- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الآفاق المستقبلية للعملية السياسية
حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ من الواضح للعيان ان العراق يكاد ان يكون خاليا من مؤسسات او مراكز لاستقراء واستنتاج الآراء والتكهن بمعرفة مناسيب العملية السياسية ومدى شعبية النخب السياسية ومدى رضا الناس عن أصحاب القرار ومن ثم الأداء في السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية فضلا عن الجهد الأمني والفعاليات الدفاعية ومدى درجة الفصل بين هذه السلطات كل عن حدة ومدى فعالية وتفاعل كل سلطة بالأخرى ومعرفة ردود الأفعال تجاه الإخفاقات والتداعيات الأمنية المتكررة يوميا. ويبدو من مسار العملية السياسية طيلة السنوات الماضية ان أكثر السياسيين لم يفكروا في مستقبل العملية السياسية باعتبارها المحصلة النهائية لمجمل النشاطات السياسية التي تقوم بها النخب السياسية لتصب تلك النشاطات في رافد الدولة العراقية والمصلحة العليا للبلد، فقد كان اغلب الاهتمام والتفكير يصب في اتجاه واحد هو اتجاه الكتلة او الحزب او الاتجاه الشخصي في أحسن الظروف فلم تكن اغلب الفعاليات السياسية تسير وفق بوصلة الأداء الحكومي ومصلحة الدولة (بالتفريق المفاهيمي مابين الحكومة والدولة) بل كانت تلك الفعاليات تسير وفق بوصلة الحزب او الكتلة مقيدة بما يسمى بالديكتاتوريات الصغيرة التي يفرضها بعض رؤساء الكتل ولوجود مصالح اخرى مثل المصلحة الكتلوية او الحزبوية او الشخصية ناهيك عن المصالح القومية الضيقة او المذهبية المتحجرة ونادرا ما نجد نشاطا سياسيا يخرج من شرنقة الكتلة او الحزب او من حدود الأسوار المناطقية او المذهبية او الطائفية باتجاه فضاء الدولة ومعها الحكومة الحاضنة لجميع النشاطات. ولايخفى على المتابعين للشأن العراقي ان الخلل لايكمن فقط في النتائج المترتبة على النظام التشاركي المحاصصاتي الذي سارت عليه العملية السياسية، الأمر الذي استبعد تماما قيام حكومة أغلبية سياسية تناظرها حكومة معارضة تكون في "ظل" تلك الحكومة تراقب جميع فعاليات حكومة الأغلبية وهذا لم يحصل طيلة سنوات ما بعد التغيير وقد لايحصل في المستقبل القريب، بل يكمن الخلل في آلية التحاصص الذي على منواله نسجت العملية السياسية وسارت بخطى متعثرة في اغلب الأحيان وبتوافق حكومي هش وانسجام متذبذب هو اقرب للتنافر منه للتقارب كحد ادنى من مقاربات التشارك المفترض. ان الخطأ القاتل الذي وقعت فيه الإدارة الأميركية في إنشاء أول عملية سياسية بعد الإطاحة بنظام صدام هو استيراد الوصفة اللبنانية كوصفة جاهزة لاستيعاب التجاذبات التي قد تحصل بين المكونات المجتمعية العراقية او بين الكتل السياسية او بين السياسيين أنفسهم والنتيجة كانت سلبية من جهتين؛ الأولى ان المجتمع العراقي او بالاحرى التركيبة الديموغرافية العراقية والبناء التحتي السوسيولوجي للمجتمع العراقي تختلف كثيرا عن المجتمع اللبناني وفي وجوه عدة، والثانية ان المحاصصة التي على اساسها تأسست العملية السياسية لم تستوعب حدة التنافرات المجتمعية ولا التجاذبات السياسية بل ان الذي حصل هو العكس تماما فقد حولت المحاصصة العملية السياسية والمجتمع العراقي الى خنادق متقابلة واشلاء لمكونات ومناطق واحزاب وكتل متطاحنة وتيارات متنافرة وما نشهده في قبة البرلمان من احتراب وتضاد إلا مثال بسيط على ذلك وصار اغلب السياسيين يعملون بمبدأ كل حزب بما لديهم فرحون، وما زاد الطين بلة انه ليس الرأي العام وحده قد انقسم وتشظى بل ان النسيج المجتمعي من الممكن ان يتحاصص ويتشظى هو الآخر لان النخب السياسية العراقية بحكم التحاصص والتقوقع خلف الهويات الفرعية والتمترس خلف الولاءات الثانوية والجزئية هي نخب لها امتداداتها المناطقية والعشائرية تتبعها كواقع حال ايضا الاصطفافات المذهبية والقومية والجهوية. وعودا على بدء لاتوجد في العراق مراكز ـ الا نادراـ لاستبيان الخطوط البيانية لواقع العملية السياسية ومستقبلها في ظل الإرهاصات والمآلات المترتبة عن هذا الخطأ التأسيسي الفادح وهو الخطأ الذي تموضعت فيه اغلب النخب السياسية وهنا تكمن الخطورة والخوف على مستقبل العملية السياسية اذا ما استمرت على هذا المنوال. إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود
- التداعيات السياسية بعد قرار المحكمة الاتحادية
- كوب 28 والتحديات المستقبلية