حجم النص
د. فارس عبد الإله النصراوي لقد شاع في السنوات الاخيرة اسم الحوثيون واخذ يتردد كثيرا وقد تصدر النشرات الاخبارية العالمية والعربية وخصوصا بعد ان تم تشكيل جبهة انصار الله التي يتزعما الحوثيون وسيطرتهم على الوضع الساسي في اليمن ولعل القليل هم الذين يعرفون الحوثيون وما هي توجهاتهم الدينية والعقائدية والسياسية ولعلنا نستطيع ان نعرف المهتمين بشأنهم وذلك من خلال معرفتنا بهم عن قرب وعلاقاتنا الشخصية من خلال معايشتنا لهم عدة سنين عن قرب. انتسابهم لقد سموا الحوثيون لموالاتهم العلامة بدر الدين الحوثي الذي ينحدر من مدينة جبلية في محافظة صعدة تدعى (حوث) وهو احد علماء المذهب الزيدي في اليمن الذي تعرض لمضايقات كثيرة من قبل اجهزة الامن ابان حكم علي عبد الله صالح وكان اخر مضايقة له عندما تم تفجير لغما ارضيا خارج منزله في محافظة صعدة مما اضطر الى ترك اليمن متوجها الى الجمهورية الاسلامية الايرانية التي استضافته وقد بقي هناك حوالي سنتين ونصف. انتمائهم العقائدي مسلمون يعتنقون المذهب الزيدي وهو احد الفرق الشيعية الامامية الذين يؤمنون بإمامة امير المؤمنين علي بن ابي طالب لما ورد يوم الغدير من بيعة المسلمين للإمام وولديه الحسن والحسين عليهم السلام حيث يعترفون بحديث رسول الله (ص) (الحسن والحسين امامان ان قاما وان قعدا) ومن ثم يؤمنون بإمامة من خرج بالسيف واعلن الثورة وكان اولهم زيد الشهيد الذي يقرون بإمامته ومن ثم يحيى ولده وتتوالى ائمتهم ويصل عددهم العشرات. يشتركون مع الامامية الاثنا عشرية في الكثير من العقائد فهم يرفضون التجسيد والتجسيم والتشبه يؤمنون بعصمة الرسول الاكرم ولا يؤمنون بالجبر ويقولون بحي على خير العمل في الاذآن وغير ذلك ولكنهم لا يؤمنون بالشفاعة لأهل الكبائر ومن الطبيعي وجود اكثر من امام في وقت واحد في مناطق مختلفة وقد يتقاتلون وانهم غير معصومين.. اما فيما يذكر بانهم تحولوا الى المذهب الاثنا عشري فلا صحة لذلك الادعاء حيث انهم يعتزون بانتمائهم لمذهب الزيدية. عملهم السياسي كان سبب تلك المضايقات التي تعرض لها السيد بدر الدين الحوثي هو تصديه ووقوفه بوجه الحكومة الفاسدة اداريا واسس ولده السيد حسين مع مجموعة من الشخصيات الزيدية (حزب الحق) عام 1990 الذي كان يمثل الزيدية في اليمن زكان حزبا معارضا وله اعضاء في مجلس النواب يتزعمهم حسين الحوثي بينما كانت الساحة السياسية مقسمة بشكل واضح وكبير بين حزب المؤتمر الشعبي العام (حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح) وحزب الاصلاح السلفي الذي يتراسه (عبد المجيد الزنداني) حيث اصبح مؤثرا في الساحة اليمنية وله جمهور مؤثر وجميعهم من العمالة اليمنية التي عادت الى اليمن بعد حرب الخليج وطردهم من السعودية حيث تقاسموا السلطة وقد سخر (علي عبد الله صالح) حزب الاصلاح في حربه ضد الجنوب عام 1994م حيث افتى رموزهم بجواز سلب ونهب اموال سكان المحافظات الجنوبية بحجة غنائم حرب وقد شاهدت بنفسي بعض السيارات التي استولى عليها بعض الشماليين من اليمن بينما كان موقف علماء الزيدية بشكل عام والحوثي بشكل خاص عدم جواز الحصول على شيء من اموالهم لانهم مسلمين ولا يجوز الاستيلاء على اموال المسلمين (من شهد الشهادتين فقد عصم ماله وعرضه). نشأتهم منذ مئات السنين ونظام الحكم في اليمن هو وراثي (الامامة) حتى قيام الثورة اليمنية وتأسيس الجمهورية 1967م ولم يتم بسط نفوذ الجمهورية الجديدة حتى عام 1970م فقد بقيت محافظة صعدة عاصمة الزيدية عصية على الدولة وقد اصبحت فيما بعد مركز انطلاق الشباب المؤمن الذي اصبح فيما بعد الحوثيون. كانت الغالبية العظمى لليمنيين الشماليين هم من اتباع المذهب الزيدي وع وجود بقايا الاسماعلية في منطقتي (حراز وعراس) واما الجنوب فالغالبية العظمى هم من اتباع المذهب الشافعي ولكن بعد حرب الخليج الاولى عام 1990م والتأييد اليمني الرسمي والشعبي للعراق ساءت العلاقات اليمنية الخليجية مما ادى الى ابعاد العمالة اليمنية من الخليج وعلى وجه الخصوص من السعودية حيث كانوا متواجدين هناك بشكل كبير ولفت للنظر وكان غالبيتهم قد تأثر بالفكر الوهابي المتشدد المتطرف مما ادى الى نشوب صراع فكري محتدم مما اثر بشكل كبير على الزيديين وتغيير مذهبهم وتحولهم للوهابية لقلة الوعي وانتشار المعاهد العلمية في شرق البلاد وعرضها التي تدرس الفكر الوهابي والمدعوم ماليا من قبل السعودية دعما غير محدود وكذلك دعم ما يسمون بـ (الدعة) الذين اخذوا يجوبون البلاد للتضليل بفكر محمد بن عبد الوهاب وكما يعلم الجميع ان تأثير المال في المناطق الفقيرة يكون كبيراً وخصوصاً إن معظم مناطق اليمن فقيرة فيكون للمال تأثيراً كبيراً لا يستطيع مقاومته الا من هو على علم ودراية بما يعتقد ولكن من المأخذ على الزيديين انهم كانوا بعيدين عن عامة الناس حتى أن (السادة الذين هم يرجعون نسباً الى الرسول (ص)) كانوا ينظرون الى افراد القبائل بأنهم اقل منهم منزلة ولا يزوجوهم بل من الممكن ان يتزوجوا منهم وهذه هي من المفارقات التي سوق نتطرق اليها في مواضيع أخرى إن شاء الله مستقبلاً مما حدى بالمتنورين والشباب والطاقات العلمية من الزيديين للتصدي لهم وإيقاف التقهقر الذي واجهه الفكر الزيدي من خلال تأسيس معاهد علمية تدرس العقائد والقرآن الكريم أيام العطل الصيفية وكانت بداية التأسيس في محافظة صعدة وقراها وكان يأتي الطلبة من خارج المحافظة للدراسة في هذه المعاهد وأخذت تتطور هذه المعاهد شيئاً فشيئاً من خلال توافد الطلبة عليها وكانت هذه المعاهد هي البذرة الأولى في خلق جيل واعي عقائدي يعرف لماذا هو شيعي ولماذا أختار مذهبه وبدؤا يصبحون قوة مؤثرة يحسب لها حسابات واقتحموا المعادلة السياسية وأصبحوا رقماً صعباً يحسب له الحسابات العديدة. فخلال حرب الشمال والجنوب عام 1994 وتنامي حزب الإصلاح والسلفيين انبرا الوهابيين لتهديم القبور لرموز المسلمين في اليمن وقد بدؤا بتهديم قبر الشيخ عثمان على مشارف عدن وهو من مشايخ الشافعية وقد مرت عليهم بسلام فتجرأوا ووضعوا الخطة لتهديم قبور أئمة الزيديين في صعدة حيث أنهم مدفونين في المسجد الكبير في صعده ولهم مزارات يتبرك الزيديين بزيارتها وفي ذلك المسجد مدفون يحيى بن الحسين الملقب (الهادي إلى الحق) ويسمون اتباعه بالهادوية لأنه يعتبر المؤسس الحقيقي لمذهب الزيدية لكن الحوثيون هبوا للمقاومة والمحافظة على تلك القبور وذلك من خلال نصب المتاريس على أسطح البيوت المحيطة بالمسجد ونصب المتاريس عند مدخل المدينة مما أفشل مشروع الوهابية للتهديم علماً أن هناك قرية مجاورة لمدينة صعدة (دماج) تعج بالوهابية والطلبة الذين أتوا الى هذه القرية من مختلف دول العالم وحتى الأوربية للدراسة عند أحد مشايخ الوهابية الذين عادوا من السعودية وكان يلقى دعماً كبيراً من علي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر, وقد زرت تلك المنطقة مرات عديدة. ارتفعت حدة الخلافات بين الحوثيين والحكومة عندما أنبرى تأييدهم العلني لحزب الله اللبناني الذي يعبر عن أمل وطموحات العرب والمسلمين حيث كانوا يرفعون شعار: الله أكبر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام وكانت الحكومة تستاء من هذا الشعار لأنها أصبحت في موقف محرج مع الأمريكان الذين يتبنون على عبد الله صالح ويقدمون له المعونات وفي عام 2003 حاول الرئيس اليمني ترطيب الأجواء وقد ذهب لزيارة مدينة صعدة والصلاة في المسجد الكبير صرح الزيديين ولكن بعد إنقضاء صلاة الجمعة تعالت الأصوات لترديد شعاراتهم وطلب الرئيس منهم السكون ولكنهم لم يأبهوا وكادت أن تحدث معركة كبيرة بين أفراد حماية الرئيس والمصلين لولا تداركه الأمر ومغادرته المسجد. لقد شن الزيديين التقليديين حرباً ضدهم لكنهم صمدوا وقاوموا وعلى رأس علماء الزيدية الذين وقفوا ضدهم هو السيد محمد عبد العظيم الحوثي ولكنهم لم يستطيعوا الحد من تمددهم فلقد وجد شباب الزيدية ضالتهم بالحوثيون الذين يصدحون بكلمة الحق وهكذا وجدناهم قد تمددوا في مساحات واسعة من اليمن وسيطروا عليها وأسقطوا حكومات. ونتمنى كل الخير والسعادة للشعب اليمني الذي عانى كثيراص من الطغاة والفاسدين لأنه شعب طيب.