- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الخطاب الحسيني صوت هادر على مدى الزمان/ الجزء الثالث
حجم النص
بقلم: عبود مزهر الكرخي ولنأتي إلى الشق الثاني من خطاب الأمام الحسين(ع) ليعطي رأيه الشريف في بيعة يزيد ومن هو يزيد(لعنه الله) فيقول: {ويزيدُ رجلٌ فاسقٌ، شاربُ الخمور، وقاتلُ النّفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يُبايع مثله، ولكن نُصبح وتُصبحون، وننظرُ وتنظرون أيُّنا أحقُّ بالخلافة والبيعة}. فيزيد كما ذكرنا في جزئنا الثاني أنه له شبهة في نسبه حيث يزيد أمه ميسون بنت بجدل الكلبية، هي أم يزيد بن معاوية، كانت تأتي الفاحشة سرا مع عبد لأبيها ومنه حملت بيزيد،ويروى أن معاوية خاصم ميسون فأرسلها إلى أهلها بمكة وبعد فترة أرجعها إلى الشام وإذ هي حامل......!!!! وهذا الكلام ليس أخذناه من كتبنا أومن مصادرنا بل أشار إليه كاتب علماني ويساري وهو الكاتب المصري أسامة أنور عكاشة وقد ذكرنا المصدر في ذلك الجزء السابق ولهذا لنصل إلى نتيجة أن كل من يناصب العداء لأهل البيت ومواليه تجده أبن حرام وأنه في نسبه لوثه وهذا ما تتحدث كل كتب التاريخ عنه للنواصب وكل المخالفين لأهل البيت ومواليهم. كما أن يزيد(لعنه الله)لم يقضي في الحكم سوى ثلاث سنين قضاها كلها في القتل وترويع الناس حيث في السنة الأولى لحكمه البغيض تم قتل الحسين وهتك ذراريه وأهل بيته وفي السنة الثانية تم استباحة المدينة المنورة في واقعة الحرة وتم قتل خيرة الصحابة والتابعين وهتك الأعراض بحيث أصبحت المرأة في المدينة عندما تحمل لايعرفون أهله من هو أبوه وفي السنة الثالثة تم ضرب الكعبة المشرفة بالمنجنيق وحرقها والتي في تلك السنة هلك بعد ان جمح الفرس به ولم يتبقى من جثته سوى رجله بعد ان تمزق الى عدة اوصال والذي تم معاقبته في الدنيا قبل الآخرة وحتى لا يوجد قبر له ولا شاهد حتى للدلالة على مدى ما قام من فظائع وأجرام بحيث لم يتبقى منه شيء.وحتى كان مستشاره سرجون النصراني وهو من نصارى أهل الشام ويقال حتى انه رومي وهو الذي أشار بتولية عبيد الله بن زياد الكوفة في حربه مع الأمام الحسين(ع) وهو من ندمائه والذين يسكرون معه.وهو يلبس الحرير والديباج وأشاع الغناء وأدوات الطرب وتربية القرود وولعه بالصيد وكان له قرد أسماه أبا قيس ويلبسه الذهب والديباج وله منزلة خاصة لديه وكان يزيد ـ فيما أجمع عليه المؤرّخون ـ ولعاً بالقرود. فهذا التهتك والمجون والأجرام من قبل يزيد ويقولون عنه أنه خليفة وأمير المؤمنين وبيعته صحيحة من قبل وعاظ السلاطين وشيوخ الفتنة والدجل ونجد من يبرر له ماقام به من رزايا ومجون ووحشية وقتل وهتك للأعراض والحرمات وعدم الجواز بسبه ولعنه ومن قبل وعاظ السلاطين والمشايخ والكتاب المتسترين بالدين ويلبسون جلباب الإسلام فلنأخذ ما قاله عنه عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة عندما خرج من عنده بوفد رسمّي من أهل المدينة المنوّرة: (والله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء ؛ إنّه رجل ينكح أُمّهات الأولاد، والبنات والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة)(1) وقد نقلنا جزء يسبر من خلقه وطبائعه القبيحة والتي تفوق الوصف والتعبير والتي تحتاج إلى كتب لأدراج طبائع هذا اللعين بن اللعين وهو خلق بني أمية قاطبة ولكنه أشدهم وطأة وقبح. ومن هنا كان رفض الأمام الحسين لهذه البيعة التي تفوح منها كل معاني التزوير والتدليس وتعطيل إحكام وحدود الله سبحانه والتي لا يرضى بها الأمام الحسين(ع) لأنه مكلف بأمر رباني في العمل بأحكام الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يبايع الحسين يزيد برغم كل محاولات معاوية ولم يقر بها. وهذا ما يؤكده العلامة المفكر باقر شريف القريشي إذ يقول: "كانت العداوة بين الحُسين وبين بني أُميّة ذاتية، فهي عداوة الضد للضد، وقد سأل سعيد الهمداني الإمام الحُسين عن بني أُميّة، فقال (عليه السّلام): ((إنّا وهم الخصمان اللذان اختصما في ربّهم)). أجل، إنّهما خصمان في أهدافهم، وخصمان في اتّجاههم، فالحُسين (عليه السّلام) كان يُمثّل جوهر الإيمان بالله، ويُمثّل القيم الكريمة التي يشرف بها الإنسان، وبنو أُميّة كانوا يُمثّلون مساوئ الجاهلية التي تهبط بالإنسان إلى مستوى سحيق، وكان الاُمويّون بحسب طباعهم الشريرة يحقدون على الإمام الحُسين، ويبالغون في توهينه، وقد جرت منازعة بين الحُسين وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان في مال كان بينهما فتحامل الوليد على الحُسين في حقّه، فثار الإمام في وجهه، وقال: ((أحلف بالله لتنصفي مِنْ حقّي أو لآخذنّ سيفي، ثمّ لأقومنّ في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأدعونّ بحلف الفضول)). لقد أراد أنْ يُحيي حلف الفضول الذي أسسه الهاشميون , والذي كان شعاره إنصاف المظلومين والأخذ بحقوقهم، وقد حاربه الاُمويّون في جاهليتهم ؛ لأنّه يتنافى مع طباعهم ومصالحهم ".(2) ويزيد كان يحمل كل موروثات الحقد الجاهلي وشعره الذي قاله عندما أتوا برأس الحسين الشريف مشهور في مجلسه لهو أكبر دليل على ما نقول إذ يقول: يا غراب البين اسمعت فقل *** انما تذكر شيئا قد فعل حين حكت بقباء بركها*** واستحر القتل في عبد الأشل ليـت أشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الأسل لأهلوا واستهلوا فرحا*** ثم قالوا يايزيد لا تشل قد قتلنا القرم من ساداتهم*** وعـــدلناه ببـدر فاعتـدل لست للشيخين ان لم اثأَر***من بني أحمد ما كان فعل لعبـت هـاشم بالملك فــلا *** خبـر جاء ولا وحي نزل.(3) فهذا يزيد وهذا غيض من فيض من أخلاق يزيد الفاجر قاتل النفس المحترمة والذي أنشأ الدق على الطنابر والدفوف ومعاشرة الغلمان والجواري والغناء والذي فعل كل أمر دنيء يندى له الجبين والذي لا يقره أي دين أو شرع وحتى لا يوجد لديه أي وازع أخلاقي أو ديني. وأن يزيد وآل يزيد لا يمثّلون سوى الامتداد لعقيدة المشركين، وللعصبية الجاهلية، وقد جاء في بني أمية قوله تعالى: ((وَالشَّجَرَةَ المَلعُونَةَ فِي القُرآنِ)). قال الطبري ـ عند حديثه عن بني أمية ـ: ((فمما لعنهم الله به على لسان نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنزل به كتاباً قوله: ((وَالشَّجَرَةَ المَلعُونَةَ فِي القُرآنِ وَنُخَوِّفُهُم فَمَا يَزِيدُهُم إِلا طُغيَاناً كَبِيراً))(4)، ولا اختلاف بين أحد أنّه أراد بها بني أميّة، ومنه قول الرسول عليه الصلاة والسلام وقد رآه مقبلاً (أي أبي سفيان) على حمار ومعاوية يقود به ويزيد ابنه يسوق به: (لعن الله القائد والراكب والسائق)، ومنه ما يرويه الرواة من قوله (أي قول آبى سفيان): ((ابني عبد مناف تلقفوها تلقف الكرة فما هناك جنّة ولا نار)).(5) قال الطبري: وهذا كفر صراخ يلحقه به اللعنة من الله كما لحقت الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. انتهى(6) وعن القرطبي والسيوطي وابن كثير والآلوسي وغيرهم كثير من المفسرين في تفسير قوله تعالى: ((مَا جَعَلنَا الرُّؤيا الَّتِي أَرَينَاكَ إِلا فِتنَةً لِلنَّاسِ))، عن سهل بن سعد قال: ((إنّما هذه الرؤيا هي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يرى بني أميّة ينزون على منبره نزو القردة، فاغتم لذلك وما استجمع ضاحكاً من يومئذٍ حتّى مات (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت الآية مخبرة أن ذلك من تملكهم وصعودهم يجعلها الله فتنة للناس وامتحاناً)).(7) وقد بيّن النبي (صلى الله عليه وآله) أن بني أمية واتباعهم هم من البغاة وممن يدعون الى النار، روى البخاري في صحيحه: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: {ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار}.. ومن المعلوم أن الصحابي الجليل عمار بن ياسر (رضوان الله عليه) قد استشهد على يد جيش معاوية في حرب صفين، تلك الحرب الظالمة التي خرج بها معاوية على أمير المؤمنين علي (عليه السلام).(8) ومن هنا تفهم قول الحسين (عليه السلام) للوليد والي المدينة من قبل يزيد حين أراد أخذ البيعة من يزيد: ((ومثلي لا يبايع مثله)) ويتضح الأمر بأن الصراع بين الحسين (عليه السلام) ويزيد كان صراعاً بين الحق والباطل، وليس على السلطة كما يمثله إتباع بني أمية ومحبي يزيد اللعين الطريد.والآن لنرى ماذا يقول الكاتب المصري عباس محمود عن نهضة الحسين ورفضه مبايعة يزيد (لم يكن الصراع بين الإمام الشّهيد ويزيد بن معاوية صراعاً بين رجلين انتهى باستشهاد أحدهما وفوز الآخر بما خيّل له ولأنصاره أنّهم قد فازوا به، بل كان صراعاً بين خلقين خالدين، وجولة من جولات هذين الخلقين اللذين تجاولا أحقاباً ولا يزالان يتجاولان. كان صراعاً بين الخير والشرّ، بين الكرم واللؤم، بل بين أشرف ما في الإنسان وأوضع ما يمكن أن تبتلى به النّفس البشرية.كان أبو الشُهداء (ع) يؤمن أقوى الإيمان بأحكام الإسلام، ويعتقد أشدّ الاعتقاد أنّ تعطيل حدود الدين هو أكبر بلاء يحيق بالإسلام وبأهله، وبالاُمّة الإسلاميّة قاطبة في حاضرها ومستقبلها، وكان للعقيدة الدينية في وجدانه قدسيتها، وللإيمان العميق بالله وبالحقّ في نفسه رسوخه وقوّته... فكان اعتراضه على هذا الزيف الذي لم تشهد الاُمّة زيفاً مثله من قبل، وكانت غضبته على الانحراف والاستهتار بقيم الدين ممثّلة كلّها في ولاية يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فكانت حركته، وسلكت طريقها الذي لا بدّ لها أن تسلكه، وما كان لها قط من مسلك سواه... وكانت الحرب... حرب بين قلّة لبّت داعي المروءة والأريحية والحقّ لا تعتزّ إلاّ بإيمانها بالله وبنصره، وتتفانى في نصرة الإمام الشّهيد وتأبى إلاّ أن تستشهد دونه ؛ ابتغاء مرضاة الله , وآلاف مدججة بالعتاد والسّلاح لم يؤلّف بينها إلاّ الطمع في رضا سلطان , أو في غنيمة تصيبها حتّى ولو كانت غنيمة النّجاة من غضب زبانية يزيد وانتقامهم ممّن لا يحارب ويقتل، بل ممّن لا يمعن في الإجرام والوحشية والتنكيل بآل البيت الكرام... وغلبت كثرة الباطل قلّة الحقّ، واستشهد الحُسين (ع) ؛ ليصبح بكرامة الشّهادة وكرامة البطولة وكرامة الاُسرة النّبويّة الشّريفة، معنى كريماً يحضره كلّ مُسلم في صدره، بل وكلّ إنسان يعرف قدر الشّهادة في سبيل الحقّ، وقيمة بذل الحياة في سبيل ما هو أدوم من الحياة).(9) ويقول العقاد أيضاً (فكان الحُسين بن عليّ نموذجاً لأفضل المزايا الهاشمية , ولم يكن يزيد بن معاوية نموذجاً لأفضل المزايا الاُمويّة، بل كان فيه الكثير من عيوب اُسرته ولم يكن له من مناقبها المحمودة إلاّ القليل).(10) ونكمل ماقاله العقاد لنكمل الحجة(فقد شاءت عجائب التاريخ إذن أن تقيم بين ذينك الخصمين قضية تتضح فيها النزعة النفعية على نحو لم تتضحه قط في أمثالها من القضايا، وقد وجب أن ينخذل يزيد كلّ الخذلان لولا النزعة النفعية التي أعانته وهو غير صالح لأن يستعين بها بغير أعوان من بطانته وأهله , ولئن كان في تلك النزعة النفعية مسحة تشوبها من غير معدنها الوضيع لتكونن هي عصبية القبيلة من بني اُميّة، وهي هُنا نزعة مواربة تعارض الإيمان الصريح ولا تسلم من الختل والتلبيس).(11) والآن نوجه السؤال لكل عاقل وحصيف من خلال ما أوردناه آنفاً من دلائل وقرائن هل يصح لأي إنسان اعتيادي أن يبايع هذا الفاجر اللعين وهو يحمل كل هذه الصفات الدنيئة والمجرمة ؟ باعتقادي المتواضع أن يكون الجواب قطعاً بكلا.فكيف بالأمام الحسين وهو حجة الله على أرضه وخامس أصحاب الكساء والذي يقول عنه أمام الرحمة سيدنا محمد(ص) {الحسين مني وأنا من الحسين، أحب الله من أحب حسيناه}و { والذى بعثنـي بالحقّ نبيّاً، إنّ الحسين بن علي في السماوات أعظم مما هو في الأرض، واسمه مكتوب عن يمين العرش: إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة}.(12) وهو يملك تلك الأخلاق الهاشمية والسامية والتي تضعه في منزلة الأنبياء والذي له منزلة بالسماء مكتوب أسمه على يمين ساق العرش وبهذه الفضائل العظيمة والتي لم يدانيه أحد من الأولين والآخرين بعد جده وأبيه وأمه وأخيه إن يبايع يزيد الفاجر واللعين والذي حتى لايرتقى إلى مصاف الإنسانية ويكون تابع ويبايعه والذي لو حصل الأمر هذا لجعل يزيد من الحسين تابع له ويمشي خلفه وهي مثلبة للأمام الحسين يدينها التاريخ عليه وذنب لا يغتفر (حاش لله) وهو ليس من خلق الأمام الحسين وحتى من سجاياه مداهنة الباطل وعدم إحقاق الحق وفي الأخير يغتاله ويقتله شر قتلة وأئمتنا المعصومين في قتلهم غيلة وغدر من قبل حكام بني أمية وبني العباس خير دليل على ما نقوله. ثم نرى ما يقوله وعاظ السلاطين وشيوخ النواصب وننقل مثال على ذلك كلام أبن تيمية حول واقعة الطف حيث يقول(إن يزيد لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل، ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق)(13). ثم ليجلب كلام ابن تيمية بأن يزيد رض الله عنه وكذلك الحسين فأي غباء في ذلك وأي غباء من يصدق ذلك؟ و ادري كيف إن القاتل والمقتول هم من يرتضون عليهم وبأي إسلام يقر بذلك وحتى أي دين سماوي؟ ولكن هذه الناصبية بعينها من قبل هذا الشيخ ابن تيمية والذي كان الرأس للوهابية والقاعدة وكل الحركات الإرهابية والتي نتجرع منها اليوم من إرهاب وقتل هو توالد حصل منذ يوم السقيفة ليتوالد وبهذا الشكل المرعب وما يحصل في بلادنا هو نتاج لهذه الأفكار الظلامية من قبل أئمة الكفر ويقف في مقدمتهم يزيد(لعنه الله)والتي أنتجت هذه التنظيمات الإرهابية والتي شوهت ديننا الإسلامي ليصبح ديننا الحنيف في نظر العالم دين قتل وذبح وعنف وليتم القتل والتكفير للناس على الهوية والطائفة وهذا هو ابتلاء أمتنا في الوقت وسبب ضعفها وهوانها. وأن أخطر شيء على الدين هو من يتلبس بجلباب الدين ويصبح القتل والذبح وبكل وحشية يرافقه التكبير وعمل كل أمر شنيع ووحشي باسم الدين وبالتالي ليكتشف أن هذا الدين هو دين دموي قائم أعمدته على العنف والقتل وبالتالي ليصبح الدين هو أول الضحايا والضحية الأساسية نتيجة صياغة هذا المسلسل الدموي والمجرم وتتبعها كل الضحايا الأخرى ومنها الأمة الإسلامية. وهكذا انتهت الأمور إلى ما آلت إليه وأصبح الطريق إلى كربلاء ومسير المنايا لأبي الأحرار(ع) ضرورة حتمية واستشهاده كان أمراً مقضياً لطلب الإصلاح في أمة جده كما قال في خطبته المشهورة في جند الكفرة يزيد. وأصبح هو على مفترق طرق ليسلك طريق الثائرين والذين يعني أنه يجب سفك دمه الشريف من أجل أقرار قيم الحق والعدالة وتصحيح مسيرة جده الرسالة المحمدية بعد إن لعب بها الطلقاء ليصبح دين أموي وملوك ويسيروه حسب أهوائهم ومصالحهم وليرجعوا الأمة إلى دين الجاهلية الأولى ولترجع كل قيم الوثنية وترسبات المجتمع الوثني القديم وكان الخروج أمر حتمي لقلة الناصر من أهل المدينة ولتبدأ المؤمرات من قبل اللعين يزيد لقتله لذا كان قدر المسير إلى مكة لقرب الحجيج، والذي سنتناول ذلك بشيء من التفصيل. الخروج من المدينة وقد خرج من المدينة لليلتين بقيتا من رجب من عام ستين للهجرة ومن الأمور المهمة التي يجب الإشارة لها هي أنه ومن هذه الأمور: إن الإمام أبا عبد الله الحسين عليه السلام كان يوم رفضه لبيعة طاغيته زمانه في المدينة المنورة. "فإنه كما قال الشيخ المفيد ومن أرخ ليوم رفض بيعة الإمام الحسين لطاغية زمانه، كان هو يوم 27 سبعة وعشرين من رجب، وخروجه بعد يوم. وهذا اليوم: 27 رجب: هو يوم بعثة النبي الكريم، ونزول الأمر عليه بأن يصدع بالهدى، وهو يوم الإسراء والبعثة من أمر الله في السماء . وفي هذا اليوم: 27 رجب سنة 60 للهجرة يرفض الظلم والطغيان الإمام أي بعد 72 سنة وأشهر، والسنين بعدد الشهداء معه مع طفله الرضيع عليهم السلام. فهل ترى في كون نهضة الإمام الحسين عليه السلام: هو نفس يوم مبعث النبي الكريم من أثر وحكمة، وبيان وشرح في تعريف شأن رفضه للظلم، ليس أشرا ولا بطرا إلا ليكون للدعوة والتعريف لسنة جده رسول الله، وبعث الحياة في دينه، وجعل نوره يشرق أبدا، فيسير برحله وأهله من المدينة ليرهم الصراط المستقيم، هو السير بسيرة جده وتعريف شيعة أبيه وكل أهل الدنيا، محل الدين والهدى، وفي كل كلماته ومعارفه التي عرفها في كل حله وترحله وسيره وسفره."(14) وداع الحُسين (عليه السّلام) لقبر جدّه (صلّى الله عليه وآله): وخفّ الحُسين (عليه السّلام) في الليلة الثانية إلى قبر جدّه (صلّى الله عليه وآله) وهو حزين كئيب ؛ ليشكو إليه ظلم الظالمين له، ووقف أمام القبر الشريف بعد أنْ صلّى ركعتين وقد ثارت مشاعره وعواطفه، فاندفع يشكو إلى الله ما ألمّ به من المحن والخطوب قائلاً: ((اللّهم، إنّ هذا قبرَ نبيّك محمّدٌ وأنا ابن بنت محمّد، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت. اللّهم، إنّي اُحبّ المعروف واُنكر المُنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحقّ هذا القبر ومَنْ فيه إلاّ ما اخترت لي ما هو لك رضى ولرسولك رضى)). رؤيا الحُسين (عليه السّلام) لجدّه (صلّى الله عليه وآله): وأخذ الحُسين يطيل النظر إلى قبر جدّه وقد وثقت نفسه أنّه لا يتمتّع برؤيته وانفجر بالبكاء، وقبل أنْ يندلعَ نور الفجر غلبه النوم فرأى جدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله) قد أقبلَ في كتيبة مِن الملائكة، فضمّ الحُسين إلى صدره وقبّل ما بين عينيه، وهو يقول له: ((يا بُني، كأنّي عن قريب أراك مقتولاً مذبوحاً بأرض كربٍ وبلاء، بين عصابة مِنْ أُمّتي، وأنت مع ذلك عطشان لا تُسقى , وظمآن لا تُروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي يوم القيامة! فما لهم عند الله مِنْ خلاق. حبيبي يا حُسين، إنّ أباك وأُمّك وأخاك قد قدموا عليّ وهم إليك مشتاقون. إنّ لك في الجنّة درجات لن تنالها إلاّ بالشهادة)). وجعل الحُسين يطيل النظر إلى جدّه (صلّى الله عليه وآله) ويذكر عطفه وحنانه عليه فازداد وجيبه. وتمثّلت أمامه المحن الكبرى التي يعانيها من الحكم الاُموي. فهو إمّا أنْ يُبايع فاجرَ بني أُميّة أو يُقتل، وأخذ يتوسّل إلى جدّه ويتضرّع إليه قائلاً: ((يا جدّاه، لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا، فخذني إليك وأدخلني معك إلى منزلك)). والتاع النّبي (صلّى الله عليه وآله) , فقال له: ((لا بدّ لك مِن الرجوع إلى الدنيا حتّى تُرزق الشهادة، وما كتب الله لك فيها من الثواب العظيم ؛ فإنّك وأباك وأخاك وعمّك وعمّ أبيك تُحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتّى تدخلوا الجنّة))(15) واستيقظ الحُسين فزعاً مرعوباً، قد ألمّت به تياراتٌ من الأسى والأحزان، وصار على يقين لا يخامره أدنى شك أنّه لا بد أنْ يُرزق الشهادة، وجمع أهل بيته فقصّ عليهم رؤياه الحزينة، فطافت بهم الآلام وأيقنوا بنزول الرزء القاصم. ووصف المؤرّخون شدّة حزنهم بأنّه لمْ يكن في ذلك اليوم لا في شرق الأرض ولا في غربها أشدّ غمّاً مِنْ أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولا أكثر باكية وباك منهم. وداعه لقبر أُمّه وأخيه (عليهما السّلام): وتوجّه الحُسين في غلس الليل البهيم إلى قبر أُمّه وديعة النّبي (صلّى الله عليه وآله) وبضعته، ووقف أمام قبرها الشريف مليّاً وهو يُلقي عليه نظرات الوداع الأخير، وقد تمثّلت أمامه عواطفها الفيّاضة وشدّة حنوّها عليه، وقد ودّ أنْ تنشقّ الأرض لتواريه معها، وانفجر بالبكاء وودّع القبر وداعاً حاراً، ثمّ انصرف إلى قبر أخيه الزكي أبي محمّد، فأخذ يروّي ثرى القبر مِنْ دموع عينيه وقد ألمّت به الآلام والأحزان، ثمّ رجع إلى منزله وهو غارق بالأسى والشجون.(16) فزع الهاشميّات: ولمّا عزم الإمام على مغادرة يثرب واللّجوء إلى مكّة اجتمعْنَ السيّدات مِنْ نساء بني عبد المطّلب، وقد جاشت عواطفهنَّ بالأسى والحزن، فقد تواترت عليهنَّ الأنباء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن مقتل ولده الحُسين، وجعلْنَ ينحْنَ وتعالت أصواتهنَّ بالبكاء وكان منظراً مفزعاً، وانبرى إليهنَّ الحُسين وهو رابط الجأش، فقال لهنَّ: ((أُنشدكنَّ الله أنْ تبدينَ هذا الأمر معصيةً لله ولرسوله)). فذابت نفوسهنَّ، وصحنَ: لمَنْ نستبقي النياحة والبكاء ؟ فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن، جعلنا الله فداك يا حبيب الأبرار. وأقبلت عليه بعض عمّاته وهي شاحبة اللون، فقالت بنبرات منقطّعة بالبكاء: لقد سمعت هاتفاً يقول: وإنّ قتيلَ الطفِّ مِنْ آلِ هاشمٍ = أذلّ رقاباً مِنْ قريشٍ فذلّتِ وجعل الإمام (عليه السّلام) يُهدِّئ أعصابها ويأمرها بالخلود إلى الصبر، كما أمر سائر السيّدات مِنْ بني عبد المطّلب بذلك.(17) لقاؤه مع السيّدة أُمّ سلمة(رضي الله عنها) قبل خروجه من المدينة التقى بالسيّدة أُمّ سلمة(رضي الله عنها) ليودّعها، فقالت: يا بني لا تحزن بخروجك إلى العراق، فإنّي سمعت جدّك(صلى الله عليه وآله) يقول: «يقتل ولدي الحسين بأرض العراق؛ بأرض يقال لها كربلا». فقال لها: «يا أمّاه وأنا والله أعلم ذلك، وأنّي مقتول لا محالة، وليس لي من هذا بدّ، وأنّي والله لأعرف اليوم الذي أُقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أُدفن فيها، وأعرف من يُقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وأن أردت يا أُمّاه أُريك حفرتي ومضجعي». ثمّ قال لها: «يا أُمّاه، قد شاء الله أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشرّدين، وأطفالي مذبوحين مأسورين مظلومين مقيّدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً».(18) دوافع الخروج 1ـ استبداد واستئثار الأُمويين بالسلطة. 2ـ القتل والإرهاب وسفك الدماء الذي كانت تمارسه السلطة الأُموية. 3ـ العبث بأموال الأُمّة الإسلامية، ممّا أدّى إلى نشوء طبقة مترفة على حساب طبقة محرومة. 4ـ الانحراف السلوكي وانتشار مظاهر الفساد الاجتماعي. 5ـ غياب قوانين الإسلام في كثير من المواقع المهمّة، وتحكّم المزاج والمصلحة الشخصية. 6ـ ظهور طبقة من وضّاع الأحاديث والمحرِّفين لسُنّة النبي(صلى الله عليه وآله)، وذلك لتبرير مواقف السلطة. هدف الخروج أشار الإمام الحسين(عليه السلام) في وصيته التي كتبها لأخيه محمد بن الحنفية إلى الهدف من خروجه بقوله: « عهد الامام بوصيته الخالدة إلى أخيه ابن الحنفية، وقد تحدث فيها عن أسباب ثورته الكبرى على حكومة يزيد وقد جاء فيها بعد البسملة: " هذاا ما أوصى به الحسين بن علي الى أخيه محمد بن الحنفية، ان الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وان محمدا عبده ورسوله جاء بالحق من عنده، وان الجنة حق، والنار حق، وان الساعة آتية لا ريب فيها، وان الله يبعث من في القبور. واني لم أخرج أشرا، ولا بطرا، ولا مفسدا، ولا ظالما، وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي (ص) أريد أن آمر بالمعروف وانهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق، فالله اولى بالحق، ومن رد علي اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين. " وهذه وصيتي إليك يا أخي، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب "».(19) وإلى هنا نتوقف لنستكمل في جزئنا القادم أن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية مسلسل المنايا التي يسير إليها أبو الشهداء صوب الشهادة والخلود نستعرض خطاباته التي أصبحت دليل عمل ونهج لكل الثوار والأحرار. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ تاريخ الخلفاء / 165. كتاب الحُسَين (ع) أبو الشّهداءعبّاس محمود العقّاد منشورات الشّريف الرّضي الطبعة الثانية. مقدمة الناشر ص 5 -6. 2 ـ كتاب حباة الحسين / الجزء الثاني.باقر شريف القريشي. ص234. 3 ـ ان أبيات ابن الزبعرى جاءت في سيرة ابن هشام (3/97)، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (2/382). بلاغات النساء 20-23. 4 ـ (الاسراء:60) 5 ـ تاريخ الطبري (185:8). 6 ـ انظر أيضا تفسير القرطبي 286:10، والدر المنثور للسيوطي 191:4. 7 ـ انظر: تفسير القرطبي 283:10، تفسير ابن كثير 52:3، الدر المنثور 191:4، تفسيرالآلوسي 107:15. 8 ـ البخاري في صحيحه (207:3 باب من أعبرت قدماه في سبيل الله). كتاب الحُسَين (ع) أبو الشّهداءعبّاس محمود العقّاد منشورات الشّريف الرّضي.الطبعة الثانية. مقدمة الناشر ص 5 -6. 10 ـ نفس المصدر ص 50. 11 ـ نفس المصدر ص 70. 12 ـ مدينة المعاجز، للبحراني: ج2، ص327 رقم 116. 13 ـ منهاج السنّة 4 / 473. 14 ـ الإرشاد ص 184، بحار الأنوار ج40ب37ص326ح2. 15 ـ كتاب حباة الحسين / الجزء الثاني.باقر شريف القريشي. ص259 ـ 260. 16 ـ الفتوح 5 / 29. كتاب حباة الحسين / الجزء الثاني.باقر شريف القريشي. باب حكومة يزيد. مكتبة شبكة السراج الى الله. 17 ـ كتاب حباة الحسين / الجزء الثاني.باقر شريف القريشي. ص259 ـ 260. 18ـ لواعج الأشجان تأليف العلامة المجاهد الكبير الحجة السيد محسن الامين العاملي قدس سره: 31. 19ـ الفتوح 5 / 33 مقتل الخوارزمي 1 / 188. بحار الأنوار 44/329.
أقرأ ايضاً
- حجية التسجيلات الصوتية في الإثبات الجنائي
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!