حجم النص
بقلم:صالح الطائي بعد أن أديت العمرة المفردة، ذهبت لزيارة جبل أحد وقبر سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب (رض) عم النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لشوقي إلى رؤية المكان الذي استشهد فيه دفاعا عن الإسلام، واستذكار بطولته وموقفه النبيل، فوجدتهم قد حجبوه بساتر من الحديد والزجاج الملطخ بالطين لدرجة يصعب معها رؤية الجبل ورؤية القبر؛ الذي ساووه بالأرض ووضعوا عند رأسه حجرا للدلالة، وكفى. وكانت على مقدم السياج ثمة عتبات خرسانية تحيط به، كان يقف عليها مبلغون حكوميون، يروون قصة معركة أحد للحجاج، وصدف أن وقفت قرب أحدهم، فسمعته يقول بالحرف الواحد: "عجيب كيف ينصر الله دينه بأشد أعدائه، فنصر الإسلام بالسيدة الفاضلة (هند بنت عتبة) رضي الله عنها وأرضاها ورضي عنا برضاها، وهي زوج سيدنا أبا سفيان (رض) وأم سيدنا معاوية (رض) وجدة سيدنا يزيد (رض)؛ التي اشتركت في معركة أحد إلى جانب زوجها والجيش المكي المشرك، وبقرت بطن حمزة (رض) ولاكت كبده، ثم أصبحت بعد ذلك من أكبر وأعظم المناصرين لدين الله، ومن خيرة النساء المؤمنات" هذا نصا قول الرجل وقد طبع في ذاكرتي حرفيا ربما لأنه استفزني كثيرا، فأنا أعرف اللعبة، وأعرف ما جرى يوم أحد، وكيف أسلمت هند ولماذا، وما فعلت بعد إسلامها، وما قدمت للإسلام، وما فعل أبناؤها وزوجها إلى آخر لحظات أعمارهم. واليوم وأنا أعمل على أحد كتبي، كنت أبحث عن أقوال المفسرين في قوله تعالى في سورة النحل، الآية 126: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} فوجدت ما ذكرني بتلك القصة، وما كتبته عنها في حينه، فأخذت بما جاء به الحسين بن مسعود البغوي في تفسيره (معالم التنزيل) الجزء الخامس، صفحة 54 لاستنتج من خلاله مصير هذه المرأة التي ترضى عنها ذاك الداعية الأبله مدفوعا بعصبيته لا بعقيدة الإسلام. فبعد هزيمة المسلمين في غزوة أحد، ورجوع جيش المشركين إلى مكة: "وقف رسول الله (ص) على عمه (حمزة بن عبد المطلب) وقد جدعوا أنفه وأذنه، وقطعوا مذاكيره، وبقروا بطنه. وومزقت (هند بنت عتبة) صدره وأخذت قطعة من كبده، فمضغتها، ثم استرطبتها لتأكلها، فلم تلبث في بطنها حتى رمت بها، فبلغ ذلك النبي (ص)، فقال: "أما إنها لو أكلته لم تدخل النار أبدا، حمزة أكرم على الله تعالى من أن يدخل شيئا من جسده النار" وبما أنها لم تتمكن من بلع اللقمة، فلم يدخل من كبد حمزة في جوفها شيء ليعصمها من دخول النار، فهي ستدخل النار حتما، بدلالة قوله (ص): (لو أكلته لم تدخل النار أبدا) والمعروف أن (لو) تأتي على وجوه كثيرة، منها: أن تكون حرفا للعرض، وللتمنّي، ويتلوها في مثل هذه الحال فعل مضارع، نحو: "لو تنْزل عندنا فتُصيبَ خيراً". ومنها، أن تكون حرف شرط، غير جازم. فلو دخلت المضغة في جوف هند لما دخلت النار، لكن بما أن المضغة لم تدخل إلى جوفها، فهي ستدخل النار.! المهم أن البغوي قال في تكملة الشرح: "فلما نظر رسول الله (ص) إلى عمه حمزة، ونظر إلى شيء، لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه، فقال النبي: "رحمة الله عليك، فإنك ما علمت ما كنت إلا فاعلا للخيرات، وصولا للرحم، ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أفواج شتى" وأردف قائلا: " أما والله لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين منهم مكانك". فأنزل الله تعالى: {وإن عاقبتم فعاقبوا... ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} أي: ولئن عفوتم لهو خير للعافين، فقال النبي: "بل نصبر"، وأمسك عما أراد، وكفر عن يمينه. ومع يقيني باستحالة خروج كلمات التهديد تلك من فم رسول الله الطاهر إلا أن مجرد تناول كتب الحديث والسيرة والمدونات التاريخية لها بهذا الشكل المنضوي على استهانة كبيرة بالنبي (صلى الله عليه وآله) يعني أن هناك من كان يريد للمثلة والانتقام أن يتجسد في سلوكيات مجتمعنا الموتور أبدا، وقد نجحوا في ذلك أيما نجاح لدرجة أنهم أوصلوها بكل أمانة إلى داعش الداعرة وباقي الجماعات الإسلامية المتطرفة ليتعاملوا بمنهجها المنحرف مع كل من يختلفون معه في الرأي، حتى وإن كان من اكبر المحسنين إليهم. ويعني هذا أربعة أمور في غاية الأهمية: أن في عقيدتنا الإسلامية المتداولة اليوم الكثير من التحريف والتصحيف الذي أفسد رونقها وجمالها وروعتها وطاهرتها وبكارتها. أن داعش المجرمة لا تتصرف بمعزل عن النص المحرف الذي تسلل إلى مباني عقيدتنا الإسلامية فأفسدها، وتستغل هذه الهفوات القاتلة. أن من يدعي أن داعش والقاعدة وبوكو حرام وجبهة النصرة وشباب الصومال وشباب الشريعة وأفراخهم الصغار لا دين لهم، واهم، لأنهم أفضل من يمثل الدين المنحرف الذي أنتجته السياسة العربية بعد سيطرتها على مقاليد المسلمين. أننا بحاجة لأن نعيد قراءة إسلامنا عسى أن نعرف مواطن الخذلان التي أدخلت إليه وتسببت في فرقتنا وكراهية بعضنا للبعض الآخر عصبية وجاهلية.!
أقرأ ايضاً
- المرجعية العليا تُخرج معاناة فلسطين كقضية من بُعدها العربي والإسلامي الى البعد الإنساني !
- سرمدية حمزة الزغير وخلودية إنشاده
- كربلاء.. الفاصلة بين الجاهلية والإسلام!