حجم النص
عباس عبد الرزاق الصباغ وأخيرا وفي الوقت الضائع اكتشف المجتمع الدولي خطورة التنظيمات الإرهابية على الأمن والسلم الدوليين وأدرك أن الخطر المتأتي من هذه التنظيمات لا يحدق فقط بدول معينة بذاتها وبأجندات خاصة تنفذها هذه التنظيمات ولكن الخطر يبدو اكبر وأكثر شمولا واتساعا ما دامت الأهداف التي يتوخاها الإرهاب هي أوسع من المتوقع بكثير، فالكل مستهدف من التمدد الأخطبوطي لهذه التنظيمات التي تتولى دول كثيرة مسؤولية تمويله وتقديم الدعم اللوجستي والتكتيكي والمالي لإدامة تمدده وانتشاره واندفاعه بقوة وسيطرته على مناطق كانت آمنة من شره في السابق. وعلى القوى العظمى ودائمة العضوية في الهيئات الدولية وصاحبة القرار الاممي كخطوة أولى ـ وهذا اضعف الإيمان ـ الابتعاد عن مجاملة وممالأة بعض الأطراف الإقليمية الداعمة للتنظيمات الإرهابية وبأجندات سيا/طائفية مكشوفة وواضحة للرأي العام العالمي وعدم غض النظر عن نشاطات هذه الدول التي أشعلت الحرائق في متون الشرق الأوسط الكبير فكانت البداية في أفغانستان وباكستان ولم تنته في سوريا والعراق والآتي أعظم واخطر، فهي لا تزال منذ عقود تجند كل إمكاناتها لهذا الغرض، فقد كانت أفغانستان أولى المحطات التي استقطبت ما يسمى "بالجهاديين" او مايسمى بنواة تنظيم القاعدة الذي تحول الى مارد خطير ليس من السهل التحكم به او الحد من خطره. ولهذا جاء مؤتمر باريس الذي عُقد لحشد التأييد الدولي للعراق وقد سبقه مؤتمر آخر مشابه عُقد في جَدة من خلال حراك أميركي ـ إقليمي ودولي لذات المسعى المؤدي الى مجابهة تنظيم "داعش" الإرهابي وما يسمى بدولة "الخلافة الإسلامية" وبتمهيد من جولة مكوكية لوزير الخارجية الأميركي (كيري) في الشرق الأوسط أثمرت عن عقد هذا المؤتمر الذي خرج بجملة من التوصيات أهمها محاربة وتدمير "داعش" في ختام اجتماع إقليمي برئاسة وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في دولة طالما وُجهت اليها أصابع الاتهام برعايتها ودعمها للنشاطات الإرهابية لدول الجوار المحيطة بها والعالم. وفي باريس لم يكتفِ المؤتمرون في المؤتمر الدولي الذي عُقد حول امن واستقرار العراق بتقديم تأكيداتهم لدعم العراق بكل الوسائل المتاحة فضلا عن إدانتهم واستنكارهم للأفعال الوحشية التي يقترفها هذا التنظيم البربري وإنما تعهدوا بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي المعنية بمكافحة الإرهاب وقطع التمويل عنه لا سيما القرار(2170) وهي خطوة مهمة للحد من ظاهرة الإرهاب المستفحلة عالميا، فضلا عن ان المؤتمر الذي عُقد بغياب سوريا وإقصاء إيران (اللاعب الأساسي في الشرق الأوسط والشريك الفاعل في مكافحة الإرهاب)، قد حدد الدول التي تغذي الإرهاب وتموله وتقدم له التسهيلات المادية واللوجستية والمقاتلين الذين صاروا يتطوعون للقتال في صفوف "داعش" من جنسيات شتى منها أوروبية وغربية ومن دول لم تكن في هذا الحسبان!!. ان حجم المشاركة الواسعة في هذا المؤتمر (30 دولة منها 10 دول عربية) إضافة الى الأمم المتحدة والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، يكشف عن حجم القلق الذي يكتنف المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي من تنامي ظاهرة الإرهاب بشكل غير مسبوق..فقد حدد مؤتمر باريس ثلاثة أسباب لانعقاده الذي جاء بطلب عراقي ـ فرنسي مشترك (1/ بحث خطة دولية لمواجهة "داعش". 2/ تجفيف الموارد المالية المغذية له. 3/ تقديم المساعدة الإنسانية للنازحين العراقيين (مايقرب من مليوني نازح) وذات القلق تكشفه نوعية الدول الحاضرة في مؤتمر باريس مثل تركيا والسعودية وقطر (وإيران الغائبة) كون الإرهاب لم يعد يمس العراق فقط بل اتخذ شكلا هلاميا خارج السيطرة في جميع فعالياته وأنشطته. وقد خرج مؤتمر باريس الدولي بعشر توصيات وقرارات هامة تشكل ـ في حال تنفيذها وعدم الاكتفاء بالإدانة فقط ـ خارطة طريق فعالة لمساعدة العراق في مناهضته للإرهاب أهمها تقديم الدعم اللازم للعراق والتمسك بوحدة العراق وسلامة أراضيه والاتفاق على مواصلة الجهود المبذولة وتعزيزها وفق تطور الأوضاع الميدانية في مجال المساعدة الإنسانية والبقاء على "الاستنفار" في ما يخص دعم السلطات العراقية ومحاربة تنظيم "داعش" ومن الممكن ان نسمي هذا المؤتمر بمؤتمر الحشد الدولي لدعم العراق واهم توصية خرج بها المؤتمر هي تقديم الدعم اللوجستي للقوات العراقية وتزويدها بالسلاح والغطاء الجوي. ان خطورة تنظيم "داعش" كشفت عن الحاجة الماسة الى حشد دولي لمجابهته والى توافق عالمي بشأنه وتوحيد المواقف الاممية ضمن ستراتيجية طويلة الأمد، فقد صار واضحا انه ليس بمقدور أية دولة ان تكافح الإرهاب بمفردها وبإمكاناتها الذاتية وان كانت على مستوى متقدم من هذه الإمكانات فلا بد من تعاون الأسرة الدولية في هذا المجال وتضافر جهودها مجتمعة. إعلامي وكاتب مستقل باحث مختص بالشؤون العراقية [email protected]
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟
- حادثة "كروكوس سيتي" أليست رسالة دولية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين"