حجم النص
هادي جلو مرعي أهيل التراب على جسد الراحل أمير الحلو في تربة النجف التي نشأ وترعرع فيها، قبل أن يعرف صحفيا وكاتبا تقلد مناصب مهمة في مرحلة قاسية ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته، ثم يطوي هو وعشرات من جيل صحفي مهم أوراق رحلة مرة وصعبة في 2003 عند نهاية حقبة صدام حسين، وقد تحمل ذلك الجيل تبعات العمل في ظل سلطة البعث فكان الجميع متهما ومحاطا بأسئلة محرجة، فمنهم من غادر الى بعض البلدان العربية ليصب جام غضبه على النظام السياسي الجديد، ومنهم من عاش في عواصم جوار قريب وبعيد ليعمل في الصحافة، او ليبحث عن وظيفة منزويا عن الانظار مبتعدا عن الإعلام، ومنهم من آثر الرحيل بعيدا الى اوربا وامريكا وأستراليا شاعرا بيأس كبير. معظم هولاء كانوا يعانون من سلطة البعث، لكنهم تحت القهر ولذلك لم يبادروا الى التمرد بإستثناء أفراد يعدون على الأصابع ودفعوا حياتهم ثمنا لذلك التمرد فمنهم من غيب في السجون او المقابر الجماعية، أو أقصي بطريقة مذلة، وبعد العام 2003 حاول البعض منهم الإندماج بالنظام السياسي، وتماهوا معه، ومنهم من عمل مع جهات تقترب في توصيفها من المعارضة، لكنهم في المجمل شتتوا وتاهت خطاهم، ولم يتمكنوا من مجارات الجيل الجديد المتحفز مع ظهور التقنيات الحديثة التي قلبت المعادلة وجعلت من الصحافة والإعلام فضاءا مفتوحا لايحلق فيه من مضى عليه الوقت وفاتته المرحلة. كان أمير الحلو ناشطا في رئاسة تحرير عديد الصحف والمجلات، وتقلد مناصب في حقل الثقافة والمعرفة لجهة التوظيف الرسمي، ولم يعرف عنه إندفاعه في مدح نظام صدام، أو تبني خطابه بشكل مباشر، بل ظل على نهج متزن وبسلوك هادئ غير منفعل وكان يركز على قضايا الناس، فكأنه يحاكي طبيعته ونشأته والثقافة التي كانت تطبع البيئة التي نتج عنها وهي بيئة النجف الأشرف التي عاد إليها في نعش بعد أن غادرها مبتهجا بالحياة طامحا يتأمل المستقبل دون أن يعي لحظات الإضطراب الكبير، أو يفكر في الأسئلة التي قد تطرح بقسوة من ضحايا نظام البعث برغم إنه لم يكن راضيا عن هذا النظام في سره كبقية الإعلاميين والصحفيين المضطرين للإختباء خلف عباءة الرعب في جمهورية الخوف، وكل منهم كانت لديه رغبة في أمر مختلف لكنه كان يدرك كيف سيكون حاله لو تمرد، أو خالف نهج السلطة. كنت صغيرا حين كانت صورة أمير الحلو في مقاله بإحدى الصحف تبعث الهدوء، وتشعرك إنك تقرأ لكاتب متزن غير متملق، يرغب في أن يوصل رسالة مختلفة لجمهور القراء الخائفين مثله من بطش السلطة، لم تكن كتاباته مثيرة للإحتقان، ولو كانت لما حرصت على قراءتها، فهو لم يكن يكتب ليرضي السلطة حتى وإن مارس التحايل ليشعرها بذلك، بل كان يكتب للناس.
أقرأ ايضاً
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- عن الذي لا يحتاجُ “عيد الغدير” كي يُحب الأمير
- قراءةٌ في مقال السفيرة الأميركيَّة