- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
في ذكرى مولد سيد الوصيين وامام المتقين الأمام علي(عليه السلام)
حجم النص
تهل علينا مناسبة عظيمة في هذه الأيام وهي ولادة يعسوب الدين وأسد الله الغالب وإمام الموحدين والمتقين سيدي ومولاي أمير المؤمنين الأمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) وهي مناسبة ليست عزيزة على طائفة معينة ويجب الاحتفال بها من قبل الطائفة الشيعية بل هي مناسبة تمثل الفرح والعزة ليس للمسلمين فقط بل لكل الإنسانية والبشرية جمعاء لأنها احتفال للبشرية بمولد قيم الإنسانية بكل معانيها السامية والتي أشاد بهذه الشخصية العظيمة العدو قبل الصديق والغربي ومن الأديان الأخرى قبل الصديق والموالي والتي يحق إن يفخر كل موالي وكل مسلم بأن يكون أمامه وأميره الأمام علي(ع) والذي هو مولى كل مؤمن فهذا سليمان كتاني الأديب والباحث المسيحي المعروف فكان يرى في كتابه (الإمام علي نبراس ومتراس) أن الإمام علياً (هو ركيزة الأساس وهو بالنسبة للرسالة كل الرسالة في تأسيسها وفي طريقة المحافظة عليها، في نشرها وفي مجالات الدفاع عنها.. وأن له سلسلة من الفوت الكريمة يتجلى بها، فهو قوة وإرادة وشجاعة وبطولة وعقل ومعرفة وحق وعدالة ومثال وكمال..) ويرى أيضاً (أن دستور الحياة هو دستور الإمام علي (عليه السلام) ونهجه، لأن الدنيا برمتها ترجع إليه عند كل ساعة تشعر فيها بأنه قد غصَّ بها الطريق، فالإمام علي برأي الكتابي هو دستور الوجود وهو مرجع الإنسانية الوثيق). أما الأديب والمفكر والباحث أنطون بارفيرى يرى أن إنسانية الإمام علي (عليه السلام) هي معجزة الأجيال على مر العصور والدهور.. واعتبر الأستاذ بارا أن وصايا الإمام علي عليه السلام) الخالدة لأبنائه ولعماله وولاته على البلدان والأمصار هي دلالة الكمال والتكامل في شخصية الإمام علي أمير المؤمنين(عليه السلام) المتربعة على عرش الكمال الإنساني. وهذا باعتراف الغرب والمسيحيين من الأديان الأخرى ولو أردنا أن نورد ما قيل بحق سيدي ومولاي أمير المؤمنين لاحتجنا إلى كتابة عدة فصول تصل إلى حد الكتب في هذا الشأن ولكنا أوردنا هذين المثالين لا على سبيل الحصر. ولهذا سوف نلقي بظلالنا المشرقة لهذه الشخصية السامية والتي لم ينجب التاريخ مثلها بعد رسول الله محمد(ص)لا في الأولين ولا في الآخرين ولعلنا في هذه الإطلالات المتألقة أن نوفق على إلقاء الضوء على تلك الشخصية العظيمة والتي ندعو من الله أن نوفق في ذلك داعين من الله أن تجد لديها القبول من الله سبحانه وتعالى ورسوله نبينا الأكرم محمد(ص) وسيدي ومولاي أمير المؤمنين روحي له الفداء. ولادته عليه السلام ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في الثالث عشر من شهر الله الأصم رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة، وكانت ولادته عليه السلام في جوف الكعبة المشرفة يوم الجمعة، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله تعالى سواه، إكراما من الله تعالى جل اسمه له بذلك، وإجلالا لمحله في التعظيم. وذلك بعدما أن جاء المخاض لأُمه فاطمة بنت أسد رضوان الله عليها وهي بجانب الكعبة المشرفة، فقامت أُمه بإلصاق نفسها بجدار الكعبة وأخذت تقول: «ربِّ اني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسلٍ وكتب واني مصدقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل (عليه السلام) وانه بنى البيت العتيق، فبحق الذي بنى هذا البيت، وبحق المولود الذي في بطني لما يسَّرْت عليَّ ولادتي»، فانفتح لها حائط البيت عن ظهره ودخلت فاطمة فيه، ثم والتزق الحائط، ولما رأى مجموعة من الناس ذلك، حاولوا فتح الباب فلم يستطيعوا، فعلموا ان ذلك أمر من أمر اللّه عز وجل. ثم خرجت بعد الرابع وبيدها امير المؤمنين (عليه السلام).(1) قال الحاكم النيسابوري: وقد تواترت الأخبار انّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه في جوف الكعبة.(2) وبعد خروج فاطمة بنت أسد من جوف الكعبة، ذهب البشير إلى أبي طالب ليبشر بخروج زوجته مع وليدها، فأقبل هو وأهل بيته مسرعين، وتقدّم من بينهم النبي (صلى الله عليه وآله) فضمّه إلى صدره، وحمله إلى بيت أبي طالب ـ ثم انقدح في ذهن أبي طالب أن يسمّي وليده «عليّاً» وهكذا سمّاه، وأقام أبو طالب وليمةً على شرف الوليد المبارك.(3( تربيته ونشأته لقد نشأ إمامنا عليه السلام في حجر النبي صلى الله عليه وآله، وذلك بعد أن أخذه رسول الله من عمه أبي طالب ليخفف عن عمه ثقل المعيشة، كما ذكر المؤرخّون في أنّه أصابت مكّة أزمة مهلكة وسنة مجدبة منهكة، وكان أبو طالب رضي الله عنه ذا مال يسير وعيال كثير فأصابه ما أصاب قريشاً من العدم والضائقة والجهد والفاقة، فعند ذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عمّه العباس الى أن يتكفّل كل واحد منهما واحداً من أبناء أبي طالب وكان العباس ذا مال وثروة وجدة فوافقه العباس على ذلك، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام، واخذ العباس جعفراً وتكفّل أمره، وتولّى شؤونه.(4( هنا نعرف أن الإمام عليه السلام تربى على القيم الأخلاقية والقواعد الإنسانية النبيلة، والتي أخذها الإمام عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله... وقد ذكر الإمام علي عليه السلام ما أسداه الرسول الكريم إليه وما قام به تجاهه في تلك الفترة إذ قال: «وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة. وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره، ويكنفني إلى فراشه، ويمسني جسده ويشمني عرفه. وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه. وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل. ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره. ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما. أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة..».(5) بعد هذه النظرة السريعة على ولادة الأمام علي (ع) لابد أن نلج إلى موضوع مهم وحيوي وهو ظلامات سيدي ومولاي أمير المؤمنين روحي له الفداء والتي هي موضوع نتطرق إليه لتوضيح الصورة الحقيقة لهذه الظلامات والتي مورست ضد هذه الشخصية العظيمة بكل ضراوة وعنف وشرس وبشكل لا يصدقه العقل والتي لم يتعرض لها أي شخصية لمثل هذا الظلم في تزوير وظلم التاريخ له والتي سوف نبدأها وضمن التسلسل الزمني من أخبار نبينا الأكرم محمد(ص) لوصيه بما سيحدث له بعد وفاة الرسول الأعظم محمد ولحد وفاته وكذلك أحاديث الأمام علي(ع) بهذا الخصوص. ظلامة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في التاريخ والروايات! حان الوقت أن نشير إلى بعض الشواهد الروائية والتاريخية على ظلامة الإمام علي صلوات الله عليه. الرسول ينصّ على الظلامة يستفاد من كثير من الأخبار الشريفة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان قد أخبر الإمام علي صلوات الله عليه بما سيلاقيه من الأمة بعده، فبين الفترة والأخرى كان رسول الله صلى الله عليه وآله يذكر للإمام علي صلوات الله عليه ما سيواجهه من بعده ويوصيه بالصبر على الظلامة حفظاً لبيضة الإسلام وصيانة للعقيدة الغراء التي قدم النبي صلى الله عليه وآله من أجلها الغالي والنفيس. عن أبي ليلى: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعليّ صلوات الله عليه: {اتق الضغائن التي لك في صدور من لا يظهرها إلا بعد موتي، أولئك يلعنهم الله، ويلعنهم اللاعنون. ثم بكى صلى الله عليه وآله، فقيل:مم بكاؤك يا رسول الله؟}. فقال: أخبرني جبرئيل عليه السلام أنهم يظلمونه، ويمنعونه حقه، ويقاتلونه، ويقتلون ولده، ويظلمونهم بعده. وأخبرني جبرئيل عن الله عزّ وجلّ أن ذلك الظلم يزول إذا قام قائمهم، وعلت كلمتهم، واجتمعت الأمة على محبتهم، وكان الشاني لهم قليلا، والكاره لهم ذليلا، وكثر المادح لهم، وذلك حين تغير البلاد، وضعف العباد، واليأس من الفرج، فعند ذلك يظهر القائم فيهم.(6) وقال صلى الله عليه وآله:{يا علي، أنت المظلوم من بعدي، فويل لمن ظلمك واعتدى عليك، وطوبى لمن تبعك ولم يختر عليك. يا علي، أنت المقاتل بعدي، فويل لمن قاتلك، وطوبى لمن قاتل معك}.(7) وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): إنك لن تموت حتى تؤمَّر، وتملأ غيظاً، وتوجد من بعدي صابراً (8).وقال (صلى الله عليه وآله): إن هذا (الامام علي ) لا يموت حتى يملأ غيظاً، ولن يموت إلاّ مقتولا (9).وقال (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): إنّ الامة ستغدر بك بعدي.(10) تنبّأ رسول اللّه بقتل علي بسيف أشقى الأوّلين والآخرين وهو يبكي، فقال علي: يا رسول اللّه ما يبكيك؟ فقال: يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر كأنّي بك وأنت تصلّي لربّك وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين شقيق عاقر ثمود فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك وهو أخبر في كلامه هذا عن عدة مغيبات من أنّ علياً لا يموت بحتف أنفه، بل يقتل في شهر رمضان، في حال الصلاة، بالسيف، ويصيب السيف بقرنه، وتخضب منها لحيته، وانّ قاتله شقيق عاقر ثمود في الشقاء.(11) أمير المؤمنين يذكر ظلامته ذكر أمير المؤمنين صلوات الله عليه ظلامته في مواطن عديدة، كان يبث فيها أشجانه ويستعرض ظلم القوم له بل ويتظّلم في بعض الأحيان، ومن ذلك: قال صلوات الله عليه:{ ما زلت مظلوماً منذ قبض الله رسوله حتى يوم الناس هذا}.(12) وذات مرة سمع صارخا ينادي:{أنا مظلوم، فقال: هلم فلنصرخ معاً،فإني ما زلت مظلوماً}.(13) وقال صلوات الله عليه:{ ما زلت مستأثرا علي، مدفوعاً عما أستحقه وأستوجبه}.(14) وقال صلوات الله عليه:{ لقد ظلمت عدد الحجر والمدر}.(15) ويمكن أن نقسّم تظلم أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى أقسام وهي: • تظلّمه من تآزر الأمة عليه: حيث شكى مولى الموحدين تآمر الأمة وتآزرها عليه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وغصبها حقّه، ومن ذلك قوله صلوات الله عليه: فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى، وشربت على الشجى، وصبرت على أخذ الكظم وعلي أمر من طعم العلقم.(16) وقال صلوات الله عليه: كنت في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله كجزء من رسول الله صلى الله عليه وآله ينظر إلي كما ينظر إلى الكواكب في أفق السماء، ثم غض الدهر مني، فقرن بي فلان وفلان، ثم قرنت بخمسة أمثلهم عثمان، فقلت: واذفراه! ثم لم يرض الدهر لي بذلك، حتى أرذلني، فجعلني نظيرا لابن هند وابن النابغة! لقد استنت الفصال حتى القرعى.(17) • تظلّمه من قريش: في أكثر من موضع أشار أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى ظلم قريش إيّاه وتجاوزهم عليه، ومن ذلك قوله صلوات الله عليه: اللهم فاجز قريشاً عنّي الجوازي فقد قطعت رحمي، وتظاهرت علي، ودفعتني عن حقي، وسلبتني سلطان ابن أمي، وسلمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول، وسابقتي في الإسلام إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه، ولا أظن الله يعرفه، والحمد لله على كل حال.(18) وقال صلوات الله عليه:كل حقد حقدته قريش على رسول الله صلى الله عليه وآله أظهرته في وستظهره في ولدي من بعدي، مالي ولقريش! إنما وترتهم بأمر الله وأمر رسوله، أفهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين.(19) • تظلّمه من عصيان الرعية له: وقد عانى صلوات الله عليه من رعيته التي عصت أمره وخالفت رأيه في مواضع عديدة نقتصر على ذكر واحد منها وهو: قوله صلوات الله عليه في ذم العاصين من أصحابه: أحمد الله على ما قضى من أمر، وقدر من فعل، وعلى ابتلائي بكم أيتها الفرقة التي إذا أمرت لم تطع، وإذا دعوت لم تجب، إن أمهلتم خضتم، وإن حوربتم خرتم، وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم، وإن أجئتم إلى مشاقة نكصتم، لا أبا لغيركم! ما تنتظرون بنصركم والجهاد على حقكم؟ الموت أو الذل لكم؟ فوالله لئن جاء يومي - وليأتيني - ليفرقن بيني وبينكم وأنا لصحبتكم قال، وبكم غير كثير. لله أنتم! أما دين يجمعكم! ولا حمية تشحذكم! أو ليس عجباً أن معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه على غير معونة ولا عطاء، وأنا أدعوكم - وأنتم تريكة الإسلام، وبقية الناس - إلى المعونة أو طائفة من العطاء، فتفرقون عنّي وتختلفون عليّ؟! إنه لا يخرج إليكم من أمري رضى فترضونه، ولا سخط فتجتمعون عليه، وإن أحب ما أنا لاق إلي الموت! قد دارستكم الكتاب، وفاتحتكم الحجاج، وعرفتكم ما أنكرتم، وسوغتكم ما مججتم، لو كان الأعمى يلحظ، أو النائم يستيقظ! وأقرب بقوم - من الجهل بالله - قائدهم معاوية! ومؤدبهم ابن النابغة.(20) أمير المؤمنين يترقّب الشهادة وقد بلغ به الأمر من الظلامة أنه كان يترقّب الشهادة، وإلى ذلك يشير ابن كثير في البداية والنهاية قائلاً: كان أميرالمؤمنين قد تنغّصت عليه الأمور، واضطرب عليه جيشه، وخالفه أهل العراق، ونكلوا عن القيام معه، واستفحل أمر أهل الشام، وصالوا وجالوا يميناً وشمالاً، زاعمين أن الإمرة لمعاوية بمقتضى حكم الحكمين في خلعهما عليّاً وتولية عمرو بن العاص معاوية عند خلو الإمرة عن أحد، وقد كان أهل الشام بعد التحكيم يسمون معاوية الأمير، وكلما ازداد أهل الشام قوة ضعف جأش أهل العراق، هذا وأميرهم علي بن أبي طالب خير أهل الأرض في ذلك الزمان، أعبدهم وأزهدهم، وأعلمهم وأخشاهم لله عزّ وجلّ، ومع هذا كله خذلوه وتخلّوا عنه، حتى كره الحياة وتمنّى الموت، وذلك لكثرة الفتن وظهور المحن، فكان يكثر أن يقول: ما يحبس أشقاها؟ أي ما ينتظر؟ ما له لا يقتل؟ ثم يقول: والله لتخضبن هذه - ويشير إلى لحيته - من هذه - ويشير إلى هامته.(21) ظلامة أمير المؤمنين على لسان الأئمة تذكر واحداً منها وهو: ما ورد عن أبان بن أبي عياش: قال لي أبو جعفر الباقر صلوات الله عليه: ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيانا وما لقيت شيعتنا ومحبونا من الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض وقد قام بحقنا وأمر بطاعتنا وفرض ولايتنا ومودتنا، وأخبرهم بأنا أولى بهم من أنفسهم، وأمر أن يبلغ الشاهد الغائب فتظاهروا على علي صلوات الله عليه واحتج عليهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وما سمعت العامة، فقالوا: صدقت قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن قد نسخه، فقال: إنا أهل بيت أكرمنا الله عزّ وجلّ واصطفانا ولم يرض لنا بالدنيا، وإن الله لا يجمع لنا النبوة والخلافة، فشهد له بذلك أربعة نفر: عمر وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة، فشبهوا على العامة وصدقوهم وردوهم على أدبارهم وأخرجوها من معدنها حيث جعلها الله،واحتجوا على الأنصار بحقّنا (22) ظلامة أمير المؤمنين في عهد النبي (ص) لم نعثر خلال بحثنا على مورد ظلم فيه أمير المؤمنين صلوات الله عليه بمحضر النبي صلى الله عليه وآله من غير أن يدفع رسول الله صلى الله عليه وآله عنه الظلامة، بل كل ما وجدناه أن بعض المسلمين حاول التعريض بالإمام علي صلوات الله عليه والنيل منه أمام رسول الله صلى الله عليه وآله فجابههم رسول الله صلى الله عليه وآله بشدة ونهاهم عن التعرض له. يقول عمران بن حصين: شكوا علياً عند النبي صلى الله عليه وآله، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله إليهم وقد تغيّر وجهه من الغضب فقال: دعوا علياً دعواً علياً دعوا علياً، إنّ علياً منّي وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي.(23) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لبريدة: لا تقع في علي فإنه منّي وأنا منه وهو وليكم بعدي.(24) وقد صرح أمير المؤمنين صلوات الله عليه في مواضع عديدة أنه ظلم من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن ذلك قوله صلوات الله عليه: ما زلت مظلوماً منذ قبض الله رسوله حتى يوم الناس هذا.(25) وهنا قد يتسائل البعض ويقول: إذن ما معنى قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ما زلت مظلوماً منذ ولدتني أمي، فإنّ مؤدّى حديثه صلوات الله عليه يشير أنّ ظلامته كانت حتى في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله؟ وفي جوابه نقول: ظلامة أمير المؤمنين صلوات الله عليه في عهد النبي صلى الله عليه وآله كانت ليست بمحضره صلى الله عليه وآله بل في موارد كان فيها رسول الله صلى الله عليه وآله غير حاضر أو كان حاضراً ولكنه لا يستطيع الدفاع عنه، ومن ذلك جوابه لابن الكواء عندما تسائل منه قائلاً: أين كنت حيث ذكر الله تعالى نبيه وأبا بكر، فقال: ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا؟ فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ويلك يا ابن الكواء كنت على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد طرح علي ريطته، فأقبلت قريش مع كل رجل منهم هراوة فيها شوكها، فلم يبصروا رسول الله حيث خرج، فأقبلوا علي يضربونني بما في أيديهم حتى تنفّط جسدي وصار مثل البيض، ثم انطلقوا بي يريدون قتلي، فقال بعضهم: لا تقتلوه الليلة ولكن أخّروه واطلبوا محمداً، قال: فأوثقوني بالحديد وجعلوني في بيت واستوثقوا منّي، ومن الباب بقفل فبينا أنا كذلك إذ سمعت صوتاً من جانب البيت يقول: يا علي فسكن الوجع الذي كنت أجده، وذهب الورم الذي كان في جسدي، ثم سمعت صوتا آخر يقول: يا علي فإذا الحديد الذي في رجلي قد تقطع، ثم سمعت صوتاً آخر يقول: يا علي، فإذا الباب قد تساقط ما عليه، وفتح فقمت وخرجت، وقد كانوا جاءوا بعجوز كمهاء لا تبصر ولا تنام تحرس الباب فخرجت عليها فإذا هي لا تعقل من النوم.(26) نعم هناك مورد ظلم فيه أمير المؤمنين صلوات الله عليه بمحضر رسول الله صلى الله عليه وآله عند وفاته حيث حال القوم دون كتابة رسول الله صلى الله عليه وآله بالخلافة للإمام علي صلوات الله عليه ولكن لم يكن النبي صلى الله عليه وآله آنذاك قادراً على دفعهم وردّهم حيث كان مشغولاً بنفسه، فما كان منه إلا أن طردهم من مجلسه. فعن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في مرض موته: ائتوني بدواة وبياض لأكتب لكم كتاباً لا تضلّون به من بعدي، فقال عمر: إن الرجل ليهجر، حسبنا كتاب الله! وكثر اللغط فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اخرجوا عنّي لا ينبغي التنازع لدي، فقال ابن عباس مقولته المشهورة عن وصفه يوم الخميس بيوم الرزية: الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله.(27) وحقيقة إن أصل الظلامة كانت من هنا، وما أخطأ حبر الأمة ابن عباس في كلامه حيث عبّر عنها بالرزية كل الرزية، وماجرى على مولى الموحدين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله من ظلامات منشأها من هذه الرزية، لذا يحق لنا القول: إنّ الإمام علي صلوات الله عليه ظلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن لا لتقصير منه صلى الله عليه وآله بل لتآمر القوم عليه وانقلابهم على أعقابهم. وفي جزئنا القادم سوف نستكمل أن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية تجني التاريخ وأمة نبيهم محمد(ص) على وصي رسول العالمين ومولاهم والتي لا تعد ولا تحصى والتي لازالت لحد يومنا هذا تمارس وبكل حقد وشراسة لسيدي ومولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام). والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصادر: 1- ينظر: الأنوار البهية - عباس القمي / ص 67. 2- المستدر على الصحيحين – الحاكم النيسابوري / ج3 / ص 550 / 6044. 3- ينظر: أعلام الهداية / ج 2 / ص 50. 4- ينظر: بحار الأنوار 35 / 44، وسيرة ابن هشام 1 / 246. 5- نهج البلاغة / ص 117. 6. المناقب للخوارزمي، ص62. 7. بشارة المصطفى، ص33. 8 ـ مختصر تاريخ دمشق 18 / 33. 9 ـ نفس المصدر. 10 ـ مختصر تاريخ دمشق 18 / 45. 11 ـ عيون أخبار الرضا ج1 ص 297، تاريخ بغداد ج1 ص 135 الكامل للمبردج2ص132، نهج البلاغة، عبده، الخطبة 151. 12. نهج البلاغة، ج 1، ص41، كلامه لما أشير عليه بأن لا يتبع طلحة والزبير 13. شرح النهج للمعتزلي، ج9، ص307. 14. شرح النهج للمعتزلي، ج1، ص307. 15. شرح النهج للمعتزلي، ج10، ص286. 16. نهج البلاغة، ج1، ص67، خطبة له في الحث على الجهاد وذم القاعدين. 17. شرح النهج للمعتزلي، ج20، ص326، ب الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه. 18. نهج السعادة، ج5، ص303، كتاب له إلى أخيه عقيل بن اغارة الضحاك. 19. شرح النهج للمعتزلي، ج20، ص328، الخطب المنسوبة لأمير المؤمنين صلوات الله عليه. 20. نهج البلاغة، ج2، ص101، خطبة له في ذم أصحابه وتحريضهم. 21. البداية والنهاية، ج7، ص358. 22. كتاب سليم بن قيس، ص186. 23. البداية والنهاية، ج7، ص381. 24. البداية والنهاية، ج7، ص380. 25. نهج البلاغة، ج1، ص41، كلامه لما أشير عليه بأن لا يتبع طلحة والزبير. 26. خصائص الأئمة ص43. 27. صحيح مسلم، ج3، 1257-1258.