حجم النص
بقلم:عبدالزهرة الطالقاني استطيع أن اقول بثقة أني شاهدت مسرحية عراقية كبيرة، واني عشت اجواء المسرح الجاد طوال ساعة ونصف على خشبة المسرح الوطني، وفي الصفوف الخلفية لأني لم اكن محظوظاً لأحصل على كرسي في الصف الاول. اؤكد مرة اخرى بأني شاهدت ليلة الثلاثاء 26 آذار 2013 مسرحية عراقية رائعة.. يمكن ان تحصل على عدة جوائز فيما لو اشتركت في مهرجانات المسرح في أي مكان. "عزف نسائي" هذا هو عنوان المسرحية التي عرضت على خشبة المسرح الوطني.. وعبثاً حاول مصمم فولدر المسرحية أن يوهمنا أن ما سنشاهده هو عزف تقوم به مجموعة من النساء على آلات موسيقية مختلفة.. لأن الحقيقة غير ذلك، فالعزف تم على الجراح العراقية.. وعلى تلك القلوب التي تحملت من الألم مالم تتحمله الجبال خلال عقود مضت.. تبعتها ايام اخرى يلعق فيها العراقيون جراحاتهم بسبب ما صنع الارهاب من قتل ودمار وخوف.. العازفتان هناء محمد واسماء صفاء عزفتا على اوتار حساسة من القضية العراقية. كاتب النص المسرحي الذي لم يرد اسمه في الفولدر التعريفي اختفى خلف مفردات نصه والاضواء الخافتة للمسرح بعد ان أوّل النص القرآني إلى دراما.. وكان شجاعاً في تناوله حد الجسارة.. فهو لم يبال للمعترضين والناقدين والتكفيريين.. بل ضرب كل ذلك عرض الحائط ليصنع لنا نصاً جميلاً لم نألفه من قبل.. الجمهور يومها ظل صامتاً مترقبا طوال فترة العرض.. وكان بحق مكملاً للعمل الكبير.. ومتلقياً واعياً ومتفاعلاً صميمياً مع قضيه تعتبر قضيته ً في كل القياسات والمفاهيم.. ولا نغفل الابداع الاخراجي لذلك العزف الكبير فمخرج المسرحية اختفى ايضاً ولم نلحظ اسمه في الفولدر.. لقد استخدم المخرج تقنيات اخراجية جديدة وتناول خامات ومواد واكسسوارات ومتممات بحيث اغنى ارض المسرح وسماءه.. وهذا قليل ما يحصل.. خاصة واننا نعاني قلة النصوص الجيدة والاخراج الحديث.. فكل مسرحية جادة تظهر على المسرح لا تولد إلا بعد عملية قيصرية .. ولولا يقيننا بأن المسرح العراقي خصب وولود لذهبنا مذهباً آخر.. فكم نحتاج من الوقت لمشاهدة مسرحية مثل "عزف نسائي" وكيف سنحصل على كرسي للجلوس اذا ما ازدحم المسرح برواده ومحبيه.. معادلتان متلازمتان.. جمهور محب ويترقب ويتأمل وينتظر.. ومسرحيات لا تصل إلى خشبة المسرح إلا بـ" الشافعات ". الا ان جبار جوديكسر الطوق واتحفنا بمسرحيته الجديدة في العرض والاخراج (سجادة حمراء) التي قُدمت على قاعة كولبنكيان يوم 29/ 5/ 2015، وكذلك مسرحية (عزيزة)لباسم الطيب التي عرضت في منتدى المسرح خلال شهر آيار 2015.. اذن لابد من كسر هذه المعادلة.. ولعلنا نشهد خلال هذه الايام مسرحيات تشدنا اكثر إلى مسرحنا ومبدعينا، خاصة واننا نعيش كرنفال(مهرجان المسرح العراقي الاول ضد الارهاب) الذي انطلق يوم الثلاثاء 9 حزيران2015 ويستمر حتى الخامس عشر منه. ونتوقع من المسرح العراقيمزيدا من العروض الجادة التي سيتحفنا بها وبنتاجات درامية كنا نفتقدها في السنوات التي مضت.. وربما مسارحنا حبلى بعشرات المسرحيات التي تنتظر الوضع .. أو ان عقول مبدعينا من كُتاب المسرح انفتقت عن نصوص ليست أقل جمالاً أو ابداعاً من نص "عزف نسائي". ان احدنا يناضل حتى يحظى بمشاهدة مسرحية أو معرض للكتاب أو لوحات فنية وصور فوتوغرافية في معارض متخصصة.. وأننا نجاهد حتى نحضر جلسة شعرية، أو امسية ثقافية، أو حفل موسيقي تقيمه الفرقة السمفونية العراقية.. فالتعب هد أجسادنا.. وقلة النوم نالت منا حتى غدونا نغفو على أي كرسي نجلس عليه.. وزحمة اوقاتنا وحجم اعمالنا جعلنا نلهثبعد اوقات الدوام وراء أي نشاط فني اوثقافي نتزود منه.. فالمسارح والقاعات والمعارض والاماسي والاصبوحات الثقافية والمجالس ينابيع ومناهل ثرة للفكر نحاول أن نرتوي منها جميعاً.. ثم نعود إلى بيوتنا وقد انتصف الليل وذهب أوله وطوى وسطه آخره.. فلا تكاد الاجساد تستلقي حتى يصرخ فيها المنبه أن استيقظي واستعدي ليوم جديد وشمس جديدة ونشاط ثقافي جديد في بغداد التي صارت تمسي وتصبح على كلمات الشعراء وألحان الموسيقيين ولوحات ومنحوتات الفنانين وكلمات القصاصين والكتاب والصحفيين والمبدعين واسهامات الممثلين المسرحيين الذين لن يعيشوا بغير المسرح ولا يرتضون له بديلاً.