- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
في ذكرى مولد سيد الوصيين وامام المتقين الأمام علي(عليه السلام) )/ الجزء الثالث
حجم النص
بقلم: عبود مزهر الكرخي أسلام أبو طالب كثر الحديث عن أيمان أبو طالب عم نبينا الأكرم محمد(ص) وانه مات كافراً ولم ينطق بالشهادتين وانه هناك حديث ضعيف وحتى فيه شبهه انه حديث للرسول الأعظم محمد(ص) عن حديث الضحضاح عن عمه أبو طالب والذي سوف نورده في نقاشنا. وهذا القول ليس ناتج من فراغ ولكن هو جاء نتيجة املآءات أموية وعباسية وناصبية مبغضة لأمير المؤمنين الغرض منها النيل من مكانة الأمام علي(ع) لأنه أبوه ولأنه يجب القيام بذلك لأنه للنيل من المكانة السامية لأمير المؤمنين روحي له الفداء والمضحك والمثير للسخرية أنهم يقولون أن هند أكلة الأكباد أسلمت وحسن إسلامها وكذلك أبو سفيان رأس الشرك والنفاق أنه أسلم وحسن أسلامه. وكذلك معاوية وغيرهم من اللعناء الذين لعنهم الله ورسوله على لسان نبيه؟ وتكمن المصيبة في تصديق من يتبعهم ويعتبره من المسلمات وأنه لا يجوز النقاش في هذا الأمر؟.كما حدث أن احد الخطباء قد نسى سب الأمام علي(ع) من على المنبر في إحدى المرات في عهد معاوية(لعنه الله) ومن بعده خلفاء بنو أمية الملعونين عند ذلك صرخ المصلون من العامة أين السنة؟ واخذوا يصرخون وكذلك يقولون لقد أمت السنة وأحييت البدعة وهؤلاء هم الدهماء من الهمج الرعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لا يستضيئون بنور العلم؛ فيهتدوا، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق؛ فينجو. ومن هنا سوف نناقش هذا الموضوع وباستفاضة ونحيط به من كل الجوانب وبالدليل والحجة والمنطق والمصدر. عن أبي سعيد الخدري: أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذكر عنده عمّه أبو طالب فقال: (لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة. فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه)!!!! قال المعتزلي شارح نهج البلاغة نقلاً عن الشيعة: ((قالوا: وأمّا حديث الضحضاح من النار فإنّما يرويه الناس كلّهم عن رجل واحد وهو المغيرة بن شعبة، وبغضه لبني هاشم وعلى الخصوص عليّ(عليه السلام) مشهور معلوم، وقصّته وفسقه أمر غير خاف)).(1) وإن تعجب، فإنّك لا تجد المغيرة بن شعبة في طريق حديث الضحضاح الواصلة إلينا، فكيف سكت ابن أبي الحديد عن هذا ولم يردّ على الشيعة؟ مع أنّه ردّ عليهم بما لا يصل إلى هذا من الردود الموهونة. يعني ناقل الحديث هو المغيرة بن شعبة وهو اشد الناس بغضاً على الإمام علي وأهل بيته وهو من أوصل إلى الحكم يزيد الفاسق بإقناع معاوية بذلك من اجل بقاؤه على ولاية الكوفة وهي حادثة طويلة ولكن من خلال ذلك نعرف من هو ناقل الحديث ومن وضعه وهو من رؤوس الشرك والنفاق من أتباع بني أمية وهم الشجرة الملعونة في القرآن الكريم. ولد المغيرة بن شعبة الثقفي سنة عشرين قبل الهجرة، ومات في الكوفة، ودفن فيها سنة خمسين للهجرة، وله سبعين سنة. ولهذا عدّه الشيخ الطوسي(رضي) في رجاله في أصحاب الرسول(ص). كان صاحب غدر ومكر، ففي كتاب « الغارات » قال: (ذكر عند علي(ع) وجدّه مع معاوية، فقال (ع): « وما المغيرة، إنّما كان إسلامه لفجرة وغدرة لمطمئنين إليه من قومه فتك بهم، وركبها منهم فهرب، فأتى النبيّ(ص) كالعائذ بالإسلام، والله ما أرى أحد عليه منذ ادّعى الإسلام خضوعاً ولا خشوعاً، ألا وأنّه كان من ثقيف فراعنة قبل يوم القيامة، يجانبون الحقّ، ويسعرون نيران الحرب، ويوازرون الظالمين... »).(2). فيظهر من ذلك أنّ أصل وضع الخبر من قبل المغيرة كان معروفاً عندهم، ثمّ حدثت بعد ذلك من الزمان هذه الطرق لتمرير الحديث؛ فإنّ فضيحة المغيرة غير مستورة! وهذا النقل وإن لم نجد له مستنداً من طرق الحديث، ولكنّه يجعلنا نشكّك في هذه الطرق ورواتها. فرواة طرقه لا يخرجون عن مطعون فيه، أو مجهول، أو مجسّم. فعبد الملك بن عمير في طريق مسلم والبخاري وأحمد، كان قاضي الكوفة في زمن الأمويين، وهو الذي أجهز على عبد الله بن يقطر رسول الحسين(عليه السلام) وبه رمق(3)، وهو الذي قيل فيه الشعر المعروف لمّا حكم لكلثم بن سريع(4)، فهو لا يبعد عن المغيرة بن شعبة بشيء كثير. وقال ابن حبّان: يدلّس. وقال الدارقطني: تجنّب تدليسه، فهو قبيح [ التدليس ]، لا يدلّس إلّا في ما سمعه من مجروح. وفي طريقهم الثاني، عبد الله بن خبّاب، مولى بني عدّي من بني النجار، وهو مجهول، مسكوت عنه عند الأكثر، غير معروف، قال ابن عدي في (الكامل): ((سمعت بن حمّاد يقول: قال السعدي: عبد الله بن الخبّاب الذي يروي عنه ابن الهاد، سألت عنه فلم أرهم يقفون على جده ومعرفته، قاله السعدي))(5)، وفي (تهذيب الكمال) للمزي: ((قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: سألتهم عنه، فلم أرهم يقفون على حده ومعرفته)).(6) وهناك طريق ثالث عند أحمد ومسلم فيه حمّاد بن سلمة المجسّم، انفرد بذكر أبي طالب عن ابن عبّاس، فهو علّته، وقد ورد الحديث بطرق عن النعمان بن بشير، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، من دون ذكر أبي طالب، فكيف دخل هنا أبو طالب عند حمّاد؟! وقد نصّ الذهبي على أنّ له أوهام(7)، وهذا أحدها. ثمّ إنّ هذه الرواية جاءت من طريق المخالفين، فلا حجّة فيها علينا! والذي يرويه الفريقان، أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال عند جنازة عمّه أبي طالب(عليه السلام): (وصلت رحم، وجزيت خيراً).(8) ونروي عن الصادق(عليه السلام) أنّه قال: (يا يونس! ما يقول الناس في إيمان أبي طالب)؟! قلت: جعلت فداك، يقولون: هو في ضحضاح من نار يغلي منها أُمّ رأسه. فقال: (كذب أعداء الله، إنّ أبا طالب من رفقاء النبيّين والصدّيقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً).(9) أجمع علماء الشيعة على إسلام أبي طالب(عليه السلام) تبعاً لأئمّتهم(عليهم السلام). والأحاديث الدالّة على إيمانه الواردة عن أهل بيت العصمة كثيرة، قد جمعها العلماء في كتب مفردة، وكان من الكتب الأخيرة: (منية الراغب في إيمان أبي طالب) للشيخ محمّدرضا الطبسي. وقد أُلّف في إثبات إيمانه كثير من الكتب، من السُنّة والشيعة على حدّ سواء، وأنهاها بعضهم إلى ثلاثين كتاباً، ومنها: كتاب (أبو طالب مؤمن قريش) للأُستاذ عبد الله الخنيزي. هذا عدا البحوث المستفيضة المبثوثة في ثنايا الكتب والموسوعات، ونخصّ بالذكر هنا ما جاء في كتاب (الغدير) للعلاّمة الأميني في الجزء السابع والثامن منه. وقد نقل عن مفتي الشافعية أحمد زيني دحلان في (أسنى المطالب) عن جماعة من علماء أهل السُنّة: أنّهم ذهبوا إلى ذلك أيضاً، وكتبوا الكتب والبحوث في إثبات ذلك، كالبرزنجي، والأجهوري، وابن وحشي في شرحه لكتاب (شهاب الأخبار)، والتلمساني ـ في (حاشية الشفاء)، والشعراني، وسبط ابن الجوزي، والقرطبي، والسبكي، وأبي طاهر، وغيرهم. بل لقد حكم عدد منهم - كابن وحشي، والأجهوري، والتلمساني - بأنّ من أبغض أبا طالب فقد كفر، أو من يذكره بمكروه فهو كافر.(10) ونقل ابن أبي الحديد في شرحه للنهج عن بعض شيوخ المعتزلة، كابن قائم، والبلخي، وأبي جعفر الاسكافي، قولهم بذلك.(11) وهذه بعض الأدلّة على إيمان أبي طالب: 1- ما روي عن الأئمّة(عليهم السلام) والنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ممّا يدلّ على إيمانه، وهم أعرف بأمر كهذا من كلّ أحد. 2- نصرته للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتحمّله تلك المشاق والصعاب العظيمة، وتضحيته بمكانته في قومه، وحتّى بولده، أكبر دليل على إيمانه. 3- إنّه لو كان كافراً، لشنّع على عليّ(عليه السلام) بذلك معاوية وحزبه، والزبيريون وأعوانهم، وسائر أعداء الإمام عليّ(عليه السلام). 4- تصريحاته وأقواله الكثيرة جدّاً؛ فإنّها كلّها ناطقة بإيمانه وإسلامه، ومنها أشعاره التي عبّر عنها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله: ((قالوا: فكلّ هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر؛ لأنّه إن لم تكن آحادها متواترة، فمجموعها يدلّ على أمر واحد مشترك، وهو تصديق محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومجموعها متواتر)).(12) 5- قد صرّح أبو طالب في وصيّته بأنّه كان قد اتّخذ سبيل التقية في شأن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنّ ما جاء به الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد قَبِلَه الجَنان وأنكره اللسان مخافة الشنآن. وأوصى قريشاً بقبول دعوة الرسول، ومتابعته على أمره، ففي ذلك الرشاد والسعادة.(13) 6- ترحّم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليه، واستغفاره له باستمرار، وحزنه عليه عند موته، وواضح أنّه لا يصحّ الترحم إلاّ على المسلم.(14) 7- وبعد كلّ ما تقدّم نقول: إنّ إسلام أيّ شخص أو عدمه، إنّما يستفاد من أُمور أربعة: أ - من مواقفه العملية، ومواقف أبي طالب قد بلغت الغاية التي ما بعدها غاية في الوضوح والدلالة على إخلاصه وتفانيه في الدفاع عن هذا الدين. ب - من إقراراته اللسانية بالشهادتين، ويكفي أن نشير إلى ذلك القدر الكثير منها في شعره في المناسبات المختلفة. ج - من موقف النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) منه، فالموقف المرضي ثابت منه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تجاه أبي طالب على أكمل وجه. د - من إخبار المطّلعين على أحواله عن قرب وعن حسّ، كأهل بيته، ومن يعيشون معه، وقد قلنا: إنّهم مجمعون على ذلك. بل إنّ القائلين بكفره نفسهم لمّا لم يستطيعوا إنكار مواقفه العملية، ولا الطعن بتصريحاته اللسانية حاولوا: أن يشبّهوا على العامّة بكلام مبهم لا معنى له؛ فقالوا: إنّه لم يكن منقاداً!! ومن أجل أن نوفّي أبا طالب بعض حقّه، نذكر بعض ما يدلّ على إيمانه، ونترك سائره، وهو يعدّ بالعشرات؛ لأنّ المقام لا يتّسع لأكثر من أمثلة قليلة معدودة، وهي: 1- قال العبّاس: يا رسول الله! ما ترجو لأبي طالب؟ قال: (كلّ الخير أرجوه من ربّي).(15) 2- قال ابن أبي الحديد: ((روي بأسانيد كثيرة، بعضها عن العبّاس بن عبد المطّلب، وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة: أنّ أبا طالب ما مات حتّى قال: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله)).(16) 3- كتب أمير المؤمنين(عليه السلام) رسالة مطوّلة لمعاوية جاء فيها: (ليس أُميّة كهاشم، ولا حرب كعبد المطّلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق).(17) فإذا كان أبو طالب كافراً، وأبو سفيان مسلماً، فكيف يفضّل الكافر على المسلم، ثمّ لا يردّ عليه ذلك معاوية بن أبي سفيان؟! 4- ورد عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قوله: (إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأُمّي، وعمّي أبي طالب، وأخ لي كان في الجاهلية).(18) 5- وعنه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً: (إنّ الله عزّ وجلّ قال له على لسان جبرائيل: حرّمت النار على صلب أنزلك، وبطن حملك، وحجر كفلك). أمّا الصلب فعبد الله، وأمّا البطن فآمنة، وأمّا الحجر فعمّه - يعني أبا طالب، وفاطمة بنت أسد - وبمعناه غيره مع اختلاف يسير.(19) اعتراف أبو بكر بإسلام ابو طالب أن النبي صلى الله عليه و آله لما فتح مكة و دخلها أتى أبو بكر بابيه أبي قحافة عند النبي ليسلم على يديه "صلى الله عليه و آله" و كان أبو قحافة أعمى و ذا شيبة فلما أتى به قال له النبي صلى الله عليه و آله- ألا تركت الشيخ "أي أباه" حتى نأتيه، قال يا رسول الله أردت أن يأجره الله عز و جل، و في رواية هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي اليه "ثم قال أبو بكر للنبي صلى الله عليه و آله و سلم": أما و الذي بعثك بالحق لانا كنت أشد فرحا بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي، التمس بذلك قرة عينك، قال: صدقت ".(20) قال: لما اسلم أبو قحافة قال الصديق للنبي صلى الله عليه و آله: و الذي بعثك بالحق لاسلام أبي طالب كان أقر لعيني من إسلامه، و ذلك أن إسلام أبي طالب كان أقر لعينك.(21) "بعض القضايا الدالة على أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان يحب عمه أبا طالب حبا شديدا و ذلك يدل على علو مقام عمه عليه السلام" "قال المؤلف" و مما يدل على علو مقام أبي طالب عند الله و عند رسوله صلى الله عليه و آله نبع الماء له عليه السلام عندما عطش و هو في الصحراء، و قد ذكر ذلك جمع كثير من علماء أهل السنة و علماء الامامية عليهم الرحمة و إليك أولا من خرجه من علماء الشافعية و الحنفية، و هم جماعة. حيث اأنشد شعراً في مدح نبينا الأكرم محمد(ص)إذ يقول: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل تطوف به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل بميزان صدق لا يخس شعيرة * ووزان حق وزنه غير عائل.(22) أولاً موقف الرسول(صلى الله عليه وآله) كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يحبّ أبا طالب ويثني عليه طيلة حياته، ولا يمكن فصل حياة أبي طالب عن سيرة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، كما ذكرناه آنفاً، والآن نذكر بعض الروايات على سبيل الاختصار، والتي تبيّن رأي رسول الله(صلى الله عليه وآله) في أبي طالب ومستوى العلاقة بينهما، ثم نذكر دفاع أئمة أهل البيت(عليهم السلام)والصحابة عنه. جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: أن أبا طالب لمّا مات; جاء علي(عليه السلام)الى رسول الله(صلى الله عليه وآله)فآذنه في موته فتوجع عظيماً وحزن شديداً، ثم قال له: امض فتول غسله، فإذا رفعته على سريره فأعلمني، ففعل فاعترضه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو محمول على رؤوس الرجال، فقال: وصلتك رحم يا عم جزيت خيراً، فلقد ربيت وكفلت صغيراً ونصرت وآزرت كبيراً، ثم تبعه إلى حفرته، فوقف عليه، فقال: أما والله لاستغفرنَّ لك ولأشفعن فيك شفاعة يعجب لها الثقلان.(23) وقد أجاد الشيخ المفيد(رحمه الله) عندما علّق على هذا الحديث بقوله: في هذا الحديث دليلان على إيمان أبي طالب(رضي الله عنه): الأول: أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) عليّاً(عليه السلام) بغسله وتكفينه دون الحاضرين من أولاده، إذ كان من حضره منهم سوى أمير المؤمنين إذ ذاك على الجاهلية، لأن جعفراً(رحمه الله) كان يومئذ ببلاد الحبشة، وكان عقيل وطالب حاضرين وهما يومئذ على خلاف الإسلام، لم يسلما بعد، وأمير المؤمنين(عليه السلام)كان مؤمناً بالله تعالى ورسوله، فخصّ المؤمن منهم بولاية أمره، وجعله أحقّ به منهما لإيمانه وخاصّته إياه في دينه. ولو كان أبو طالب (رضي الله عنه) قد مات على ما يزعمه النواصب من الكفر، كان كل من عقيل وطالب أحقّ بتولي أمره من علي(عليه السلام)، ولما جاز للمسلم من ولده القيام بأمره لانقطاع العصمة بينهما. وفي حكم رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام) به دونهما وأمره إياه بإجراء أحكام المسلمين عليه من الغسل والتطهير والتحنيط والتكفين والمواراة، شاهد صدق على إيمانه كما بيّناه. الثاني: دعاء النبي(صلى الله عليه وآله) له بالخيرات، ووعده اُمته فيه بالشفاعة الى الله واتباعه بالثناء والحمد والدعاء، وهذه هي الصلاة التي كانت مكتوبة إذ ذاك على أموات أهل الإسلام، ولو كان أبو طالب قد مات كافراً; لما وسع رسول الله(صلى الله عليه وآله) الثناء عليه بعد الموت، والدعاء له بشيء من الخير، بل كان يجب عليه اجتنابه واتباعه بالذم واللوم على قبح ما أسلفه من الخلاف له في دينه، كما فرض الله عزّ وجل ذلك عليه للكافرين، حيث يقول: (ولا تصلّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره)(24). وقوله تعالى: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنه عدوٌّ لله تبرأ منه).(25) وإذا كان الأمر على ما وصفناه; ثبت أن أبا طالب(رضي الله عنه)، مات مؤمناً بدلالة فعله ومقاله(صلى الله عليه وآله).(26) جاء في تاريخ الطبري: لما مات أبو طالب; نالت قريش من النبي(صلى الله عليه وآله)، من الأذى ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه تراباً، فدخل رسول الله(صلى الله عليه وآله) بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته تغسل عنه التراب وتبكي ورسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول لها: (يا بنيّة فإن الله مانع أباك، مانالت منّي قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب).(27) وجاء عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)، قال: هبط جبرئيل فقال لي: يا محمد! إن الله عزّ وجلّ مشفعك في ستة: بطن حملتك آمنة بنت وهب، وصلب أنزلك عبدالله بن عبدالمطلب، وحجر كفلك أبو طالب، وبيت آواك عبدالمطلب، وأخ كان لك في الجاهلية، وثدي أرضعك حليمة بنت أبي ذؤيب.(28) وإلى هنا نقف لتوضيح إيمان مؤمن قريش أبو طالب(رض) والتي جلبنا الزبدة من المصادر ولو سطرنا كل الأسانيد لاحتاجت إلى وقفات طويلة وأجزاء عدة ولكن نكتفي بهذا القدر ونسأل من الله أن قد وفقنا في توضيح هذه الفرية العظيمة التي ألصقت بأبو طالب عم نبينا الأكرم محمد(ص) وكافله وأبو سيدي ومولاي أمير المؤمنين روحي له الفداء والذي أوردناها لأنها تعتبر جزء من ظلم التاريخ والتزييف الذي وقع على وصي المصطفى حقاً وأخي رسول الله قسيم الجنة والنار سيدي ومولاي الأمام علي بن ابي طالب(ع). وفي أجزائنا القادمة أن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية سوف نستكمل حلقات التزوير والتحريف والتي كانت تجري بمنتهى الحقد والبغض وبكل حرفية لهذه الشخصية العظيمة ولآل بيت النبوة وكلها تستند على أدلتهم ومصادرهم لنبين ضعف كل تلك الاحاديث والروايات ووهنها. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصادر: 1 ـ شرح نهج البلاغة 14: 70 اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب. 2 ـ (الغارات 2 / 516). 3 ـ تلخيص الشافي 3: 33 فصل في أقوال من خالف إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام). 4 ـ شرح نهج البلاغة 17: 62 فصل في القضاة وما يلزمهم. 5 ـ الكامل 4: 236 عبد الله بن خبّاب المديني(1064). 6 ـ تهذيب الكمال 14: 446(3242). 7 ـ ميزان الاعتدال 1: 590(2251). 8 ـ الإصابة 7: 198، المصنّف للصنعاني 6: 38(9930)، تفسير ابن كثير 2: 409، تاريخ مدينة دمشق 59: 250، تاريخ اليعقوبي 2: 35، إيمان أبي طالب للمفيد: 26. 9 ـ كنز الفوائد: 80، الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: 82. 10 ـ أسنى المطالب في نجاة أبي طالب: 90 الباب الخامس. 11 ـ شرح نهج البلاغة 14: 65 اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب، وانظر: الغدير 7: 281 قصارى القول في سيّد الأبطح عند القوم. 12 ـ شرح نهج البلاغة 14: 78 اختلاف الناس في إيمان أبي طالب. 13 ـ السيرة الحلبية 2: 49، تاريخ الخميس 1: 552 وصية أبي طالب، روضة الواعظين: 140 مجلس في إيمان أبي طالب وفاطمة بنت أسد. 14 ـ تذكرة الخواص 1: 145 فصل في ذكر والده أبي طالب، السيرة الحلبية 2: 47. 15 ـ الطبقات الكبرى 1: 125، تاريخ مدينة دمشق 66: 336 حرف الطاء، أبو طالب، الجامع الصغير 2: 275 حديث (6273)، كنز العمّال 3: 140 حديث (5871). 16 ـ شرح نهج البلاغة 14: 71 اختلاف الناس في إيمان أبي طالب. 17 ـ شرح نهج البلاغة لمحمّد عبده 3: 17، الأخبار الطوال للدينوري: 187، وقعة صفّين: 471، الإمامة والسياسة (تح زيني) 1: 104 كتاب معاوية إلى عليّ(عليه السلام)، مناقب الخوارزمي: 256 الفصل الثالث. 18 ـ ذخائر العقبى: 7 باب (فضل قرابة الرسول)، السيرة الحلبية 2: 47، تاريخ اليعقوبي 2: 35 وفاة خديجة وأبي طالب. 19 ـ الكافي 1: 446 أبواب التاريخ، الأمالي للشيخ الصدوق: 703 حديث (964)، روضة الواعظين: 67. 20 ـ محب الدين الطبري الشافعي المتوفى سنة 694 فانه خرج في "الرياض النضرة "ج 1 ص 45" خرجه أحمد و أبو حاتم و ابن إسحاق في فضائل أبي بكر". و منهم" ابن حجر العسقلاني الشافعي فانه خرج في الاصابة "ج 7 ص 112 ص 116 "و منهم" ابن ابي الحديد الشافعي فانه خرج في شرحه لنهج البلاغة "ج 14 ص 68 طبع 2. " ما أخرجه ابن ابي الحديد و لفظه يساوي لفظه و أسنده عن ابن عباس حبر الامة. 21 ـ "و منهم" الشبراوي الشافعي في "الاتحاف بحب الاشراف ص 9" 22 ـ "منهم" جلال الدين السيوطي الشافعي المتوفى سنة 911 فانه خرج ذلك في كتابه "الخصائص الكبرى "ج 1 ص 124 طبع حيدر أباد" بسنده من كتاب ابن سعبد "الطبقات" 23 ـ شرح النهج لابن أبي الحديد: 14/76 كتاب 9، من كتاب له(عليه السلام) الى معاوية، ذكر اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب وراجع بهذا المعنى تاريخ الخطيب للبغدادي: 13/198 ذكر من اسمه معاوية، معاوية بن عبيدالله، رقم 7174، وتاريخ ابن كثير: 3/125، وتذكرة الخواص: 6، والإصابة: 4/116 ترجمة أبي طالب 684، وشرح شواهد المغني: 136، وتاريخ اليعقوبي: 1/355، باب وفاة خديجة وأبو طالب، وابن سعد في الطبقات: 1/206، وابن عساكر في الخصائص الكبرى: 1/87. 24 ـ التوبة: 84. 25 ـ التوبة: 114. 26ـ ايمان أبي طالب للشيخ للمفيد: 27. 27 ـ تاريخ الطبري: 2/80، صححه نخبة من العلماء، ط مؤسسة الأعلمي، تاريخ ابن عساكر: 1/284، مستدرك الحاكم: 2/622 كتاب التاريخ، كتاب الهجرة الى الحبشة، تاريخ ابن كثير: 3/122 و 134، الصفوة لابن الجوزي: 1/21، الفائق للزمخشري: 2/213، تاريخ الخميس: 1/253، السيرة الحلبية: 1/375، فتح الباري: 7/153 ـ 154، شرح الشواهد المفتي: 136 نقلاً عن البيهقي، أسنى المطالب: 11 و 21، طلبة الطالب: 4 و 54، الغدير: 7/376 ـ 377. 28 ـ التعظيم والمنّة للحافظ السيوطي: 25 وفي هذا المعنى في ذخائر العقبى: 7، الدرج المتبقية للسيوطي: 7، مسالك الحنفاء: 14.