- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
دور المبادئ العامة للقانون في تطوير النظام القانوني والقضائي
حجم النص
بقلم:فارس حامد عبد الكريم* مقدمة القانون وعاء القيم، بمعنى انه يقوم على جملة من المثل الاخلاقية والاقتصادية والسياسية والواقعية التي تلبي حاجات مجتمع ما في مكان وزمان معينين، إلا ان للقيم حسب الاصل صبغة انسانية عامة فقيم مثل العدالة والحرية والمساواة، هي افكار انسانية لا يختص بها مجتمع معين، فقد تناولت الشرائع القديمة ومن ثم الفلسفات الاغريقية ومن ثم الرومانية والشريعة الاسلامية بحث ودراسة هذه القيم متفقة على قواعد جوهرية تحكمها وإن وقع الخلاف في تحديد مدياتها وآثارها بالنظر إلى الطبيعية الاجتماعية والسياسية لكل مجتمع، فجوهر العدالة، على سبيل المثال واحد ولكن مضمونها قد يتغير نسبياً بإختلاف ظروف الزمان والمكان، وإذا كان لكل علم من العلوم الطبيعية او الإنسانية ثوابت او بديهيات تكون بمثابة الأساس الذي تستند عليه مجمل معطيات ذلك العلم وهي نقطة انطلاق في البحث وإيجاد الحلول للإشكاليات التي يعنى بها ذلك العلم، وإذا كان لعلوم مثل الرياضيات والهندسة والفيزياء والكيمياء... وغيرها من العلوم الطبيعية ثوابت وبديهيات ثابتة ومطلقة لا تتغير، فان لعلم القانون ثوابته مع الفارق المستمد من إختلاف طبيعة كل منهما ذلك ان بديهيات القانون قابلة للتطور وتحكمها عوامل النسبية ومتطلبات مواكبة الحياة المعاصرة فهي ثابتة من حيث الفكرة الأساسية ولكنه ثبات نسبي من حيث المضمون.، وعلى هذا النهج استقرت في علم القانون مجموعة من المبادئ القانونية العامة العليا التي تستند عليها جل معطياته دونما حاجة لنص تشريعي ينص عليها لانها تستند إلى معطيات العقل والمنطق وضرورات الحياة الاجتماعية في بعض الاحيان. وإذا كانت التشريعات الوضعية عموماً تشير إلى هذه القيم، فانها تشير اليها بشكل مجرد دون تفسير أو تعريف أو دون الاشارة إلى مضمونها وآثارها، لان التفسير والتعريف وتحديد الآثار المترتبة عليها هو من عمل الفقه والقضاء. تعريف المبادئ العامة للقانون: لا يمكن حصر المبادئ العامة في اطار حدود معينة، لانها قابلة للخلق وللتطور النسبي بمرور الزمن. ورغم إقرار جميع فقهاء القانون بالأهمية الكبرى لمبادئ القانون العامة باعتبارها تعبر عن حيوية النظام القانوني وأداة من أدوات تنميته وتطويره، فانه لا يوجد اتفاق فقهي على تحديد المقصود منها. ويذهب رأي الى ان المبدأ العام هو قاعدة القواعد القانونية،بمعنى قابلته على الانطباق على قواعد قانونية أخرى بحيث تكون الأخيرة تطبيقاً للمبدأ العام، وإذا أخذنا المبدأ العام على هذا المعنى، فإنها يصبح فكرة فنية المقصود منها وضع بناء منطقي متماسك للقواعد القانونية. وعرفها الفقيه بيسكاتوري بأنها، (مجموعة من المبادئ التي تستخدم في توجيه النظام القانوني، من حيث تطبيقه وتنميته، ولو لم يكن لها دقة القواعد القانونية الوضعية وانضباطها) ونبه الفقيه ريبير الى ضرورة تحاشي تعريف المبادئ العامة للقانون، وهو يعتقد ان المبادئ العامة يمكن التعرف عليها عندما تقع مخالفة لها، فلئن كان من الصعب تعريف المبدأ الأساس في احترام الملكية الخاصة، الا انه يمكن التعرف على المبدأ عند مصادرة الملكية دون مقابل وبطريقة تحكمية. وعرفها الفقيه الفرنسي اندريه دي لوبادير بأنها(عدد من المبادئ التي لا تظهر مصاغة في نصوص مكتوبة ولكن يعترف بها القضاء باعتبارها واجبة الاتباع من الإدارة وان مخالفتها تمثل انتهاكاً للمشروعية). اهمية المبادئ العامة للقانون: من الواضح أن المبـادئ العـامة للقـانون قواعد غير مكتوبة حسب الأصل وان من أنشأها هو القضاء وخاصة قضاء مجلس الدولة الفرنسي وواكبه في ذلك مجلس الدولة المصري الذي أنُشيء عام 1946 على غرار مجلس الدولة الفرنسي، إلا ان الفقه يكاد يجمع على أنها قواعد أساسية وجوهرية لا يمكن ان يخلو منها أي نظام قانوني، بمعنى أنها تكاد تفوق أهميتها الموضوعية أهمية القواعد المكتوبة. ولذلك يصفها مفوض الحكومة ليتورنيه بأنها (مبادئ كبرى)، ويرى الفقيه جان ريفيرو انها (تمثل الفلسفة السياسية للأمة). ويرى جوبتير شوديه ان هذه النظرية تمثل (جرأة مجلس الدولة الفرنسي وقدرته على الخلق والإبداع من اجل الاضطلاع بمهمته وأداء واجبه في حماية الحقوق والحريات). ويعتقد الفقيه لافريه أن المبادئ العامة للقانون تعالج صمت النصوص القانونية وغموضها وتسد مسد التقنين في القانون المدني والتجاري وتعتمد على المبادئ العامة للعدالة والمساواة. وعلى النحو تتمثل أهمية المبادئ العامة للقانون بإعتبارها مصدراً من مصادر القانون، في مجموعة قواعد قانونـية يكشف عنها القضاء من المعتقدات الراسخة في ضمير الامة، وطبيعة النظام القانوني في الدولة وروح التشريعات المختلفة وحكمة التشريع، ومن ثم تعد المبادئ العامة للقانون بمثابة تفسير من جانب القضاء للضمير العام ولإرادة المشرع. مضمون المبادئ العامة للقانون: المبادئ القانونية، اما ان تكون مكتوبة أو غير مكتوبة. والمبادئ القانونية غير المكتوبة، إنما تستقر في ذهن وضمير الجماعة، تمليها العدالة المثلى وهي تستند الى المنطق والعقل والحدس وطبيعة الأشياء وقواعد العدالة والأخلاق ولا تحتاج الى نص يقررها ويمكن ان تستمد منها قواعد قانونية ملزمة يتعين الخضوع لها، يعمل القاضي على الكشف عنها وتقريرها مستلهماَ اياها من روح الدستور والتشريع، فيعلنها من خلال احكامه معطياً إياها القوة الإلزامية، ومن ثم يتعين على الجميع احترامها والالتزام بها، ويعد كل تصرف مخالف لها معيباً بعيب مخالفة القانون. وكثيرا من مبادئ القانون العامة تحولت الى قواعد قانونية مكتوبة عندما يتبناها المشرع وهو بصدد سن التشريعات المختلفة. ويتنوع مضمون المبادئ العامة بحسب طبيعة المجال القانوني الذي تعمل فيه، إلا انه يمكن إرجاعها من حيث أساسها وجوهرها حسب احكام القضاء الفرنسي والمصري الى مبدأين أساسيين هما مبدأ الحريــة ومبدأ العدالة: أولاًــ المبادئ القانونية المشتقة من قيم الحرية: اذا ورد النص في الدستور على احترام الحريات العامة والفردية، فان هذا النص يترتب عليه المبادئ القانون العامة التالية: الحق في حرية التفكير والضمير، مبدأ حرية التعبير والنشر والنقد، مبدأ حرية الإرادة والمعتقد، مبدأ ان لا تقييد للحريات العامة إلا بقانون، مبدأ احترام الحقوق المكتسبة، مبدأ عدم رجعية القانون, مبدأ لا تكليف بمستحيل مبدأ بطلان الالتزامات المؤبدة، مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق. مبدأ بطلان التصرفات نتيجة الإكراه. مبدأ عدم جواز الالتزامات المؤبدة، مبدأ ان الأصل براءة الذمة، مبدأ الملكية الخاصة والحرية الفردية مكفولتان في حدود القانون، حرية الفكر والثقافة والبحث عن المعلومات والحصول عليها, مبدأ إتاحة دعوى قضائية لكل من تضررت مصالحه, مبدأ خضوع كل سلطة إدارية للرقابة، ويتفرع عنه مسؤولية اعضاء السلطة التنفيذية امام البرلمان. مبدأ حق الدفاع امام القضاء، مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، مبدأ ان الشعب مصدر السلطات، مبدأ ضرورة سير المرفق العام بانتظام. ثانياً: المبادئ التي ترجع الى قيم العدالة: يترتب على مبدأ العدالة التي هي غاية كل قانون سواء نص عليها صراحة أو لم ينص المبادئ القانونية العامة التالية: مبدأ مساواة المواطنين امام القانون, مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون, مبدأ ان الغلط الشائع يقوم مقام القانون، مبدأ حق الحياة لكل فرد, مبدأ تغير الأحكام بتغير الأزمان, مبدأ مساواة المواطنين في الانتفاع من المرافق العامة, مبدأ المساواة في تحمل التكاليف والأعباء العامة, مبدأ المساواة بين الجنسين في الوظائف العامة, مبدأ المساواة في الضريبة, مبدأ المساواة في مباشرة الاعمال الاقتصادية , مبدأ المساواة في المعاملة , مبدأ تفوق المعاهدة الدولية على القانون الداخلي. مصادر المبادئ العامة للقانون: كان للفلسفة الاغريقية ومن ثم الفقه القانوني الروماني دور بارز في تعميم فكرة المبادئ العامة للقانون مثل مبدأ (الافراط في التطبيق الحرفي للقانون اغراق في الظلم) ومعنى ذلك انه اذا ادى تطبيق القانون حرفيا الى الحرج والعسر والقسوة فيصار الى تطبيقه بشيء من المرونة والرحمة باستيحاء الحكم من روح القانون لا من مفهومه الحرفي. وكان البريتور الروماني يطور احكام القانون من خلال ما يعرف بالمنشور البريتوري الذي يتضمن المبادئ والقواعد التي سيتبناها اثناء ممارسته لمنصبه القضائي، وجاء في منشور لبريتور من العصر الذهبي للقانون الروماني وهو العصر العلمي (130ق.م 284م) مانصه (لن اعتبر صحيحا ماتم تحت الرهبة) ومعيار الرهبة عند البريتور، هو معيار الشخص الثابت الجنان، اي ان من شأن الرهبة ان تدخل الروع في قلب القوي، فلا يحمي البريتور الجبان. واذا كان القانون الروماني قد بدأ قانوناً شكلياً فان دور الارادة بدأ يغزو القانون الرومانى منذ العصر العلمى بانفتاح المجتمع الرومانى على الخارج ودور الأجانب فى الأسواق المالية الرومانية وظهور قانون الشعوب وتأثر الرومان به مع الأجانب وكذلك الدور الرائد والإيجابى الذى قامت به الفلسفة اليونانية فى المجتمع والقانون الرومانى وانتقلت به الى آفاق أكثر إنسانية وجاءت بأحكام وقواعد ومبادئ قانونية وعلى رأسها جميعا، مبدأ دور الإرادة فى إبرام التصرفات القانونية من حيث إنشاء العقد وترتيب الآثار عليه، مبدأ حسن النية، مبدأ الوفاء بالعهد واحترام الكلمة المعطاة " وبفضل هذه الفلسفة فُتحت صفحة جديدة فى القانون الرومانى ليصبح فى النهاية قانوناً عالمياً. هذه المبادئ التي تكونت وترسخت في الاحكام القضائية بمرور الزمن، جمعت وهذبت من قبل الامبراطور الروماني جستنيان (482 – 565) ميلادية، وعرفت هذه باسم مدونة جستنيان في الفقه الروماني او (مدونة القانون المدني) وهو الاسم المعاصر للمدونة، والتي حفظت القوانين ومبادئ الاحكام القضائية الرومانية والتي اصبحت فيما بعد مصدراً للقواعد القانونية الاساسية في اوربا وخاصة فرنسا والتي انتقلت من خلاله الى القوانين العربية مثل مصر ثم العراق وغالبية البلدان العربية التي تتبع النظام القانوني اللاتيني، وصُدِّر الامبراطور قانونه المدني بهذه العبارة: (إلى الشبان الراغبين في دراسة القانون: يجب أن يسلح جلالة الإمبراطور بالقانون كما يجب أن يعلو مجده بقوة السلاح، حتى يسود بذلك الحكم الصالح في الحرب والسلم على السواء، وحتى يتبين للناس أن الحاكم... لا تقل عنايته بالعدالة عن عنايته بالنصر على أعدائه). ولازالت هذه المدونة إلى اليوم مرجعاً مهماً للباحثين والفقهاء والقضاة في انحاء المعمورة خاصة في الدول التي تتبع النظام القانوني اللاتيني بهدف التعرف على أصل كثير من المبادئ والقيم القانونية، وقد تضمنت المدونة مفاهيم اساسية حول العدالة والمساواة والحرية والتعاقد وغيرها، فقد ورد في هذه المدونة على سبيل المثال تعريف العدل بانه (العــدل هو حمل النفس على إيتاء كل ذي حـق حقـه والتزام ذلـك عـلى وجـه الـدوام والاسـتمرار). في نطاق المساواة جاء في مدونة جستنيان مبدأ (مساواة غير المتساويين ظلم فاحش). وفي نطاق العقد جاء في المدونة اشارة الى السبب العقدي تمثلت بمقولة (الباعث الكاذب لا اثر له في قيام العقد). وفي العصور الحديثة يرجع الفضل في كشف واستنباط المبادئ العامة للقانون الى مجلس الدولة الفرنسي من خلال ما اصدره من احكام منذ انهيار الجمهورية الثالثة وهزيمة فرنسا في الحرب العالمية الاولى وسقوط دستورها، وما رافق ذلك من اعتداء وتجاوز على الحريات العامة، فتدخل مجلس الدولة للذود عنها من خلال نظريته في مبادئ القانون العامة ليحلها محل الدستور، تلك المبادئ التي رأى المجلس انها استقرت في ضمير الجماعة وتبقى قائمة فيه على الرغم من سقوط النظم او الوثائق الدستورية التي تقررها. ومن الميزات الأساسية للمبادئ العامة للقانون أنها حسب الأصل، لا تستمد قوتها الإلزامية من نص تشريعي مكتوب وعلى هذا النحو فان مجلس الدولة الفرنسي يؤكد في كل مناسبة بان المبادئ العامة للقانون واجبة التطبيق بون حاجة لنص تشريعي يقررها. وحسب شراح القانون ورائدهم في ذلك الأستاذ ريفيرو ومن ثم الأستاذ جين في رسالته (المبادئ العامة والأحكام القضائية والإدارية) فان مجلس الدولة الفرنسي قد لجأ الى اربع طرق وهو يستنبط او يستخلص المبادئ العامة للقانون وهي: 1ـ استنباط المبدأ العام من جوهر النظام القانوني أو من طبيعة الأشياء أو متطلبات العدل والإنصاف والرحمة. 2ـ استنباط المبدأ العام من المعتقدات الراسخة في ضمير الامة. 3ـ استنباط المبدأ العام من روح نصوص قانونية معينة أو من مبادئ كانت سائدة في قوانين ملغية. 4ـ استنباط المبدأ من خلال تعميم نصوص تتعلق بحالات جزئية محددة. ويرى الفقيه الفرنسي الاستاذ فالين ان مهمة القضاء هي استنباط هذه المبادئ من روح التشريع العام ومن الضمير العام للجماعة. ويرى الاستاذ سليم بطارسة ان هذه المبادئ تستنبط من روح التشريعات السابقة ومن ضمير الجماعة والظروف الموضوعية المحيطة. ويعطي الفقيه جان ريفيرو هذه المبادئ وظيفة سلوكية من حيث قدرة هذه المبادئ على طرح قواعد جديدة أو على الأقل افكار مرشدة جديدة. ففي قضية (دام بينت) استخلص مجلس الدولة الفرنسي ودون الاستناد الى نص قانوني محدد مبدأ قانونياً عاماً جديداً مفاده انه (لا يجوز فصل عاملة وهي حامل)، وهذا المبدأ يمكن تطبيقه على كل الموظفات. ولا شك ان العاملة الحامل تتحمل عبأً اجتماعياً اضافياً هو في النهاية يصب لصالح المجتمع ومن ثم ليس من العدالة بشيء ولا من طبيعة الامور (حماية النسل) فضلاً عن ان ضمير الجماعة لاشك سيتأثر بهذا الفصل في هذا الوقت بالذات (الحمل)، فإن ايجاد مثل هذا المبدأ يعد امراً ضرورياً وحاسماً ولو لم ينص عليه المشرع. ويصنف جانب من الفقه ومنهم الفقيه جان ريفيرو المبادئ العامة للقانون حسب مصدرها وكيفية اشتقاقها على النحو التالي: اولاًــ المبادئ المشتقة من روح الدستور: وهي المبادئ التي تم اشتقاقها من الدساتير نفسها ومن مقدمات الدساتير ومن الفلسفة السياسية السائدة في عصر ظهورها. مثال ذلك مبدأ المساواة بين المواطنين، ومنه مساواة الجنسين امام الوظيفة العامة، مبدأ عدم رجعية القوانين والانظمة والقرارات الادارية، مبدأ احترام الحقوق المكتسبة، مبدأ مساواة شهادة الجامعات الحكومية و الجامعات الخاصة من حيث الحقوق والامتيازات والتعيين في الوظيفة العامة، مبدأ عدم جواز تقييد الحريات العامة إلا بقانون،.... ثانياًـ المبادئ القانونية المشتقة من روح القانون المدني والقوانين الاجرائية: وهي المبادئ التي اشتقها من القانون المدني وقانون اصول المحاكمات والمرافعات وطبقها على قوانين أخرى مثل القانون الاداري وقانون العمل وقانون الوظيفة العامة والتأديب وغيرها. مثل مبدأ لا تكليف بمستحيل، مبدأ بطلان الالتزامات المؤبدة، مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق, مبدأ بطلان التصرفات نتيجة الإكراه، مبدأ عدم جواز الالتزامات المؤبدة، مبدأ ان الأصل براءة الذمة.... وحق الدفاع والاستعانة بمحامي امام اللجان التأديبية وحق الموظف بالإطلاع على ملفه الشخصي اثناء التحقيق، وحجية الامر المقضي به، وحياد اللجان التحقيقية.... ثالثاًـ المبادئ المستمدة من ضرورة الآمن الاجتماعي واستقرار المعاملات في المجتمع: مثل نظرية الموظف الفعلي، ونظرية الوضع الظاهر، والغلط الشائع يقوم مقام القانون، ونظرية الظروف الاستثنائية، ومبدأ ضرورة استمرار سير المرافق العامة، ومبدأ كل قرار اداري يقبل الطعن بالإلغاء، ومبدأ ان ليس للوزير ان يرفض سلطته الاساسية، ومبدأ لا يجوز تفويض التفويض. رابعاًــ المبادئ العامة المستقاة من فكرة العدل والحرية الصدق والعقلانية: مثل مبدأ حق الحياة لكل فرد, مبدأ تغير الأحكام بتغير الأزمان, مبدأ مساواة المواطنين في الانتفاع من المرافق العامة, مبدأ المساواة في تحمل التكاليف والأعباء العامة, مبدأ المساواة بين الجنسين في الوظائف العامة, مبدأ المساواة في الضريبة، مبدأ التناسب بين الذنب والعقوبة، مبدأ علانية المرافعات القضائية. فالقوة الذاتية للمبادئ العامة للقانون لا تحتاج لنص وذلك بهدف احترام مبدأ المشروعية، ونرى مجلس الدولة الفرنسي يقرر في أحد أحكامه (ان الطعن لتجاوز السلطة متاح وممكن حتى بدون نص ضد كل قرار إداري وفقاً للمبادئ العامة للقانون وذلك بهدف احترام مبدأ المشروعية) وقد استطاع مجلس الدولة الفرنسي ان ينشئ هذا المبدأ القانوني العام بأن قام بتعميم حكم هذه النصوص المتفرقة وأعطى لهذا الحكم طابع القاعدة العامة أو المبدأ العام الذي يعمل خارج هذه النصوص ليطبقه على كل قرار يتضمنه طابع الجزاء. أما الأستاذ فيدل فيرى بشأن المبادئ العامة إن (المبدأ العام لا ينشأ بطريقتي الابتكار والاختراع، إنما بطريق الاكتشاف بواسطة القاضي... ويأخذ كمثال مبدأ احترام حقوق الدفاع فهو حس وجهة نظره (يتولد عن طريق الملاحظة، من خلال نصوص عديدة تشريعية ولائحية تقرر حقوق الدفاع في فروض محددة. يجب ان نفترض ان هذه النصوص ليست سوى تطبيق على هذه الحالة أو تلك لمبدأ عام يمثل مصدرها جميعا). ويرى د. محمد رفعت عبد الوهاب انه (يتمثل هذا الأسلوب في تعميم أحد الحلول أو أحد القواعد الجزئية التي قررتها نصوص متفرقة في حالات خاصة). القيمة القانونية للمبادئ العامة للقانون: هناك ثلاثة اتجاهات بشأن القيمة القانونية للمبادئ العامة للقانون: الاتجاه الأول: ويذهب إلى ان للمبادئ العامة للقانون قيمة القانون العادي، وكان هذا الرأي سائداً في فرنسا قبل عام 1958، ومن ثم فان على القاضي ان يحترم هذه المبادئ كاحترامه للقانون العادي، ومن الفقهاء الذين ايدوا هذا الرأي الفقيه الفرنسي المعروف اندريه دي لوبادير، ويترتب على هذا الاتجاه نتيجة مفادها ان وضع قيد أو استثناء على المبدأ العام هو من اختصاص المشرع وحده، وتطبيقاً لذلك قرر مجلس الدولة الفرنسي في حكم دام دافيد: (ان من حق المشرع وحده ان يحدد أو يوسع أو يضيق من نطاق المبدأ العام)، ويصرح مفوض الحكومة شينو بأن المبادئ العامة للقانون المعروفة على امتداد الاقليم الفرنسي لها قيمة تشريعية. الاتجاه الثاني: ويذهب ان للمبادئ القانونية قيمة اعلى من الانظمة وادنى من القوانين، وحجة هذا الاتجاه ان القاضي لايملك حق تقدير الملائمة بين القانون والمبدأ العام، حيث سلطة القاضي بشأن القوانين الصادرة من البرلمان هي مجرد سلطة تفسيرية دون أن يملك حق تقدير مشروعيتها. ومن الفقهاء الذين يؤيدون هذا الرأي الفقيه شابو وبعض الفقهاء المصريين. الاتجاه الثالث: ويذهب إلى ان للمبادئ العامة للقانون مرتبة القواعد الدستورية على الاقل، وهي بذلك تتفوق على قواعد القانون العادي. وساد هذا الاتجاه بعد صدور دستور عام 1958. واغلب احكام مجلس الدولة الفرنسي تذهب إلى هذا الاتجاه في الوقت الحاضر، ومن اولى القضايا التي غلب فيها مجلس الدولة الفرنسي المبادئ العامة للقانون على التشريعات العادية قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 18 فبراير 1950 قضية وزير الزراعة ضد السيدة لاموت، بموجب هذا القرار قضى مجلس الدولة بأنه يوجد مبدأ قانوني عام مفاده أن كل قرار صادر عن الإدارة يمكن أن يكون موضوع طعن من أجل تجاوز السلطة حتى و لو لم يكن هناك نص بذلك. وحجة القاضي في ذلك ان المبادئ العامة للقانون تشتق من مقدمات الدساتير ومن اعلانات الحقوق وهي تشريعات اعلى من التشريعات الصادرة عن السلطة التشريعية. وملخص القضية، ان قانون 17 اب 1940 أعطى لمحافظي المحافظات سلطة منح المستثمرات الزراعية المهجورة منذ أكثر من عامين للغير من أجل استثمارها فورا، و تطبيقا لهذا القانون صدر مرّتان قرار من المحافظ بمنح أراضي السيدة لاموت و لكن مجلس الدولة ألغاهما ؛ و لكن في تلك الفترة صدر قانون 23 ايار 1943 - أساسا في مواجهة موقف القضاة - و نص بأن منح الأراضي في ظل هذا القانون لا يمكن أن يخضع لأيّ طعن إداري أو قضائي، و على أساسه أصدر المحافظ قرارا جديدا بمنح أراضي السيدة لاموت من جديد. و كان من المفروض أن يصرح مجلس الدولة في هذه المرة عدم قبول الطعن، و لكنه عوض ذلك اتخذ موقفا جريئا و ضروريا لحماية الأفراد من تعسف الإدارة و صرح بأنه يوجد مبدأ قانوني عام مفاده أن كل قرار إداري يمكن أن يكون محل طعن من أجل تجاوز السلطة ولو بدون نص يقضي بذلك. و قد تأكد هذا الإجتهاد القضائي فيما بعد عدة مرات، و تطبيقا له أصبح من المستحيل على السلطة التنفيذية أن تمنع الطعن في قراراتها من أجل تجاوز السلطة. وفي قرار مهم في لمجلس شورى الدولة اللبناني تقرر فيه اقرار الحق لصاحبته رغم مرور مهلة المراجعة المقررة قانوناً وقد استند المجلس في قراره الى مبدأ مساواة المواطنين امام القانون، باعتبار ان هذا المجلس قد أصدر عدة قرارات عائدة لموظفي هم في وضع مشابه لوضعها، حسبما جاء في قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 152 في27/5/1992 وملخص القضية ان المستدعية الأكاديمية اللبنانية وتخرجت منها حاملة شهادة جامعية، وانه وعرضت شهادتها على لجنة المعادلات التي قررت أنَّ شهادتها هي شهادة جامعية رسمية، وانه كان على وزارة التربية أنَّ تصنفها برتبة وراتب أستاذ تعليم ثانوي في الدرجة الاخيرة، وجاء في حيثيات القرار (أن رفض الإدارة تصحيح وضعها مخالف لنص المادة 44 المشار اليها ومشوب بعيب تجاوز حد السلطة فيقتضي إبطال قرار الرفض وإعلان حقها بالتصنيف وفاقاً لأحكام هذه المادة. 2- أنَّه يقتضي تصحيح وضع المستدعية على أساس مبدأ المساواة، باعتبار ان هذا المجلس قد أصدر عدة قرارات عائدة لموظفي هم في وضع مشابه لوضعها، وأن مبدأ المساواة واجب التطبيق حتى بالنسبة لمن انقضت مهل المراجعة بحقهم.) ومن القرات المهمة لمجلس شورى الدولة اللبناني، ما جاء بصدد اغفال القانون الجديد الاشارة الى الاحكام الانتقالية بالنسبة للحالات التي اكتملت في ظل القانون القديم الا ان الاجراءات الادارية لم تكتمل الا بعد نفاذ القانون الجديد في قراره رقم 129 لسنة 1986، وملخص القضية: ان المستدعي حصل عل على شهادة التحاليل الطبية بموجب قانون مزاولة المهن الطبية الصادر بتاريخ 26/12/1946، وحينما باشر بتقديم طلب للحصول على اجازة فتح مختبر تحليل صدر قانون جديد في 17/1/1979 يضع شروطاً جديدة غير متوفرة في المستدعي، فرفضت وزارة الصحة منحه الرخصة. وجاء في القرار (وبما ان عدم لحظ قانون 17/1/1979 صراحة، احكاماً انتقالية للحالات المماثلة التي يمكن ان تنشأ بسبب صدورها لا يعني بشكل اكيد ان المشترع اراد عن قصد عدم رعاية تلك الحالات بأحكام انتقالية خاصة تسمح بتحقيق النتائج المترتبة عنها، لا بل ان العكس هو المفترض، أي ان المشترع يقر ضمناً اعتماد مثل هذه الاحكام، لانه لا يعقل ان يطلب مثلاً من طالب قضى السنوات الطوال في دراسة الطب وفق منهاج يقرره قانون معين ويولي من يستكمله حق الاشتراك بامتحان الكولوكيوم لممارسة مهنة الطب، ان يقضي مجدداً سنوات عديدة في دراسة الطب وفق منهاج جديد لمجرد صدور قانون جديد يفرض هذا المنهاج كشرط للاشتراك في امتحان الكولوكيوم....... فانه يكون من حقه وفقاً للمبدأ الآنف الذكر ان يستفيد من النتائج المترتبة عن هذا الوضع والمرتبطة به ارتباطاً وثيقاً والمتمثلة بالحصول على اجازة فتح مختبر طبي وفق احكام قانون سنة 1946 وفي الحدود التي يفرضها هذا القانون وبما ان كل ما ادلى به خلاف ذلك يكون في غير محله القانوني ويقتضي معه رد جميع الاسباب والمطالب الزائدة والمخالفة,..... يقرر المجلس بالاجماع.... ابطال قرار وزارة الصحة الضمني موضوع المراجعة، والقول بحق المستدعي استناداً لما تقدم بالحصول على اجازة فتح مختبر طبي وفاقاً لاحكام قانون سنة 1946 وفي الحدود التي يفرضها هذا القانون ورد المطالب الزائدة والمخالفة). ................. المصادر: ـ د. مالك دوهان الحسن،المدخل لدراسة القانون،ج1، بغداد. ـ د. عبد الحي حجازي، المدخل لدراسة العلوم القانونية،ج1، القانون. ـ د. عبد المجيد الحكيم، الوسيط في نظرية العقد،ج1، في انعقاد العقد،1968. ـ د. سمير تناغو، النظرية العامة للقانون،1973. ـ د. توفيق حسن فرج، المدخل للعلوم القانونية،1976. ـ د. محمد أحمد رفعت،المبادئ العامة للقانون كمصدر للمشروعية في القانون الإداري،القاهرة،الدار الجامعية للطباعة والنشر. ـ د. عبد المجيد الحكيم، الوسيط في نظرية العقد،ج1، في انعقاد العقد،1968، 18ـ ـ د. سمير تناغو، النظرية العامة للقانون،1973. ـ د. توفيق حسن فرج، المدخل للعلوم القانونية، 1976. ـ محمد رفعت عبد الوهاب، المبادئ العامة للقانون كمصدر للمشروعية، الدار الجامعية، بيروت، 1992. ـ محمود حافظ، القضاء الاداري، ط7، دار النهضة العربية، القاهرة، 1979. ـ مدونة جوستنيان في الفقه الروماني، ترجمة عبد العزيز فهمي، بيروت، 1946. ـ سليمان سليم بطارسة، المبادئ العامة في القانون وتطبيقاتها في فرنسا والاردن، مجلة علوم الشريعة والقانون، المجلد 33، العدد1، 2006. ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني العدد الرابع سنة 1989. ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني العدد السادس سنة 1991 و1992. ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني العدد الرابع سنة 1989. ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني العدد الثالث سنة 1987 - 1988. موقع محامي سوريا، الأحكام والقرارات الإدارية الكبرى في القضاء الفرنسي، الرابط: http://www.damascusbar.org/AlMuntada/showthread.php?t=16140 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * النائب السابق لرئيس هيئة النزاهة 17/7/2014
أقرأ ايضاً
- دور الذكاء الاصطناعي في إجراءات التحقيق الجزائي
- رمزية السنوار ودوره في المعركة
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟