- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الوجيز في فنون الخطابة والإلقاء والتفاوض
حجم النص
بقلم:لطيف عبد سالم العكيلي تعد الخطابة أثرًا من آثار الرقي الإنساني، ومظهرًا من مظاهر التقدم الاجتماعي، ولهذا عُنِيَ بها، واهتمت بها الأمم والشعوب في كل زمانٍ ومكانٍ، واتخذتها أداةً لتوجيه الجماعات، وإصلاح المجتمعات. وقد كان للعرب في ذلك الحظُّ الأوفى، فحفلوا بها في الجاهلية وساعد عليها وجودُ عدة أسبابٍ اجتماعيةٍ أدت إلى ازدهارها ورفعة شأنها، فوصلت إلى القمة وتوَّجت بالشرف والاعتزاز. والخطابة نوع من أنواع المحادثات، وقسم من أقسام النَّثر، ولون من ألوانه الفنيَّة تَختَّص بالجماهير؛ بقصد الاستمالة والتأثير، ما جعل كثير من المتخصصين التيقن بأن أتَمُّ وأسلَم تعريفٍ لها هو أنها: (فَنُّ مخاطبة الجماهير للتأثير عليهم واستمالتهم). وتعرف أيضا، بوصفها فن مشافهة الجمهور وإقناعه واستمالته. والخطابة لغة هي الكلام المنثور يخاطب به متكلم فصيح جمعاً من الناس لإقناعهم، والخطيب هو المتحدث عن القوم أو هو من يقوم بالخطابة، وفي تعريف العلماء هي الكلام المؤلف الذي يتضمن وعظاً وإبلاغاً على صفة مخصوصة. أما في الاصطلاح، فإن الخطابة هي مجموع قوانين يقتدر بها على الإقناع الممكن أي حمل السامع على التسليم بصحة المقول وصواب الفعل أو الترك في أي موضوع يراد. ومن المناسب الاشارة هنا إلى كتاب (فن الخطابة) الذي أصدره عام 1926 م (دايل كارنيجي)، وبيعت منه ستمائة ألف نسخة في السنوات الماضية، وما يزال يشكل حتى يومنا هذا أحد الكتب الرئيسة في (معهد دايل كارنيجي) المشهور عالمياً. وضمن هذا السياق صدر عن مطبعة مركز شمس في بغداد مؤلف جديد للكاتب الاستاذ معد سلمان ياسين الشمري وسمه بـ (الوجيز في فنون الخطابة والإلقاء والتفاوض أو فنون التأثير في الآخر). الكتاب الذي صدر بـ (271) صفحة من القطع المتوسط تكون من مقدمة وثلاثة فصول، إضافة إلى أربعة ملاحق. خصص المؤلف الفصل الأول من كتابه لفن الخطابة عبر أربعة مباحث، تناول في الأول منها شروط الخطابة وفوائدها ووظائفها واهدافها، فضلا عن أنواع الاقناع ومبادئه، وأهمية الخطابة والأسلوب الخطابي. فيما أحاط الباحث بأجزاء الخطابة في المبحث الثاني. أما المبحث الثالث فقد كرسه للحديث عن أركان الخطابة الثلاثة. في حين تناول في المبحث الأخير من هذا الفصل بشيء من التفصيل قواعد وأصول الخطابة. ومن خلال أربعة مباحث جاء الفصل الثاني من الكتاب للبحث في موضوع فن الالقاء، حيث خصص الكاتب اول مباحث هذا الفصل للحديث عن عناصر الإلقاء وأنواع المتلقين ووظائف الإلقاء ومدارسه وأنواعه وأساليب الإلقاء، والإيقاع في الإلقاء وتحسسه، وصفات من يجيد فن الإلقاء، والصفات الفنية لمن يريد أن يمارس فن الإلقاء. وتضمن المبحث الثاني حديثا عن أنواع الجمل ومعاني الاستفهام. في حين كرس الكاتب المبحث الثالث للحديث عن بعض الأساليب البلاغية، إلى جانب موضوع نقل المعاني ووسائل إيصالها الذي يعد من المواضيع المهمة جدا في هذا المجال. وجرت الإشارة أيضا إلى الإلقاء أمام المايكرو فون والإلقاء في المكان المغلق والمكان المفتوح. وخصص آخر مباحث هذا الفصل للحديث عن الإلقاء ودراسة النص وشروطه وشرحه وتحليله، إضافة إلى المرور بالمواقف الطارئة التي تعتري الخطيب أثناء أدائه أمام جمهوره. وقد اشتمل الفصل الثالث الذي جاء تحت عنوان (فن التفاوض) على أربعة مباحث، أولهما خصص للحديث عن أركان عملية التفاوض، فيما كرس ثانيهما للبحث في خصائص المفاوضات وأسس الدخول فيها وتحديد شخصية المفاوض وأسس عملية التفاوض. وتناول المؤلف في المبحث الثالث بعض استراتيجيات وتكتيكات التفاوض. أما المبحث الأخير فقد اشتمل على طرق التفاوض مركزا على مجموعة عنوانات في مقدمتها طريقة التفاوض المبدئي ومراحلها من حيث التحليل والتخطيط والتباحث، فضلا عن مقاييس الحكم على طريقة التفاوض، واتخاذ الموقف التفاوضي والمساومة عليه، ومكونات طريقة التفاوض المبدئي من حيث الأشخاص والمصالح والخيارات والمقاييس الموضوعية. وبالإضافة إلى فصول الدراسة الرئيسة جاءت ملاحق البحث الأربعة لتتم جهد الباحث في الإيغال بخفايا هذا الموضوع المهم وتقديم فكرة واضحة عن مفهوم الخطابة إلى القارئ. الملحق الأول تضمن بعض الخطب التي وصفها الكاتب بالنموذجية؛ لاحتوائها على جميع القواعد والأصول الخطابية، ولكونها خطب أثرت في جمهورها، منوها في الوقت ذاته إلى إمكانية استفادة الخطيب منها في تمريناته على الخطابة والإلقاء. أما الملحق الثاني فقد خصصه الكاتب لعرض بعض التمارين الخاصة بفن الإلقاء، في حين كرس الملحق الثالث لإيراد بعض الأمثلة الجميلة على عملية التفاوض. وجاء الملحق الرابع والأخير عبر ثلاثة أقسام للإحاطة بلغة الجسد والحركات التعبيرية والاتصال البصري بشكل شفاف يفيد المبتدئ مثلما يفضي إلى الإفادة لغيره. ويمكن القول أن الكتاب الحالي يشكل إضافة نوعية وجادة إلى المكتبتين العراقية والعربية؛ لاعتبارات تتعلق بأهمية الموضوع الذي تناوله الباحث الذي كلفه جهدا مضنيا؛ لضمان ايصال أوسع المعلومات إلى القارئ. وهو الأمر الذي يفرض على الأكاديميين والمتخصصين والمهتمين بهذا الفن الاطلاع على هذا الكتاب؛ لاستعراض فصوله ومباحثة بموضوعية، بغية المساهمة في استكمال دراسة الباحث. ومما هو جدير بالإشارة أن مؤلف الكتاب من مواليد عام 1966 م، حاصل على شهادة البكالوريوس في التربية / قسم علوم الحياة من جامعة بغداد عام 1990م، إضافة إلى شهادة البكالوريوس في القانون والسياسة / قسم القانون من جامعة الإمام الصادق عليه السلام عام 2010 م. وقد أصدر مؤلفات عدة منها: قراءة في المذاهب الإسلامية الذي طبع في صنعاء، وأعيد طبعه ثانية في بيروت بعنوان موسوعة المذاهب الإسلامية، فضلا عن كتاب مقارنة بين التوراة والبخاري، وكتاب رسالة حول الزيدية، وكتاب رسالة القول الجلي في صحة باب مدينة العلم علي، إضافة إلى انجازه خمس مخطوطات تنتظر الطبع.