حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ حق التظاهر من اهم بديهيات الممارسة الديمقراطية ومبدأ حرية التعبير التي كفلها الدستور العراقي (المادة (36):- تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: اولاً:ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً:ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.ثالثاً:ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون) أي أن تكون هذه الممارسة وفق الضوابط القانونية وتحت خيمة الدستور وبرعاية الدولة وأجهزتها التنفيذية والأمنية وان يكون التظاهر سلميا وذا برنامج واضح وقابل للنقاش او للتنفيذ ويكون ذا مطالب تصب في المصلحة الوطنية العليا وداخل الإطار الوطني ويحظى بمقبولية وطنية عامة وجامعة ليكتسب التظاهر مشروعيته الدستورية وقبوله القانوني والشعبي الجماهيري، وقد اشرط الدستور هذا الحق بعدم الإخلال بالنظام العام والآداب العامة المتعارف عليها وفق النسق المجتمعي العام وهو حق حُرم منه العراقيون لأكثر من ثمانية عقود وقد كانت الحكومات المتعاقبة تحظر هذا الحق المشروع وتعاقب عليه باستثناء حالات قليلة تكاد لاتذكر. وحق التظاهر الذي افرده الدستور العراقي لأهميته في تنظيم الحياة السياسية وتقنين حرية التعبير في فقرة كاملة من المادة (36) [ثالثاً:ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي]، من فصل الحريات وهو حق أقرته وكفلته معظم الدساتير من العالم الليبرالي الحر والدول الديمقراطية، ولكن ليست بالكيفية التي يتصورها البعض بالاستغلال الفوضوي والعشوائي لحق التظاهر وحرية التعبير وتجيير هذا الحق الدستوري لمآرب اخرى كأن يتحول التظاهر الى عصيان مدني (في الظاهر)مستمر الى ما لانهاية ينتهز "المعتصمون" الفرص لإشهار السلاح بوجه الدولة، وعصيان مغلق بوجه الأجهزة الأمنية المتخصصة وعصيان دوغمائي متعصب بفرض مطالب أحادية وعدم سماع الطرف الأخر الذي هو الحكومة، وإشراط أمور تمس بالأمن الوطني والقومي وتهدد السلم الاجتماعي والأهلي وتعرض العملية السياسية الى التشرذم،او أمور قد تكون صعبة او مستحيلة التحقق في محاولة لفرض إرادات طائفية او انعزالية او لفرض إرادة محلية /عشائرية على الدولة ولي ذراعها بالتحدي وعدم الإذعان لأي صوت او مناشدة او حوار عقلاني او مناشدة منطقية او عدم القبول بأية تسوية سلمية او قانونية. ولم تشهد الديمقراطيات العالمية المعاصرة هكذا حالة بان يتحول التظاهر المكفول دستوريا الى حالة تسمى بالاعتصام وفرض شروط غير مقبولة أساسا التي من أهمها إلغاء الدستور وإسقاط العملية السياسية ولم تُجابه أية حكومة منتخبة بهكذا حالة والأدهى والأخطر من كل هذا أن تتحول ساحة "الاعتصام" التي تسمى مجازا بساحات العز والكرامة تتحول الى بؤر للإرهاب بفعل أمرين؛ الأول الترابط الوثيق في التوجه الإيديولوجي والسياسي والطائفي لبعض المعتصمين مع التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة والنصرة وفلول البعث المنحل وأخيرا "داعش"، والأمر الثاني هو الطابع المسلح والمعادي ضد الجهات الحكومية المختصة ما يحول دون حدوث تدخل هذه الجهات في فض هذه الحالة المريبة والخطرة على الأمن الوطني والقومي او المساهمة في إيجاد حل معقول او مقبول. وتساعد وسائل الإعلام وخاصة المرئية منها على تأجيج المواقف وإعطاء صورة للرأي العام ولرجل الشارع ان هذه الاعتصامات هي مشروعة ولها مطالب "مشروعة" ايضا في محاولة لخلط الأوراق مابين المشروع دستوريا وما بين المطالب التي تُطرح، لذا نجد ان بعض السياسيين يؤيدون حق المعتصمين في التظاهر والاعتصام لكنهم يتغافلون عن "مشروعية" تلك المطالب التي يرفعها هؤلاء المعتصمون ويتناسون ان الكثير من العمليات الإرهابية التي طالت الجميع كان مصدرها ومنشؤها من هذه الساحات، وسبب هذا التأييد هو موقف المعارضة والانتقاد ضد رئيس الحكومة فاختلطت الأوراق مرة اخرى وضاعت مصداقية هؤلاء السياسيين مابين موقفهم الانتقادي من رئيس الحكومة (وهذا شان سياسي) ودخولا في سوق المناكفات السياسية الكيدية غير الناضجة التي لاتنتهي، ومابين الموقف من الإرهاب (وهذه مسالة خطيرة تتعلق بالأمن الوطني والأمن القومي والأمن المجتمعي) ويجب ان لاتخضع للمناكفات السياسية او المهاترات الحزبية او المزاجات الأيدلوجية او التناحرات حول مراكز النفوذ او مفاصل السلطة كما هي طبيعة الصراعات السياسية الدائرة في المشهد السياسي العراقي بغض النظر عن الانتماءات الحزبوية والتكتلات الأيديولوجية فالمسالة مسالة وطن مهدد باجمعه بكل ألوان طيفه ومكوناته وهوياته واثنياته. ان استغلال أجواء الديمقراطية والانفتاح في الحريات بهذا الشكل لايخدم اي مسعى حتى وان كان مسعى انعزاليا يصب في مشروع سيا/طائفي او حتى محلي /عشائري ومحاولة القفز على أسوار الدولة وانتهاز فرصة انشغال القوات الأمنية بمحاربة الإرهاب الذي يستهدف الكل دون استثناء وفرض إرادة جزئية على الإرادة الوطنية وتعريض الأمن الوطني والقومي والمجتمعي للخطر لن يحقق أية نتيجة لان القرار في نهاية المطاف للشعب العراقي. إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- التأهيل اللاحق لمدمني المخدرات
- دور الذكاء الاصطناعي في إجراءات التحقيق الجزائي
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!