حجم النص
بقلم:محمد سعيد المخزومي كثر اللغط في الأروقة السياسية، وتعاظم الغلط في التوجيهات الاعلامية، كما استفحلت عقدة تعطيل الدستور في العراق، وازداد الشعب حرمانا، وكثرت تضحياته الجسام، وتزايد القهر والألم والجرح عمقا، وازداد النزف واشتد الخطب بسبب الفهم السطحي الساذج لمفاهيم عديدة دخلت عالم السياسة والحكم وأدبيات السياسيين. ومنها مفهوم الوطن، الوطنية، والمصالحة الوطنية، والتوافق الوطني، والوفاق الوطني. وما إليها من اشتقاقات. من هنا لزاما أن نوقف السياسيين على حقيقة المصطلحات تلك. تعريف الوطن الوطن بقعة من الأرض يسكنها مجموعة من البشر، يجمعهم العمل على ثوابت التفاهم الإنساني الراقي، ولن يقوم هذا إلاّ بالعمل على قيم الحياة التي أسسها لهم خالق الحياة. فالوطن محل الاستقرار والأمن والأمان، ولا توطن ولا مواطنة من دون العمل على الاستقرار. أما تعريف المواطن فهو الإنسان المستقر المطمئن في ذاته، الصالح في ثقافته، العامل على الاستقرار، التواق على نشره في المجتمع، حتى تصبح منظومته المعرفية والثقافية حاوية على الاسس التالية: الاساس الأول: التعامل الإنساني الراقي مع أبناء الوطن. الاساس الثاني: العمل على تنمية الإنسان المواطن. الاساس الثالث: الاجتهاد في بناء المجتمع. الاساس الرابع: العناية في عمارة الأرض. الاساس الخامس: الاجتهاد في تطوير البلاد. وإلا فلا يمكن أن يكون الفرد مواطنا ما لم يخدم الوطن الذي خلقه الله، وخلق الإنسان من اجل عمارته، وبناءه وإحياءه وتطوير مجتمعه. فالمواطن معمرٌ للأرض ولأن المواطن مأمور بالعمل على عمارتها وعمارة من عليها لقاعدة: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأْرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها). ولأنه مكلف أن يصلح في الناس لقاعدة: (ولا تُفْسِدُوا فِي الأْرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) ولأن ثقافته الاجتهاد في التأسيس أحسن الاعمال في الحياة لقاعدة: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً). ولأنه عامل على الاجتهاد في التطوير والتنمية الصالحة لقاعدة:(كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). ولأن منهج المواطن الصحيح العمل على نشر الأمن والأمان وإشاعة الاستقرار في المجتمع لقاعدة: (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأْرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً). ولأن المواطن هو العامل على تثبيت معالم الأخوة الايمانية لقاعدة: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ). ولأن ثقافته العمل على نشر معالم الاخوة الإنسانية عبر التعارف لا التخالف والتآزر لا التناحر، والحُب لا الحقد والغل، لقاعدة: (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ). ولأن ثقافته وهدفه الاستقرار فقد صارت غايته في العمل السياسي الإرتقاء الحضاري لتحذوا الأمم الأخرى حذوه، لقاعدة: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ). إذن المواطن يُعمِّر ولا يُدمِّر، يُصلح ولا يُفسد، يبني ولا يُخرب، ويُحبب ولا يُبغِّض، ويُطوِّر ولا يُدهوِر. المفسد مدمر ومخرب في الأرض ولأن الله تعالى خلق الوطن وخلق الإنسان وحدد معالم المواطنة. فقد اسقط الله تعالى مواطنة كل من يُشيع في المجتمع لغة الغِلِّ والحقد والبغض، ويعمل على التعصب الجاهلي وإشاعة الكراهية، وبث الرعب والخوف في الناس، ويفسد عليهم استقرارهم وأمنهم، ويحارب عيشتهم، ويهدم بلادهم ويقتل الناس. إذن هناك مواطن ثبت الله مواطنته، وهناك مواطن اسقط الله مواطنته. جزاء من أسقط مواطنته من البديهي أن من يفسد على الناس استقرارهم ويربك توطنهم لن يبق له مكان في الوطن، لأن الوطن موطن أمن وإستقرار المواطنين، وليس وطن المفسدين على الناس أمنهم وإستقرارهم وتوطنهم. لذلك كان جزاء من سقطت مواطنته: القتل لكونه عنصرا فاسدا لا يحب الصلاح والاصلاح. أو الصلب. أو النفي من الوطن. أو قطع اليد والرجل من خلاف ليكون عبرة لغيره كيلا تسول لأحد نفسه أن يفسد على الناس حياتهم. وما اختلاف هذه الاحكام إلا بنسبة تباين أدوارهم في افساد أمن الناس وتدمير استقرار الوطن. فمنهم المباشر والعقل المدبر والمخطط، ومنهم المنفذ المجرم، ومنهم المؤيد الداعم بالفتوى أو الإعلام والمال، ومنهم المهرِّج الساند لهم في الاروقة السياسية ليشكل طابورا خامسا في البلاد. وكل أولئك مفسدون في الأرض. أما قانون اسقاط مواطنته فقوله تعالى (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأْرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأْرْضِ). فكل هؤلاء قد سقطت مواطنتهم. بينما الجناية الكبرى للسياسيين والتي يقترفها سياسيوا عراق اليوم وغيره هي اعتبارهم المفسد الذي أسقط الله حق مواطنته مواطنا من الدرجة الرفيعة، حتى يبوأوه منصب التصرف بشؤون المجتمع، كأن يكرمونه ليكون وزيرا في الدولة أو رئيسا للبرلمان أو قائدا في الجيش أو زعيما في وزارة، تحت شعار المصالحة الوطنية معهم. وفي هذا مغالطة كبيرة وكارثة اكبر. هي مغالطةٌ لمن يعرف تعريف المواطن والمواطنة ثم يخالف، فتكون مغالطته خيانة في حق الوطن والمواطن. ومغالطة لمن لا يعرف التعريف فتكون جنايته كبرى لأنه جاهل لا يعلم فيتصرف تصرف من يعلم لأنه سياسي ضعيف سارق لمقام الأكفأ الأعلم. وكلاهما خيانة بحق الوطن. إذ بدل أن يسقط السياسيون مواطنة المفسدين يرفعونهم مقام التصرف في مصالح الشعب وأرواح المواطنين. بينما أمرُ الله تعالى واضح بإسقاط مواطنتهم كي يروا الذل والخزي ويكونوا عبرة لمن اعتبر ةهو الذي عبّر عنه تعالى بان يكون (... لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الآْخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ). إذن: يجب على السياسيين أن يعرفوا: لا مصالحة مع المفسدين في الأرض، لكونهن أعداء الوطن والمواطنين. يجب وضع المفسدين في لائحة الخائنين للوطن والمواطنين. تعرية المفسدين وفضحهم وعدم التستر عليهم. حرمة ابرام صفقات سياسية معهم لأنه خيانه بحق الوطن والمواطنين. تقنين قوانين لملاحقة المفسدين المباشرين والمؤيدين والمناصرين والاعلاميين والمهرجين والطابور الخامس. المصالحة مع المفسدين خيانة عظمى للوطن والمواطنين. العفو عن المفسدين خيانة عظمى كذلك للوطن والمواطنين. إذا اعتذر المفسد فيجب أن لا يُعاد إلى صدارة الحكم وقيادة الوطن والمواطنين، ولا يفلت من عقوبة الحق العام لما في ذمته من إفساد لحياة المواطنين وتخريب للوطن. يجب أن يرجع هذا إلى الوراء ليتعلم كيف يكون مواطنا في الحياة ولا يتقدم الصفوف الامامية في قيادة الوطن والمواطنين. على القضاء أن يكون حازما وحاسما وعلى الجهاز التنفيذي أن يكون مطيعا لحكم القضاء. لأن علاج المفسدين الحزم والحسم وان لا تأخذ الحاكمين في الله لومة لائم. ذلك أن من يفسد على الناس حياتهم لا يتذوق طعم الحياة ولا يفهم إلاّ التدمير والتخريب فجزاءه إخراجه من حق المواطنة في الحياة، وهذا ما لا يفهمه إلاّ العقلاء من ذوي الالباب كما قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الأْلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)