حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ كشفت زيارة رئيس الوزراء نوري المالكي الاخيرة الى الولايات المتحدة الامريكية ولقاؤه الرئيس اوباما وكبار المسؤولين الأمريكيين...كشفت عن جملة من الدلالات التي تعد مؤشرات خطيرة في مسار العملية السياسية الراهنة وفي التاثير السلبي على مستقبلها، اولها ان رئيس الوزراء هو رئيس السلطة التنفيذية في البلد وله الحق الدستوري في رسم السياسة الخارجية للبلد وإبرام المعاهدات وتفعيلها فقد خوله وأعطاه الدستور العراقي صلاحيات واسعة وكبيرة [المادة (75):-رئيس مجلس الوزراء المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة،والقائد العام للقوات المسلحة،يقوم بإدارة مجلس الوزراء، ويترأس اجتماعاته، وله الحق بإقالة الوزراء،بموافقة مجلس النواب)] وذلك استنادا الى أمرين ؛ الأول مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، الثاني واستنادا الى مبدأ الفصل بين السلطات تضطلع كل سلطة من هذه السلطات (التنفيذية، التشريعية والقضائية) بمسؤوليات معينة وبهذا فان رئيس الكابينة الحكومية تناط به مسؤوليات كبيرة بحكم ترؤسه مجلس الوزراء العاملين في الوزارات المنتظمة ضمن التوليفة الحكومية. والأمر الثاني ان رئيس الحكومة ـ ايا كان ـ ومن أي حزب او جهة سياسية يكون (وسيكون) مكبلا اذا ما استمرت العملية السياسية وفق منهج الديمقراطية التوافقية والمنهج التحاصصي، بارادات ومناكفات و"مزاجات" الكتل والأحزاب فانه سيكون مجبرا إما العمل بمبدأ الممالأة والمجاملة والمصانعة والمداراة وهذا يؤدي الى خلل بنيوي كبير في الممارسة السياسية على حساب الحق العام وحقوق المواطنة او يُضطر الى التصادم او التضارب وكلا الامرين احلاهما مر، وقد يكون هذا التصادم ذاتيا نوعيا وعلى مستوى الكيان الواحد او الائتلاف الواحد وهو ما يعاني منه السيد المالكي اذ ابرزت هذه الزيارة بشكل واضح حدة الخلافات بين الكتل المنخرطة ضمن اطار "الائتلاف" الوطني الموحد ما ينبئ بان هذا الائتلاف قد لايكون "ائتلافا" او لايكون "موحدا" في مضمار الانتخابات البرلمانية القادمة وهذا شيء يبدو واردا اكثر من اي وقت مضى . الامر الثالث هو كحق دستوري يكفله الدستور للجميع فان منصب رئيس السلطة التنفيذية هو مطمح او (مطمع) أي حزب او كتلة او أي شخص لسببين: الاول ان منصب رئيس الوزراء بحكم التحاصص والشراكة التوافقية يمنح طاقة وفاعلية تمكِّن الجهة التي يمثلها من ممارسة نشاطها السياسي ودخول معترك الانتخابات بفاعلية أكثر من غيرها، فهذا السجال سيبقى مستمرا بين القوى السياسية لهذا السبب، والثاني الذي هو نتيجة للسبب المتقدم وهو عدم انخراط أية جهة سياسية في مضمار مبدأ ديمقراطية الاغلبية السياسية فالجميع مازالوا يمتلكون الرغبة العارمة في هذا المنصب الذي هو محور العملية السياسية كلها ولولبها المتحرك. والامر الثالث الذي كشفت عنه زيارة السيد المالكي الى واشنطن رغم أهميتها القصوى وإستراتيجية أهدافها (مكافحة الإرهاب والأزمة السورية والملف النووي الإيراني والتسليح والديمقراطية في العراق) وبالتالي نجاحها كما كان مرسوما لها، كشفت شخصنة الطروحات الانتقادية التي وُجهت الى رئيس الوزراء اذ لم يُشخص أي محور من محاور او هدف من اهداف هذه الزيارة او أي موضوع يخص الوضع الراهن في العراق بالشكل الصحيح لاسيما وان الزيارة تخص هذا الوضع ومسالة الإرهاب الضارب وضرورة القضاء عليه، وهي ليست زيارة بروتوكولية عادية بل هي لوضع النقاط فوق الحروف وتفعيل المعاهدة الإطارية المبرمة بين البلدين فهي ليست زيارة السيد المالكي او مسؤول حزب الدعوة بل هي زيارة مهمة تخص الشأن العراقي، اي زيارة وفد رسمي رفيع المستوى يمثل العراق الى دولة عظمى بل الاعظم لبحث جملة من المسائل يتوقف عليها مستقبل العراق ككل وهي ليست مسالة حزبية او شخصية او كتلوية فلم تنظر هذه الانتقادات على اختلاف مشاربها السياسية الى زيارة السيد المالكي من منظار دولتي / حكوماتي مهني بل نظرت على انها زيارة المالكي كشخص وكحزب فهذه نظرة قاصرة تخلو من الحس النقدي والطرح الموضوعي ولاتخلو من الارتجال الحزبي والكتلوي والشخصي الضيق والمبتسر، وهذه الشخصنة الكيدية والمناكفات العدائية المبيتة والتوجه الانتقائي والمزاجي لاتخدم أحدا بل وتعطي المبررات للاجندات الخارجية للعبث في الشان العراقي من جهة او تعطي مبررات تتذرع بها الولايات المتحدة لترفع يدها عن العراق بحجة ان الوضع العراقي ميؤوس منه ويقف على مشارف حرب أهلية او التقسيم وهذا مايظهره "التعاطف" او التناغم شبه المتفق عليه بين معارضي السيد المالكي او معارضي سياساته او زيارته في الداخل وبين " اللوبي" الامريكي الذي لم يكن "مرتاحا" لزيارة السيد المالكي لأسباب عديدة تأتي المساجلات الحزبية بين الجمهوريين والديمقراطيين في مقدمتها إضافة الى التأثير السلبي لبعض وسائل الإعلام التي تنقل صورا مشوهة عن الوضع العراقي ومع هذا فان حجم وتأثير هذا "اللوبي" كان محدودا لضآلة حجمه ومحدودية فعاليته. الامر الرابع ان السيد المالكي وضع الكرة في الملعب الأمريكي محفِّزا الرئيس اوباما بان الإرهاب لم يعد شأنا عراقيا داخليا بل هو شأن امريكي ايضا استنادا الى عدة امور منها معاهدة الاطار الاستراتيجي لاسيما شقها الامني وايضا الواجب الاخلاقي تجاه العراق باعتبار ان الولايات المتحدة هي عرابة التغيير في العراق وهي المسؤول الاول عن مآلات الأوضاع فيه، يضاف الى ذلك ان الولايات المتحدة هي كذلك ليست بمنأى عن الارهاب الذي صار دوليا وما احداث 11سبتمبر التاريخية الا مثال بسيط، وليس من المعقول ان تدفن الولايات المتحدة راسها في الرمال في وقت تشتعل الحرائق في متون الشرق الاوسط وشمال افريقيا ويكتوي المشهد العراقي بنار الإرهاب ومخاطر العدوى الطائفية من بعض دول الجوار والمحيط الجيو ستراتيجي، التي تؤجج هذه النار وتنقل هذه العدوى مستغلة تجاورها لتخوم العراق ولوجود تاييد لها من بعض الحواضن المحلية فضلا عن الإقليمية وهذه كلها مؤشرات كشفت عنها زيارة السيد المالكي الاخيرة الى واشنطن وهي وغيرها تؤشر منظومة الاخطاء البنيوية التي رافقت التأسيس الدولتي الاخير بعد 2003 . إعلامي وكاتب مستقل [email protected]