع والتطوير والسير نحو الأفضل الذي يبتغيه الجميع متمنين للجميع الموفقية. الضربة الإستباقية للواوية ودهشة الحيوانات المجتمعة بهذا المسؤول الغريب الشكل انتزعت من الكل البيعة والإستجابة السريعة للأمر دون أي تردد أو أية معارضة لا سمح الله.وانسحب الجميع بين مصدق ومكذب لما جرى وبين راغب ورافض وبين قانع وشاك والمسؤول يرمقهم بسخرية المتغطرس ويعد العدة للأيام القادمة والحبلى بما لا يحمد عقباها وبما لا يشتهي أن يراه الآخرون. وما أن تأكد صاحبنا من تأييد الجميع والذين ما أن انفضوا عنه حتى ركن إلى ظل شجرة كبيرة ليختلي بنفسه قليلا ويحتفل بيومه الذي عده من أسعد أيام حياته بل عيدا ذاتيا. جلس متكأ على الشجرة واضعا (رجل على رجل) يردد في سره القول المأثور أو ما يعده البعض مثلا شعبيا (رب ضارة نافعة) ويستبدله مرة بقول آخر أقرب بواقعه لتطبيق المصداقية وهو: (رب يوم تحسبه سعيدا وهو تعيس) هب النسيم واهتزت أغصان الشجرة فأدخله برد النسيم في سِنة مؤقتة أغمض فيها عينيه ليحلم بأجمل الصور وتزور مخيلته الواحد تلو الأخرى. فمرة تمر صورة إنقضاضه على ملك الغابة الأسد الكبير واحتلال مركزه وتارة يرسم الصور لسحق كل من يفكر أن يكون عقبة في طريقه وتارة أخرى لزيجاته المستقبلية لأكثر من واوية من بنات آوى أو نمرة أو حتى لبوة جريحة فقدت غضنفرها. وبين حين وآخر يتمطى ليعبر عن فرحته راجيا أن لا يجهض الله أحلامه القرمزية. هذا الواوي المنصب للتو الحديث العهد على الولاية لا أظنه قرأ يوما الحكمة المأثورة (لو دامت لغيرك لما وصلت لك) تلك الحكمة التي يخشى التمعن بالنظر فيها كل المسؤولين ولو حدث ورددوها بالألسن فذلك من أجل الضحك على الذقون وقد بلغنا ذات مرة أن أحد الأمراء الذي بادر بالفرار بجلده يوما كان قد وضعها مكتوبة بلوحة على باب مكتبه. بدأ الواوي المنقش باستلام مهامه وهيمنته ليصدر الأوامر القاسية دون أية مشورة حتى وإن لم تكن مقنعة فهو يحسبها نكران ذات وعليه أن يثبت هذا وإثباته عنده يعني أن يزلط كل فريسة تقع بيديه أو يظفر بها غيره من الواوية وينفرد بالإنقضاض عليها متعمدا بذلك تهميش وإقصاء وإلغاء أدوار الآخرين ويبدأ بإقصاء المقربين أو الذين ساهموا في تنصيبه. ويبرر تخبطه هذا بأنه حرص.وبدلا من أن يمتثل لحكمة (لو دامت لغيرك لما وصلت لك) تمسك بالقول الشعبي المأثور (عوافي على اليجيب نقش) ومن ثم (الرجّال اللي يخلي بالسلة رگي) لم يُبقِ دجاجة مما يفترس رفاقه إلا والتهمها ولا يعطي أحدا من زملائه حقه مما أثار غضبهم وأصبحوا في حالة لا تطاق وما عليهم إلا أن يفضحوه ويكشفوا أمره. واجتمعوا واتحدوا وتشاوروا وتداولوا وأسفر اتحادهم وتشاورهم عن قرار حكيم وهو عزله بفضيحة وبخطة حكيمة . اتفق الجميع على أن يحفروا حفرة عميقة تملأ بالماء وتغطى بالحشيش... تذكروا... حفرة مغطاة بالحشيش الأخضر وكما في حفل التتويج خولوا كبيرهم الذي نادى (سامع الصوت) على من يرغب في إقامة العدل والمساواة الحيوانية الحضور فورا في هذه الساحة. واجتمع الكل وبدأ الكبير بخطبة مفعمة بالرقة والحنان والرأفة والشفقة والأسف على ما مضى رافعا صوته بالقول: نحن نأسف شديد الأسف ونعتذر لكم شديد الإعتذار على ما حصل من التباس فقد كنا نظن غير ما لمسناه وعشناه مما حدث في الفترة المظلمة الغابرة التي مرت ومن أجل أن تعود الغابة إلى سالف عهدها علينا أن نسلِّم بأن فوضى مقبولة وهدوءا سائدا يرضي كل الأطراف دون أن يتآمر علينا أحد من خارج الغابة خير لنا من قيادة فردية مستبدة غير حكيمة. فإن هذا المسؤول ليس كما عهدتموه أو كما عرفناكم عليه في السابق فما هو إلا واوي اقتضت الضرورة أن ننصبه فهو واوي عادي دخل إلى إحدى المصابغ وأصبح بهذه الهيئة ونسأل من الله الغفران. انتفض المسؤول وراح يتوعد ويرعد ويربد ويزبد ويكذب قول الخاطب وحدث ما حدث من ضوضاء وفوضى وحسما للموقف أخذ أحدهم بيده وراح يتمشى معه صوب الحفرة حتى ألقاه فيها فسقط ولم يخرج........... إلا............ وصبغه طايح وأخيرا الحزورة: الواوي موجود بيننا والصبية الراغبون بالتسلية موجودون والمصبغة أحواضها ملأى بالألوان الزاهية والحفرة المغطاة جاهزة. السؤال:من يا ترى سوف يطيح صبغ الواوي إذا نُقِّش ؟ الخيارات: 1ـ الواوية 2 ـ الحفرة المغطاة 3 ـ التاريخ والتحضر 4 ـ المنصبون 5 ـ الصباغون 6 ـ هو يطيَّح صبغه بيده 7 ـ يبقى الوضع على ما هو عليه ؟!!!!
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً