حجم النص
بقلم حسن كاظم الفتال لا يختلف تداول الأيام على الناس..فهي تتداول.. لعلها تتشابه في مرورها الزمني ودواران الفلك. إنما إحساس قسم من الناس يدعوهم لأن يصيروا مرورها مصدرا أو معيارا للتفاؤل أو الفأل حسنا كان أم سيئا... حسن الظن.. سوء الظن.. خيبة الأمل.. التشاؤم.. التفاؤل.. كل ذلك يعقدون صلته بمرور الأيام.. حسنها.. نحسها.. كل يلصق بالأيام ما يحدده مزاجه من صفة..أو يعكس عليها ما تضيق به النفوس.. هذا يكره السبت.. ويحب الأربعاء.. وذاك يحمد السبت ويذم الإثنين.. وآخر من هو عكس ذلك.. يذم السبت ويحمد الثلاثاء.. وثمة من يحمد كل الأيام بل يتوق إلى قدومها.. حتى حين يدرك بأنها تحمل ممحاة تمحو من جدول أيام عمره بمرورها رقما.. وتبدأ بالتنازل بالعد.. وتنذر بنقص العمر علم أو لم يعلم... يستمر تداول الأيام وكم من مستقبل ومودع لها.. دون أن يغازل مرورها أو حتى يشاكسها.. إن خفت وإن ثقلت موازينها.. لا يهدي ابتسامة لقدوم صباحاتها.. ولا يعبس حين يحدوها الغسق لتنصرم.. لا يتعظ.. ولا يعتبر.. ولا هم يحزنون.. كل يولي وجهه صوب التغاضي والتغافل..إلا ما ندر.. من بين ما ندر.. ذلك الرجل الذي حاول أن لا يغفل ولا يتغاضى عن مرور الأيام وأن يحسب لمرورها حسابا وإن لم يكن دقيقا جدا.. ذلك هو: ( مشتاق) (مشتاق) هذا لا يتوجس خيفة من مرور الأيام : يتوقف أحيانا ليستظل بفيء الذكريات.. لتتبرأ ذاكرته من بعض الصور وتتولي أخرى.. من تلك التي ساقت سنين عمره فأوصلته إلى ربوة الخمسين من الأعوام أو ما يناهزها.. لكنه رغم ارتقاء الخمسين إنما لم يغادر زهو الشباب.. لم يزل يافعا في حيويته ومشرقا بنشاطه.. كذلك لا يتوجس خيفة من المرآة.. ساعة تسترق من وقته لحظات تلتقط صورة تجاعيد وجهه.. ولا تخدش ناصية أمانيه حتى حين يتوقف طويلا... ليفتش بين كثافة خصلات شعره على عدد قليل من الشعيرات التي أشعلها تعاقب مراحل العمر فحولها إلى لجينية اللون.. وهي تختبئ بين طيات الشعر.. يتحدى كل مداهمة أو مباغتة للخمول والكسل... لم تثنِ عزمه وثقته بالنفس توصيفات الآخرين.. حتى حين تأتي بوكزات قاسية بطريقة المزاح المر.. على غرار دس السم بالشهد.. أو صعقات حسدهم.. يمضي متحديا بنشاطه من هو في مرحلة الفتوة والشباب.. ويكشف زيف من يهيل بالخديعة سيل مزاعم واهية.. تنبعث من أفكار خاوية.. تزدحم في خلد مشتاق صور المحن والنوائب والصعاب فتعطيه دروسا..تعذر على الآخرين اكتسابها.. لا يطيل انتظاره بمحطات الإختبار.. لأنه يتدرع بصبره.. صبرا على عصيانه لبوائق الزمن .. وعلى تمنعه عن طاعة اليأس.. يسمو على شماتة الخصوم.. فيحطم كل حواجز تنشئها دواهي الدهور.. ليقتني تذاكر تحدد مراتبه التي نالها بنجاح باهر.. بعد تخطي كل مراحل الإمتحان.. يقاطع التطفل.. فيؤهله اقتناء التذاكر لأن يلتحق بقافلة الإبداع..ليواكب الحضارة ويآخي المتحضرين في مسيرتهم.. يعتلي صهوة وعيه ليقتحم ميدان الإعلام.. يتبرء من كل التخرصات.. يخاصم إغراءات النزوات التي اعتمدها بعض الواصفين أنفسهم بالإعلاميين ظلما وزورا.. يخلع من كينونته كل خداع أو تمويه .. ويؤثر أن لا يتكلم إلا بالقول النافع.. (قولوا قولا سديدا).. يغادر دائرة الفوالين مدغدغي العواطف.. يأخذ عهدا على نفسه أن لا يخاطب إلا العقول.. تبا لمخاطبة ودغدغة العواطف والنزوات.. ومضى يقطع شوطا منفردا في سيره.. حتى لو أصر الرافضون لرأيه أن ينثروا شوكا في درب نواياه وإخلاصه.. آل على نفسه أن لا يستوحش حين يسلك طريق الاستقصاء والرصد والتشخيص..حتى لو سخر منه الفوالون وسموه منتقدا أو مغتابا.. أو أوصافا ما أنزل الله بها من سلطان. مقعده أمسى خلف المذياع.. ليخترق صوته الأثير.. إعلامي لم يتميز بل أصبح رقما يقرؤه العدادون بكل تأني.. هذا هو مشتاق... إعلامي.. وضع في حسبانه قدس مرور الأيام.. أوجد فاروقا يميز بين الرائح والغادي.. يفضل يوما على يوم آخر.. ليس الأيام متساوية في مرورها.. لذا فهو لا يوحد وصفه للأيام.. ففي الحسن حظ وافر وللنحس جزء صغير.. فيعد يوم السبت أوان الإفتتاح.. فهو الباب الذي يلج منه العدادون إلى الإسبوع بأكمله.. ويرجو من يوم الإثنين الإنشراح.. يندلع لسان الفجر.. كل يوم سبت وإثنين.. ثم يبدأ بغزل خيوط توهجاته على مدى اللحظات يفرغ من نشر خصلة ليمسك أخرى ليغزلها مع أختها حتى تتجمع ضفائر النور. حين يحاول أن ينثر أحرفا لملمها من قاموس سهره ليلة أمس المنصرمة لا محالة.. يكتم في صلوات تحمسه أو إخلاصه قنوتا.. لا يجهر لكن يفضحه بوح بالمكنون..إذ هو يطلق حسرات وآهات تبوح بها الحروف.. في إصبوحته عبر أثير قدسي.. فتغرد كل شحارير الصبح والنوارس وبعض بلابل حي لا يسكنه إلا المنسيون أو المغمورون.. فيشنف أسماعه نغم ترنيمة أو تغريدة من شحرورة لا يأمل يوما أن ينحني إشعاع بصره على زهو بريق تموج ألوان ريشها.. والشحرورة لا تحسب يوما هي أن تشهد قسمات وجهه المطعونة بكدورة الخجل .. حتى يلهب تداول الأيام الشوق القدسي بين المرسل والمرسل إليه نبضات الفؤاد.. يجمع الأثير بين الإثنين.. القائل والصاغي للقول.. يطلب أن تكتحل الأعين بلمعان الريش الاستبرقي.. توعده الشحرورة بلقاء بلا تأريخ .. توق اللقاء يغرقه في أحلام فيروزية.. فيحلم في الصبح.. بأن الشحرورة ذات ريش أستبرقي أخضر اللمعان..لا تصطبغ إلا بنور الشفق.. فتؤول النوبة لقدوم الغسق ليستبدل كل الصور دون استئذان بصورة أخرى.. لا.. هي شقراء.. ولون الجنح ذهبي ليلكي.. وعند مجيء الصبح ثانية تمحى كل الصور الأولى في الذهن.. لعلها هي حمامة بيضاء.. يستقدم هديلها كل العصافير فتهجر أغصان الشجر.. لتتعفر بأديم حقول الإقحوان المصطبغة بالشوق والود .. فيحين الموعد فتحذف ساعة التلاقي كل الصور من المخيلة.. وتنقل العين الصورة الحقيقية للذهن ويلتقي الزائر والمزور.. لا شيء من تلك الصور.. يبقى مما كان يعلق بالذهن تغيرت كل الحقائق.. إلا حقيقة واحدة.. لم تصدق الصور.. كذبت كل التكهنات.. ولم يصمد من تلك التخيلات إلا لحن التغريدة والترنيمة .. فهي الوحيدة التي ظلت كما هي..
أقرأ ايضاً
- التحكيم العراقي بين التخلف والفساد
- التحكيم العراقي بين التخلف والفساد
- توجسات إعلامية ومنبجسات الاعلاميين