- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الممارسة السياسية في العراق, بين العقلانية والإستبدادية ..
حجم النص
بقلم: محمد أبو النواعير.. ليس من السهل على أي إنسان, أن يتعامل مع مفهوم الممارسة السياسية من منطلق الثابت؛ وأقصد بمفهوم الثابت هنا, هو الثابت في كل نواحي هذا النوع من الممارسة والفعل؛ فالذي يبغي الدخول إلى المعترك السياسي, فإنه سيدخل من حيث يعلم أو لا يعلم, إلى عمق الحياة الإنسانية, وتعقيداتها, وتفاصيلها, وإرهاصاتها, ومشاكلها, ومتغيراتها؛ بل وسيكون الأداة الفاعلة والمسئولة بشكل قانوني واعتباري, عن إيجاد حلول هذه المشاكل بتفاصيلها الكلية أو الجزئية. الثابت الذي أتحدث عنه في هذا الموضوع, هو ما يمكننا أن نطلق عليه الثابت القانوني, سواء أكان هذا الثابت القانوني ثابت أخلاقي, أو ثابتي عرفي اجتماعي, أو أيضا قد يكون الثابت الديني اللاهوتي, أو ثابت قانوني مدني. فما يميز معيارية العمل السياسي هو مقدار قربها من الثوابت التي تتمثل بمجموعة من القوانين المقبولة, والمختلفة في تنوعاتها ومصادرها, والمتفق عليها عند مجموعة بشرية معينة. وأهم ثابتة من هذه الثوابت القانونية, هي ثابتة العقلانية في التعاطي مع المواقف والأحداث الطارئة, والنسقية المستمرة في الظاهرة السياسية في بلد كالعراق؛ من قبل ممارسي الفعل السياسي في هذا البلد. والمقصود بالعقلانية في العمل والممارسة السياسية: هي الآلية أو المنهجية, التي يستطيع الفاعل السياسي من خلالها, قيادة وتسيير العملية السياسية, وإخراجها من محيط المغاليق الضيقة لبعض الرؤى والأفكار, والتوصيات والأهداف, إلى محيط أكثر سعة, يمكنه من إيجاد خطاب أكثر سعة, للمختلفات السياسية الروتينية عند المنافسين أو فلنقل: عند الشركاء. إن من أهم ما يميز العقلانية في العمل السياسي, هي امتلاك ممارسيها القابلية الفنية على تشخيص الأخطاء, والاعتراف بها؛ بل وإيجاد الحلول لهذه الأخطاء لديهم. وهذه العقلانية, تمكن أي مشروع سياسي من المضي قدما, في سيرورة مستمرة تتكسر على جوانبها المشاكل والمعرقلات الذاتية والموضوعية, التي تظهر عادة في الأهداف والوسائل.. فيكون الفاعلين السياسيين, عبارة عن كتلة متصلة متسقة, تعمل في وحدة بنيوية متكاملة.. ما يجري في العراق الآن, وإن كان الكل يدعي لنفسه العقلانية في الممارسة والعطاء السياسي, إلا أنهم قد انقسموا في واقع الأمر إلى أنواع؛ فمنهم من مارس العقلانية المنغلقة, وهي التي تمثل في ذاتها, نوعا من التبرير العقلاني المنغلق على ذاته, وهي هنا تمثل في حقيقتها, منبع من أقوى منابع الأخطاء والأوهام. فالقائمين على هذا النوع من الممارسة العقلانية, إنما يقومون من حيث يشعرون أو لا يشعرون, بتوظيف أفكار وآليات معينة, تصب في توظيف نموذج معين, يؤمنون به ويريدون فرض قراءته على شركائهم. قد لا أكون بعيدا عن الواقعية, عندما أقول أن هناك نمطا آخر من أنماط العقلانية السياسية في العراق, وهذا النمط يقوم على فكرة: أن العقلانية الحقيقية، هي العقلانية المفتوحة بطبيعتها، وهي التي تحاور الواقع الذي يعاندها. وبذلك فهي ليست فقط نقدية بل تقوم بنقد ذاتها أيضا. ولا معنى للعقلانيّة السياسية, إذا لم تكن قائمة على قراءة مرجعية مستمرة للواقع العملي. يرى "كارل بوبر: " أن السلطات عندما تعارض المناقشة النقديّة المسبقة لبرامجها, تحكم على نفسها بارتكاب الأخطاء بشكل مستمر؛ وعندما تحظر الفحص النقديّ للنتائج العمليّة, تحكم على نفسها بتفاقم الأخطاء؛ إلى أن تعلن تلك الأخطاء عن نفسها بنفسها؛ وأي مقاربة اجتماعيّة من هذا النوع, هي مقاربات استبداديّة وغير عقلانيّة". مع الأسف, إن ما تمثله التجربة السياسية العراقية (بجانبها السلطوي), هو تصدير لطرف ثالث, يمثل قمة الراديكالية (التطرف) في الفكر والممارسة؛ ألا وهو الطرف اللاعقلاني, أو الاستبدادي؛ والذي ينطلق من منطلق تخطيء كل الشركاء, وتوهينهم, ومحاولة تحطيمهم. وهذا قاد بالنتيجة, إلى إدخال البلد في دوامات مستمرة من الصراعات اللانهائية, أي التي لا توجد إمكانية لحلها. هذا الطرف, أو هذا النمط من الممارسة السياسية, يعمل على تفكيك أي بنية سياسية سليمة, في أي واقع سياسي لأي بلد, وهذا مع الأسف, ما يحصل في التجربة السياسية العراقية. فالاختلاف مع الشركاء ومحاولة تحطيمهم, ومحاولة الاستفراد, ليس بمقدرات الحكم فقط, ولكن التحكم حتى بمفهوم الحق والأحقية في قيادة البلد؛ إنما قاد ويقود العملية السياسية الى مغاليق سياسية, ومن كل الجوانب: التواصلية, الأدائية, الفكرية, والإدارية. ما يحتاجه البلد اليوم, ونحن على أبواب انتخابات مصيرية, هو أن يضع الناخب ثقته بالأطراف التي مارست الخطاب العقلاني الغير متشنج, خلال فترة ما بعد التغيير؛ نحتاج الى قيادة حكيمة, لا توظف الإمكانات المتاحة من أجل بسط السيطرة والنفوذ. نحتاج الى قيادة تمثل العقلانية المنفتحة على الآخر.. قيادة تستطيع أن تتعامل مع الشركاء, من منطلق ما يجمعنا مع الشركاء من نقاط الالتقاء والاتفاق. نحتاج الى قيادة تبتعد عن الخطاب المتشنج الذي لا ينظر إلا الى عقلانيته اللاعقلانية. وأخيرا, ما نحتاجه اليوم, هو قادة سياسيين يملكون أدوات ناجحة وفاعلة, في الخطاب السياسي التواصلي المؤثر, مع الشركاء والمنافسين في العملية السياسية؛ نحن نحتاج الى قادة سياسييون يبتعدون عن مفهوم (ترف الكراهية), والذي يعمل على تلويث العقل, ويبعده عن العقلانية في العمل والممارسة السياسية!. بقلم: محمد أبو النواعير.. ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر – باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة...
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً