- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
البلاغة والشجاعة في خطابات أهل البيت (ع) . . . السيدة زينب والامام زين العابدين (ع) إنموذجا
حجم النص
د. رؤوف محمد علي الانصاري لقد جمع أهل البيت (ع) في خطاباتهم وإجاباتهم بين بلاغة الكلام والموقف، وفصاحة الكلمة والكلام، وبراعتهم وشجاعتهم الأدبية، حيث تبلورت فيها رسالة جدهم رسول الله محمد (ص)... وبلاغة وفصاحة أمير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب (ع)... إذ نرى الخطابة في ذروتها حين تكون أمام فئات مختلفة من شرائح الناس الى الحكام الظالمين، وفي ظروف خطيرة وحساسة... لاسيما خطابات السيدة زينب (ع) بعد استشهاد أخيها سيد شباب أهل الجنة الامام الحسين (ع) ونفر من أهل بيته (ع) وأصحابه في واقعة الطف (عاشوراء) في كربلاء سنة 61 هـ (680 م)... ومنها الخطبة التي أُلقيت في مجلس عبيد الله بن زياد والي يزيد بن معاوية بن أبي سفيان على الكوفة... وخطبتها الشهيرة وجرئتها النادرة في مجلس يزيد عندما أدخلوا رأس الامام الحسين (ع) والسبايا عليه في المسجد الاموي بالشام دون ان تكترث له ولاعوانه، والتي جسدت ملحمة للإيمان والصبر والثبات في أشد الظروف واللحظات... لقد كانت السيدة زينب (ع) عقيلة بني هاشم في تاريخ الاسلام بطلة، استطاعت أن تثأر لأخيها الشهيد العظيم وأن تجعل من مصرعه مأساة خالدة في تاريخ الانسانية... وكان لها الدور الريادي في تسليط الضوء على دولة الظالمين وتغيير مجرى التاريخ . أما الموقف الآخر والشجاع هو للإمام علي بن الحسين (زين العابدين (ع)) في خطبته الشهيرة في مجلس يزيد بن معاوية في الشام والجرأة والحكمة البالغة فيها. بعد إستشهاد الامام الحسين (ع) ونفر من أهل بيته (ع) وأصحابه... أمر عمر بن سعد قائد الجيش الاموي ـ أعوانه ـ بحمل رأس الحسين ورؤوس الذين أستشهدوا معه الى عبيد الله بن زياد في الكوفة، فلما وصل رأس الحسين (ع) الى ابن زياد جعل ينكث ثنيته بقضيب في يده، فقال له زيد بن أرقم: والله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله (ص) على هاتين الشفتين (يقبلهما). وحين أُدخلت السيدة زينب (ع) مع السبايا مجلس ابن زياد في الكوفة وقال لها: الحمد لله الذي فضحكم... فقالت: الحمد لله الذي أكرمنا بالنبي محمد (ص)، وطهرنا من الرجس تطهيرا، وانما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر، وهو غيرنا. ثم قال ابن زياد: كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك ؟.قالت: والله مارأيت الا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا الى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاج وتخاصم، فأنظر لمن الفلج يومئذ، ثكلتك أمك يا ابن مرجانة. اما الموقف الآخر للسيدة زينب (ع) فقد جاء في خطبتها الشهيرة حين دخلت مجلس يزيد بن معاوية في الشام، وسمعته يتمثل بأبيات وهو يقول: ليت أشياخي ببدر شهدوا ــ جزع الخزرج من وقع الأسل لأهلوا واستهلوا فرحاً ــ ثم قالوا يا يزيد لا تشل فقامت إليه وقالت (ع): الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله وآله اجمعين، صدق الله سبحانه، حيث يقول: " ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوّأى ان كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزءون ـ سورة الروم، الآية 10 أظننت يايزيد، حين اخذت علينا أقطار الارض، وآفاق السماء، فاصبحنا نُساق، كما تُساق الأسارى. أن بنا على الله هواناً، وبك عليه كرامة، وان ذلك لعظم خطرك عنده، فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك جذلان وسروراً.. حين رأيت الدنيا لك مستوثقة، والامور لديك متسقة.. وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا.. فمهلاً مهلاً.. أنسيت قول الله تعالى: " ولا يَحسبنّ الذين كفروا أنّمَا نُملي لهم خيرٌ لأنفسهم إنما نُملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذابٌ مُهين ـ سورة آل عمران، الآية 178 أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهنّ، وأبديت وجوهنّ، تحدو بهن الاعداء من بلدٍ الى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدنيءُ والرفيع. ليس معهن من رجالهن ولي، ولا من حماتهن حمي، وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الازكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء ؟.. وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر الينا بالشنف والشنآن، والإحن والاضغان ؟ ثم تقول: غير متألم ولا مستعظم لأهلوا واستهلوا فرحاً ــ ثم قالوا يا يزيد لا تشل منحنياً على ثنايا ابي عبد الله سيد شباب أهل الجنة، تنكثها بمخصرتك ؟.. وكيف لاتقول ذلك ؟.. وقد نكأت الفرحة واستأصلت الشأفة بإراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، ونجوم الارض من آل عبد المطلب، وتهتف بأشياخك، زعمت انك تناديهم، فلتردنّ وشيكاً موردهم، ولتودنّ انك شللت وبكمت، ولم تكن قلت ما قلت، وفعلت ما فعلت . اللهم خذ لنا بحقنا، وانتقم ممّن ظلمنا، واحلل غضبك على من سفك دماءنا، وقتل حماتنا فوالله ما فريت الا جلدك، ولا حززت الا لحمك، ولتردنّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بما تحملت من سفك دماء ذريته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم، ويأخذ بحقهم، " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون " ـ سورة آل عمران، الآية 169 ، وحسبك بالله حاكماً، وبرسول الله خصيماً، وبجبرائيل ظهيراً، وسيعلم من سَوّل لك ومكنك من رقاب المسلمين " بئس للظالمين بدلاً " ـ سورة الكهف، الآية 50، " وأيكم شَرّ مكاناً وأضعفُ جنداً " ـ سورة مريم، الآية 75. ولئن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك، اني لاستصغرُ قدرك، واستعظم تقريعك وأستكثر توبيخك، ولكن العيون عبرى، والصدور حرى.. ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بأيدي حزب الشيطان الطلقاء.. فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، والافواه تتحلب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتعفرها أمهات الفراعل ولئن اتخذتنا مغنماً، لتجدنا وشيكاً مغرماً، حين لاتجد إلا ما قدمت يداك، " وما ربك بظلامٍ للعبيد " ـ سورة فصلت، الآية 46.، والى الله المشتكى، وعليه المعول فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرخص عنك عارها، وهل رأيك الا فند، وايامك الا عدد، وجمعك الا بدد، يوم ينادي المنادي: " ألا لعنةُ الله على الظالمين "ـ سورة هود، الآية 18 فالحمد لله ربّ العالمين الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة إنه رحيم ودود، " وحسبنا الله ونعم الوكيل " ـ سورة آل عمران، الآية 173... أما الموقف الشجاع للامام علي بن الحسين (زين العابدين) (ع) جاء في خطبته الشهيرة في مجلس يزيد في الشام. فقد روي ان يزيد بن معاوية بن ابي سفيان أمر الخطيب أن يرقى المنبر في المسجد الاموي بدمشق ويثني عليه وعلى أبيه معاوية، وينال من الامام علي بن أبي طالب وولده الامام الحسين (عليهما السلام)... فصعدَ الخطيب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وأكثر الوقيعة في الامامين علي والحسين (ع)، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد، فصاح به الامام علي بن الحسين (زين العابدين) (ع): ويلك أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق... ثم إلتفت الامام (ع) الى يزيد وقال له: يا يزيد، إئذن لي أن أصعد هذه الأعواد (أي المنبر) فأتكلم بكلماتٍ للهِ فيهنّ رضىً ولهؤلاء الجلساء أجرٌ وثواب. فأبى يزيد عليه ذلك، فقال الناس يا... إئذن لهُ فليصعد المنبر، فَعلّنا نسمع منه شيئاً، فقال يزيد: إن صَعد لم ينزل إلا بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان، فقيل لهُ: يا... وما قَدر ما يُحسن هذا ؟، فقال يزيد: إنه من أهل بيتٍ قد زقو العلمَ زقّا. قال الراوي: فما يَزالون به حتى أذِن لهُ، فصعد المنبر، فَحمدَ الله وأثنى عليه، ثم خطب خطبةً أبكى منها العيون، وأرجل منها القلوب... ثم قال: أيها الناس، أعطينا ستاً وفُضّلنا بسبعٍ، أعطينا: العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين. وفُضّلنا: بأن منا النبيّ المختار محمداً (ص)، ومنّا الصَديّق (أي الامام علي بن أبي طالب (ع))، ومنّا الطيار (أي جعفر(رض))، ومنّا أسد الله وأسد رسوله (أي حمزة (رض))، ومنا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول (ع)، ومنّا سبطا هذه الأمّة (أي الحسن والحسين (ع))، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي... أيها الناس، أنا ابن مكَّة ومِنى، أنا ابن زمزمَ والصّفا، أنا ابن من حَملَ الركن بأطراف الرَّدا (أي أنا ابن النبي (ص))، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى، أنا ابن خير مَن انتعل واحتفى، أنا ابن خير مَن طاف وسعى، أنا ابن خير مَن حجّ ولبّى، أنا ابن مَن حُمِل على البُراق في الهواء، أنا ابن مَن أسريَ به من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى، أنا ابن من بلَغَ به جبرئيل الى سِدرة المنتهى، أنا ابن من دَنا فتدلّى، فكان قابَ قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليلُ ما أوحى، أنا ابن محمّدٍ المصطفى، أنا ابنُ عليّ المرتضى، أنا ابن من ضَرَبَ خَراطيم الخَلق حتى قالوا: لاإله إلا الله، أنا ابن من ضرَبَ بين يدَي رسول الله بسيفَين وطعن برمحَين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وقاتلَ بِبدرٍ وحُنين، ولم يكفر بالله طَرفةَ عين، أنا ابن صالح المؤمنين (أي الامام علي بن أبي طالب (ع))، ووارث النبيّين، وقامع الملحدين، ويعسوب المسلمين، ونور المجاهدين، وزين العابدين، وتاج البكّائين، وأصبرِ الصابرين، وأفضل القائمين، مِن آل ياسين ربِّ العالمين. أنا ابن المؤيّد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، وقاتل المارقين والناكثين والقاسطين، والمجاهدِ أعداءه الناصبين، وأفخر مَن مشى مِن قريشٍ أجمعين، وأول من أجاب واستجاب لله ورسوله من المؤمنين، وأول السابقين، وقاصم المعتدين، ومُبيد المشركين، وسهم من مَرامي الله على المنافقين، ولسانِ حكمةِ العابدين، وناصر دِين الله، وولي أمر الله، وبستانِ حكمة الله، وعيبة علمه، سَمحٌ سخيّ بهيّ، بَهلولٌ زكيّ أبطحيّ، رضيّ مقدامٌ همام، صابرٌ صوّام، مهذّبٌ قَوّام، قاطعُ الأصلاب، ومُفرّق الأحزاب، أربطّهم عِناناً، وأثبتهم جَناناً، وأمضاهم عزيمة، وأشدّهم شكيمة، أسدٌ باسل، يَطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنّة، وقَرّبت الأعنّة، طَحن الرَّحى، ويذروهم فيها ذَروَ الريح الهشيم، ليث الحجاز، مكّيّ مدنيّ، خيفيّ عَقَبيّ، بَدريّ أحديّ، شَجَريّ مهاجريّ، مِن العرب سَيّدها، ومِن الوغى ليثها، وارث المشعَرين، وأبو السبطَين، الحسن والحسين، ذاك جَدّي علي بن ابي طالب. ثم قال: أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء، أنا ابن خديجة الكبرى، أنا ابن المقتول ظلماً، أنا ابن محزوز الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتى قضى، أنا ابن طريح كربلاء، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء، أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء، أنا ابن من ناحت عليه الجن في الأرض والطير في الهواء، أنا ابن من رأسه على السنان يهدى، أنا ابن من حُرمهِ من العراق الى الشام تُسبى... فلم يزل يقول: أنا أنا، حتى ضَجّ الناس بالبكاء والنَحيب، وخشِيَ يزيد لعنه الله أن ينقلب الأمر عليه، فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام. فلما قال المؤذّن: الله أكبر، الله أكبر... قال الامام علي بن الحسين (زين العابدين (ع)): لاشئ أكبر من الله، كبرت كبيراً لايقاس. فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله... قال الامام (ع): شَهد بها شَعري وبَشري ولحمي ودَمي. فلما قال المؤذن: أشهد أنّ محمَّداً رسول الله... إلتفت الامام علي بن الحسين (ع) مِن فوق المنبر الى يزيد فقال (ع): محمّد هذا جَدّي أم جَدّك يايزيد ؟، فإن زعمتَ أنّه جَدّك فقد كذبتَ وكفرت، فإن زعمتَ أنه جَدّي فلِمَ قتلتَ عترته. فنزل الامام زين العابدين (ع) من المنبر، هذا وقد تفرق من كان في المسجد، وإلتفوا حول الامام (ع)، ولما خَشيّ يزيد الفتنة وانقلاب الأمر، عجل بإخراج الامام (ع) والعيال من الشام الى وطنهم ومقرهم. وقد تجلّت خطابات السيدة زينب والامام زين العابدين (ع) آثارها في نفوس الناس ظلّت أصداؤها تتداولها الاجيال على مرّ القرون. المصادر / (الحسين وبطلة كربلاء) ـ الشيخ العلامة محمد جواد مغنية / (نساء أهل البيت) ـ أحمد خليل جمعة / (السيدة زينب) ـ د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) / (كربلاء الحضارة والتاريخ) ـ سيطبع قريباً ـ د. رؤوف محمد علي الانصاري .
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً