حجم النص
عباس عبد الرزاق الصباغ عندما يدلف عاشوراء في موسمه الدراماتيكي الجنائزي الحزين تنفتح أمام المستشرف لحقيقة عاشوراء الحسين آفاق واسعة جدا من البطولات والتضحيات والكرامات والإيثار والحماسة والرجولة والسمو ونكران الذات والارتقاء بالشهادة من اجل المبادئ التي ارتبطت كلها بشخص الحسين ومجموعة صغيرة جدا من أصحابه وبنيه وبني عمومته التحقوا به اختيارا طوعيا قياسا الى جيش جرار وشرس وفتاك أتى من تخوم الشام ليقاتله ـ اي الحسين ـ او يُلقي القبض عليه ليؤخذ أسيرا ذليلا الى عدوه خليفة الشام وُثق ذلك بسيناريو عارم احتفظت بأرشيفه اغلب الموسوعات والمراجع والمصادر الإسلامية والاستشراقية وغيرها ولم تترك شاردة ولا واردة من سويعات عاشوراء الرهيبة الدامية بدقائقها المكتظة بالآلام والفواجع والمواجع تلتها أيام سود عجاف تهتز منها الصم الصياخيد، إلا ودونتها بكل جزئياتها وحيثياتها وثيماتها وقصصها وحكاياتها وسيناريوهاتها وحواراتها بل وأضافت عليها مايثير عاطفة الجماهير الجياشة وحماستهم المستعرة، حدثت المعركة وكانت ثمة عاشوراءُ لان الحسين أبى الخنوع والخضوع ورفض التنازل بأكبر وأضخم (لا) ضد الظلم والطغيان والهمجية والاستبداد وعبادة الذات فبقيت لاؤه الطويلة العريضة مدوية أصداؤها طيلة القرون الطويلة التي تعاقبت على مقتله ولحد الان وكلما تحل ذكرى عاشوراء الأليمة يتجدد الحزن السامي استذكارا لمقتل الحسين المدوي كأكبر ميثولوجيا حية ومستمرة على كر السنين وكأنه قتل للتو ولم يخطئ شاعر العرب الأكبر الجواهري في عينيته العصماء حين وصف هذا الامتداد الزمنكاني المستمر المتواتر منذ صبيحة عاشوراء سنة 61 هـ ولحد الان ونحن في عام 1436 اي ما يقارب اربعة عشر قرنا من الاستذكار والإحياء والتفجع وفي آفاق وآماد واسعة جدا من هذا الاستذكار قائلا: تعاليتَ من "فَلَـكٍ" قُطْـرُهُ يَدُورُ على المِحْـوَرِ الأوْسَـعِ فقد كانت عاشوراء وما تزال محورا واسعا يضيق بأحداث وقائعه التاريخ وتتوه في مساربه الأفكار وتضيع في حقائقه ثوابت المنطق لتبقى عاشوراء موسوعة متكاملة للشهادة والفداء واكتظت بأبجديات ملحمية بقيت عسيرة عن الفهم سوى كونها انحدرت من مأساة الحسين التي انقطعت نظائرها اللامعقولة في التاريخ عموما والتاريخ الإسلامي خصوصا تلك النظائر الموغلة في التوحش والهمجية الأعرابية والغوغائية البعيدة كل البعد عن الإنسانية والتمدن والتحضر فكانت عاشوراء فاتحة عهد لملحمة إسلامية كبرى تذكِّر الأجيال الإسلامية ان ماجرى في ظهيرة عاشوراء وحده يختزل أرشيف آلام البشرية وأحزانها وكوارثها المروعة ويعطيها زخما زمنكانيا مأساويا آخر وبعدا لامعقوليا آخر ولهذا كانت عاشوراء لها أبعادها العالمية من جميع الأطياف البشرية وبمختلف تلاوينهم العرقية والاعتقادية والفكرية وعلى مر التاريخ وليس شرطا من قبل المسلمين او من قبل الذين يتخذون من الحسين إماما ومصلحا شاملا لمواطن الخلل والفساد فالكثير من هذه الأطياف احتفوا بالحسين واحتفلوا بعاشوراء الحسين وكربلاء ومازالوا يحتفلون سواء بالكلمة اللاهبة ام بالدمعة الساخنة ام بالعاطفة الجياشة . إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- وللبزاز مغزله في نسج حرير القوافي البارقات
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- وقفه مع التعداد السكاني