حجم النص
بقلم:لطيف القصاب مضى على إقامة (سعيد) في هذه المدينة أكثر من عشرين عاما. استطاع خلالها أن يكتسب الجنسية العراقية،ويدير ورشة ميكانيكية في الحي الصناعي جنوبي المدينة، كما استطاع (سعيد) وكنيته (أبو باقر) أن يُكِّيفَ طريقته في الحياة وفقا للقيم السائدة في بيئته الجديدة. ولولا أن بقايا لهجته السابقة مازالت تترك بصمات واضحة على نطقه لكلمات من قبيل (جاكوج، جاملغ , جينكو...الخ), لما شك أحد أبداً في أن أصل (سعيد التنكجي) يعود الى (بني سويف) إحدى مدن الصعيد المصري. أكثر ما يميز (أبو باقر) كراهيته الحادة للغرباء.والغرباء لديه بحسب التصنيف الذي اقتبسه من مجتمعه المحلي ينقسمون إلى قسمين رئيسيين الأول منهما يشمل العراقيين الساكنين في مناطق الأرياف القريبة أو البعيدة من المدينة أو ما يُصطلح عليهم بـ (المعدان) فهؤلاء من وجهة نظر (سعيد) أقوام بدائيون لا سبيل للتعايش معهم مطلقا. أما القسم الآخر فيسميهم سعيد جرياً على عادة أهل المدينة بـ (اللفوة) وهم خليط من سكان العراق الذين نزحوا إلى مدينة (سعيد) في فترات قديمة لأغراض العمل والاستيطان , أو بفعل ظروف التهجير التي طالت المواطنين في بعض محافظات البلاد مؤخرا، وبلغت ذروتها بين عامي 2006 و2007. الطريف في الأمر أن (سعيد) دأب منذ مدة على ترديد القول علناً إنه لن يبيع بطاقته الانتخابية بأي ثمن، وإنه لن ينتخب أي مرشح للبرلمان إذا كان من فئتي (اللفوة) والمعدان الغريبتين!! هناك قصة في فلكلورنا الشعبي، قد تكون ذات شبه بقصة (سعيد) المصري، تقول القصة: إن راعياً وحائكاً كانا يعيشان حالة من العداء المستمر، وكان لكل منهما كلب يقوم على خدمة سيده بشكل أو بآخر، فكلب الراعي لنجدة الأغنام من خطر الذئاب،وكلب الحائك مهمته حراسة الأقمشة والسجاد من سطو اللصوص. وحدث ذات يوم أن هجم أحد الذئاب على قطيع الراعي، فسارع الكلب كما جرت العادة إلى نجدة القطيع من براثن الذئب المعتدي. لكن كلب الحائك -وهذه هي المفارقة- أخذ يهاجم الذئب بشكل أشد ضراوة مما يفعله كلب الراعي، وحينما أظهر كلب الراعي امتعاضه من هذا المشهد المحير، وصاح بوجه الكلب الآخر: لك انت ياهو مالتك بالذيب؟! أجابه كلب الحائك على الفور: وانت شعليك، عوفني، أريدهم يكولون عني خوش (شلب)...