حجم النص
بقلم احمد الكاشف كانت الفوضى عارمة, فَسَاد السَكون وتلاشى الألم مني, وأسدلت أجفاني السِتار, وظهري ملتصق ينزف, بحنين يفترش الأرض المُغتصبةَ, لم اعد أسمع أصوات دوي الإنفجارات, بل صوت أمي وكأنها تأخذني بين أحضانها, تضمد جراحي, وتبشرني بالنصر المؤزر وتقول بصوت دافئ حنين إني معك بالميدان. غمرتني السعادة, وهي ترفع رأسي فتجعل وجهي, بين أنين أحضانها, وكأني طفلاً صغيراً أبحث عن الدفء والعاطفة, أحاطتني بذراعيها, واشم عطرها المسك, فتختنق به أنفاسي, بعذوبة عطر الجنوب, والقصب والبردي, أمي مسالمة كطير الحمام, ألوذ بها عندما لا أجد الحنين. وقفت أمي كعادتها شامخة, مرفوعة الرأس بكبرياء وعنفوان, كأنها جبل عالي أشم, لم يضعفها حالي, فقالت: قم يا حماةَ الوطن وجد بنفسك, ليس عيباً إن أصبت و سَالَ دمُكَ, فالعيب إن يسلب العراق والدمَ يجري بعروقك, وتَرَكتَني ونورها يشق الظلام, فَتحتَ أجفاني, وإيقضتني الشمس بأشعتها, تلاشى ذاك الأمان و الهدوء فأرتحل, وتركتني أمي مصاب مرملاً بدمي في الميدان بين أزيز الرصاص ودوي الإنفجارات, وسط ملتقى الجمعان, لم يعد الحب والرأفة والحنين يحيطني فحسب, بل أصبح الموت يطوقني ومن كل جانب. رفعت رأسي لم أجدُ سوى جراحي البليغة, التي حالت بيني وبين مجموعتي من الحشد الشعبي, أثر ذلك اللغم الداعشي اللعين, فكانوا يتصورون إني استشهدت, عزموا على استكمال واجبهم المقدس, ومضوا تاركيني جثة هامدة لكن شاء الباري عز وجل إنني حي. حاولت أن أقوم لكن دون جدوى, كون رأسي مصاب و ساقي مهشمتين بالكامل والإصابات بليغة, ومن المستحيل أن يسعفني أحد, لأنني قريب من ثكنات الدواعش, بين العشب والعليق في مبزل خالٍ من الماء, لكن تذكرت أمي عندما قالت:لي جد بنفسك. أصابني العزم على الحياة, مثلما كنت مَصر على الموت, فأخذة الليل عندما أرخى سدوله, غطاءً أحتمي بظلامه, زاحفاً على جروحي وآلامي, صوب ساتر الحشد, أصرخ بصمت, وأجر خلف نصفي المهشم, وكأنه ليس مني, أردة الاستسلام إلى الموت لولا بصيص الأمل. في السماء تبين الخيط الأبيض, من الخيط الأسود, فزادني إصرارا وعزيمة, على أن أنتصر بوصولي, الذي بات قريباً, وما هي إلا دقائق إن أستمر بالزحف, قبل شروق الشمس, فينكشف أمري, لكن كنت عنيداً, فأصبحت جروحي تنزف من جديد, من سرعة حركاتي. قاربت الوصول للساتر, هي إلا أمتار قليلة, لكن أنهكني التعب وشدة الألم, فصرخت بصوتي الذي كاد لا يُسمع, وعرفت عن نفسي, وعرفة من يكلمني فأنقذوني. ساد الفرح وعَمَت الفوضى من المقاتلين الشجعان, فرحا وابتهاجا بقدومي, منتصراً على الدواعش وغدا لي معهم لقاء.