حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ يعج المشهد السياسي/ الأمني العراقي بالكثير من الأخبار والأحداث التي تتصدر عناوينها مانشيتات دامية ويكاد ان ينفرد بها وتغلب عليه هذه السمة مثل قتل واستشهد/ انفجر /انفجار/ تحت السيطرة/ القي القبض/جرح/...الخ من عشرات العناوين والمانشيتات وهي بمجملها تحمل أرقاما كوارثية نظرا لسقوط ضحايا من الأبرياء بين شهيد وجريح ويصلح أي خبر من الأخبار العراقية لوحده ان يكون مادة خبرية او تقريرا يستحق التغطية كما نجد ذلك في اغلب القنوات الفضائية العاملة في الأثير العراقي(فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الالكتروني والورقي) حيث خدمة العاجل لأخبار إقليمية وشرق اوسطية (وحتى عالمية) اقل شانا بكثير من "الأخبار" العراقية وخاصة المأساوية منها والتي تأتي (إن أتت) هامشية او متأخرة نوعا ما وفي حالة تصدرها للنشرات الإخبارية او المواقع الالكترونية او في الصحف فهي لإغراض ومآرب في نفس القائمين على تلك الوسائل رغم فداحة ومواجع ودموية تلك الأخبار مايعيد الى الذاكرة ثمانينيات القرن المنصرم ذكرى الحرب العراقية/ الإيرانية.. الحرب العبثية التي طحنت رحاها كلا البلدين إذ رغم فواجع تلك الحرب وأهمية وخطورة المنطقة التي قامت فيها واستمرت لثماني سنوات ألا إنها كانت حربا منسية لم يعبأ بها الإعلام العربي فضلا عن الرأي العام لاسيما الخليجي كثيرا وهي أطول حرب إقليمية بعد الحرب العالمية الثانية وكادت نيرانها تمس تخوم بلدان الشرق الأوسط وتهدد أمنها القومي. أما الإرهاب المستعر في العراق فمن غير الصحيح او المنصف ان يكون شأنا داخليا او حتى إقليميا فهو يضرب في كل مكان فهو لاهوية له او دين او قومية او جنس فهو شأن دولي وعالمي فلا ملجأ لأية دولة منه ولاعاصم لأية فئة من كوارثه، ومن الممكن ان يضرب أكثر الدول حيادية وأكثرها استقرارا امنيا كما انه من الممكن جدا ان يضرب الدول التي تسانده وتموله لوجستيا واستراتيجيا وفتوائيا وتسوِّقُه كبرنامج شبه يومي لتدمير العراق وتفتيت نسيجه السيوسولوجي وتحطيم مرتكزاته الديمغرافية والحضارية والمعرفية، فضلا عن الدول او التنظيمات التي تتخذ من الإرهاب وسيلة للضغط او تتخذه برنامجا سياسيا / طائفيا مؤدلجا إضافة الى بعض دول الجوار والمحيط الإقليمي المنضوية في هذه الإستراتيجية صار من الواجب ان تتصدى كل الدول له فهو مسؤولية تكافلية تقع المسؤولية في هذا التصدي بالدرجة الأساس على المنظمات الأممية والدول الكبرى ذات الإمكانات الكبيرة والاستعدادات الواسعة. الشيء الملفت للانتباه وكاستقراء نابع من المعطيات على الأرض ان الاهتمام الإعلامي لدول الجوار او المحيط الإقليمي لايرقى الى مستوى اهتمامها السياسي او الطائفي او تدخلاتها في الشأن العراقي سياسيا وطائفيا وتلاعبها بالنسيج المجتمعي والتركيب الديموغرافي فيه وتفعيل أجندتها ومآربها فالتدخل السلبي في الشأن العراقي وبهذه الصورة وهذه الكثافة يعطي صورة مريبة ومبهمة لمواقف تلك الدول من جهة وتعاطيها الإعلامي مع الشأن العراقي بصورة اللامبالاة والتهميش والأخذ بمبدأ "مرور الكرام" وكأن الشأن العراقي الواقع على تخوم تلك الدول والماس بها مساسا مباشرا لايصلح ان يكون مادة إعلامية "دسمة" وهكذا مع بقية وسائل الإعلام العربية من "الخليج" الى "المحيط " فلا يوجد تبرير لهذا التناقض سوى الانتقائية السياسية / الطائفية في التعاطي "البارد" مع الشأن العراقي والأحداث الساخنة التي تجري فيه فضلا عن النظر بالمنظار الطائفي لمجمل الأحداث الإرهابية التي تقع في العراق كون ان غالبية تلك الأحداث تستهدف جهات معينة أكثر من غيرها رغم ان الإرهاب يستهدف جميع الجهات دون استثناء او تمييز وسبب ذلك الاستهداف المتكرر لهذه الجهة او تلك هو لإحداث فتنة طائفية تصب في مجمل الأهداف التي يتوخى الإرهاب ومن يقف وراءه ومعه تحقيقها فنرى الإعلام العربي يتعامل مع تلك الأحداث بانتقائية توحي بوجود حرب أهلية في العراق وان هناك تطاحنا مذهبيا وقوميا بين مكوناته الفسيفسائية التي تشكل موزائيك لوحته الحضارية المتناسلة منذ القدم والقائمة على التعايش الاجتماعي والسلم الاهلي وان لاوجود للإرهاب ولا لامتداداته الإقليمية وللأجندات السياسية / الطائفية المدمرة بحسب ما يرتئي وليس مستغربا ان نرى عبارة الإرهاب ومعها القاعدة توضع بين قوسين اذا وردتا في الأخبار العراقية كدليل على تلك الانتقائية الفجة. إعلامي وكاتب مستقل [email protected]