في ضاحية من ضواحي شمال غرب العاصمة البريطانية لندن، تقع مؤسسة الامام الخوئي الخيرية، ببنايتها المميزة بقبتها الخضراء.
هناك تقع ثلاث بنايات، تضم مؤسسة الامام الخوئي الخيرية يجاورها مركز الامام الخوئي الاسلامي، جنبا الى جنب مع مدارس الامام الصادق للبنين ومدارس الزهراء للبنات.
من النجف الاشرف الى لندن
ولدت فكرة مؤسسة الامام الخوئي، في العراق حينما طرحها الامام المرجع السيد أبو القاسم الخوئي في النجف الاشرف ليقوم من ثم على تنفيذها نجلاه الشهيدان السيد محمد تقي الخوئي والسيد عبد المجيد الخوئي وذلك بعد تعيين العلامة السيد فاضل الميلاني وكيلا للمرجع في بريطانيا.
كان انشاء المؤسسة استجابة لحاجات المسلمين الدينية والاجتماعية، حيث أصبحت هذه القضية ملحة خصوصا مع تزايد الحضور العراقي في بريطانيا خاصة ودول أوروبا بصورة عامة، فضلا عن الوجود الاسلامي الكبير في دول العالم الاخرى وعلى امتداد القارات الخمس.
ولقد تنبه الامام الراحل السيد الخوئي الى هذه القضية وبشكل مبكر، لذلك رأى ضرورة قيام عمل مؤسساتي اسلامي يساهم تحديدا في كسب الرأي العام العالمي الى جانب قضية الشعب العراقي وقضايا المسلمين عموما عن طريق العمل المنظم الواعي في الغرب، مستفيدا من الحريات المتاحة.
والاستفادة كذلك من هذه الحريات لمواجهة الافكار المشوهة والنمطية عن الاسلام من خلال المشاركة الفاعلة في الندوات والمؤتمرات والحلقات الفكرية التي تتناول هذه القضايا، لذا كان بناء (مؤسسة الامام الخوئي الخيرية في لندن) في عام 1409هـ، 1989م، الخطوة الاولى على هذا الطريق.
حيث وقع الاختيار على بريطانيا، ولندن تحديدا وذلك لموقعها المركزي في اوروبا، وسهولة الانطلاق والتحرك منها الى بقية دول العالم.
أقسام ونشاطات
يتولى تسيير الخدمات والنشاطات في المؤسسة مجموعة من المكاتب، حيث يقوم كل منها بتنفيذ اعمال محددة.
وعلى رأس هذه المكاتب يأتي مكتب الشؤون الدينية، الذي يقع في بناية مركز الامام الخوئي الاسلامي حيث يقوم بالاشراف على المركز وإقامة الشعائر الدينية في المناسبات، طيلة أيام السنة كما يقوم بالاجابة عن المسائل والاستفسارات الشرعية والعقائدية وإجراء العقود الشرعية، وحل الخلافات العائلية واصدار شهادات التوثيق المتعلقة بالأحوال الشخصية، فضلا عن الابحاث الفقهية العليا، ودروس العقائد والتفسير ليالي الجمعة.
من جهته يقوم قسم الشؤون الاجتماعية، الذي يضم مكتب شؤون المرأة ومكتب النشاطات الإجتماعية الخاصة بالبنين والناشئة، بادارة وتنظيم النشاطات الاجتماعية التي تهدف إلى توفير الجو الإسلامي المناسب لأبناء الجالية المسلمة.
أما مكتب الثقافة والاعلام فانه يضطلع بالاشراف على العمل الاعلامي، حيث قام هذا المكتب بجهد مكثف ودؤوب على المستويين العربي والدولي.
وقد لعبت (مجلة النور) التي كانت تصدر باللغة العربية منذ مطلع التسعينات دورا كبيرا ومؤثرا في العالم العربي وعلى مدى أكثر من عقد من السنين.
ويعد مكتب العلاقات العامة واحدا من أكبر المكاتب العاملة في المؤسسة، حيث يغطي بنشاطاته وباللغتين العربية والانكليزية قضايا عديدة تشمل حوارات الاديان، والتقريب بين المذاهب.
لقد نجحت المؤسسة في تجربتها التعليمية سواء من خلال (مدارس الامام الصادق والزهراء (ع) في لندن) التي حققت مستويات ممتازة أو مدرسة الهدى في مونتريال( كندا)، او مدرسة الايمان في نيويورك، وكذلك في مدرسة الزهراء في تايلند، فضلا عن مجال التعليم الديني في (جامعة الكوثر) في باكستان.
ترتبط كل هذه المكاتب فضلا عن مكاتب الشؤون الادارية والمالية والفنية بالامانة العامة التي تتولى الإشراف على جميع أعمال المؤسسة ومراكزها وفروعها.
كما تضم المؤسسة مكتبة مميزة تضم أمهات الكتب الإسلامية في التفسير والفقه الإسلامي على جميع المذاهب، فضلا عن كتب الحديث والرجال والتراجم والكلام والفلسفة والعلوم الأدبية ودواوين الشعر وغيرها من الحقول العلمية فضلا عن مجموعة من المجلات والاصدارات والمجموعات القيمة.
القضية العراقية...أولا
تركز أغلب نشاط المؤسسة في فترتها الاولى الممتدة منذ التأسيس وحتى سقوط النظام الدكتاتوري في العراق، على الدفاع عن القضية العراقية من خلال النشاطات الدينية والاجتماعية سواء من خلال منابر الامم المتحدة أو المنظمات الانسانية أو المؤتمرات الدولية العديدة التي شاركت فيها المؤسسة مشاركة فاعلة.
ولقد استطاعت المؤسسة تسليط الاضواء ولاول مرة على الجرائم التي اقترفها النظام المباد خصوصا خلال الانتفاضة العراقية في عام 1991م، حيث نجحت بفتح قنوات الاتصال مع الدول الكبرى فضلا عن بقية المجموعة السياسية لدول الاتحاد الاوروبي.
وشملت الاتصالات أيضا العديد من مكاتب الأمم المتحدة في جنيف ونيويورك. وفي هذا الاطار أيضا قامت المؤسسة بالمساهمة في إنتاج ونشر واحد من أهم الافلام عن مآسي سكان الاهوار في جنوبي العراق، حمل عنوان (حقول القتل) مع المخرج البريطاني المشهور مايكل وود حيث عرض الفيلم في أغلب شبكات التلفزة العالمية.
مؤسسة اسلامية ونشاطات عالمية
تطور عمل المؤسسة على مدى أكثر من عقدين، فقامت بتوسيع مجالات عملها من خلال فتح فروع جديدة لها كي تلبي الحاجات المتزايدة للمسلمين.
وهكذا امتد عمل مؤسسة الامام الخوئي ليغطي مدنا اخرى في بريطانيا كمانشستر وسوانزي وبرادفورد، كما تم فتح مكتب في العاصمة الفرنسية باريس، وكذلك في الولايات المتحدة الامريكية في نيويورك، وفي مونتريال في كندا.
اما في آسيا فقد تم افتتاح مكاتب في باكستان في كل من اسلام آباد، وكراتشي وكويته وفي الهند في بومبي فضلا عن بانكوك وبتالونغ في تايلند.
كذلك قامت المؤسسة بتنظيم مؤتمرات كبرى للتقريب بين المذاهب الاسلامية بالتعاون مع دول عربية، ومؤسسات اسلامية مهمة، كالذي حصل بالتعاون مع المملكة الاردنية الهاشمية وسلطنة عمان وسوريا ومصر، كما سعت المؤسسة الى بناء جسور التعاون والتفاهم مع المؤسسات والمنظمات العربية والاسلامية، كالازهر الشريف والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الاسلامية- مؤسسة آل البيت، وجامعة آل البيت في الاردن، ودار الحديث الحسنية في المغرب ودار الافتاء في سلطنة عمان.
كما أثمرت هذه الجهود عن توقيع ميثاق التعاون المشترك مع المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) في عام 1998، الذي تضمن برامج كثيرة خصصت للثقافة والاعلام ودعم القدس الشريف ودعم المسلمين في سراييفو فضلا عن دعم ونشر الثقافة الاسلامية بصورة عامة.
لقد استطاعت مؤسسة الامام الخوئي الخيرية من بناء سمعة عالية المستوى، ما مكنها من تحقيق مصداقية كبيرة ليس في بريطانيا فحسب بل وعلى المستوى الدولي.
وهكذا منحت المؤسسة الثقة على مستوى الامم المتحدة، بحصولها على عضوية المنظمات غير الحكومية، ما يجعلها واحدة من المؤسسات الاسلامية القليلة في العالم التي حازت على هذه المكانة الرفيعة. لذلك ليس غريبا ان تكون (مؤسسة الامام الخوئي الخيرية) من المؤسسات الاسلامية القليلة التي ستكون حاضرة في مونديال لندن من خلال ممثلها الخاص الذي سيقوم بتقديم خدماته الارشادية والتوجيهية خصوصا للوفود القادمة من الدول الاسلامية.
تقرير:فؤاد جابر